Le chef rebelle Ahmed Urabi
الزعيم الثائر أحمد عرابي
Genres
رفع البارودي هذا التقرير إلى الخديو، فاستاء من ذلك وعده تطاولا على مقامه، وغضب على البارودي واعتزم إقصاءه عن وزارة الحربية، واستدعى الوزراء بالتلغراف من القاهرة ... فوفدوا إلى الإسكندرية واجتمعوا بالخديو في سراي رأس التين، وتداولوا في حادثة الجندي القتيل وما فعل رفاقه، وقرر الخديو أن بقاء البارودي في وزارة الحربية هو منشأ هذه الفوضى، ولا سبيل إلى إعادة النظام إلا بعزله. فلم ير البارودي بدا من أن يقدم استقالته، فقبلت في الحال، وعين الخديو صهره داود باشا يكن بدله، ثم أعقب ذلك صدور أمر آخر بعزل أحمد باشا الدرملي محافظ العاصمة، لما كان معروفا عنه من مشايعته لحركة عرابي، وتعيين عبد القادر باشا حلمي مكانه، وكان مكروها من العرابيين.
قابل عرابي وصحبه هذا التغيير بالانزعاج والتبرم ... وتوجسوا خيفة من عواقب إبعاد البارودي الذي كانوا يطمئنون إليه، ويركنون إلى إخلاصه ، وتوقعوا شرا مستطيرا من تعيين صهر الخديو على رأس الوزارة التي تملك ناصية الجيش، على أنهم كتموا شعورهم وأخذوا يتدبرون ما يجب عليهم عمله للمحافظة على حياتهم بعد هذا التغيير، وذهبوا إلى داود باشا في ديوان الجهادية يهنئونه بمنصبه الجديد، وطلبوا إليه أن يجعل فاتحة أعماله إصدار قوانين الإصلاحات العسكرية التي وضعت في عهد البارودي فوعدهم بذلك ...
ولكنه لم يلبث أن أصدر منشورا أبلغه جميع الآلايات، نهى فيه الضباط عن اجتماعهم في المنازل أو في أحياء المدينة، ونبه على عدم ترك مراكز الآلايات ليلا أو نهارا، وأنذرهم بأنه إذا وجد اثنان منهم أو أكثر مجتمعين معا في المدينة فسيجري ضبطهم بيد رجال الضبطية واعتقالهم، وأن كل من يتكلم منهم مع آخر في الأمور السياسية يسجن بالقلعة، وشدد على الضباط في اتباع هذه الأوامر وأخذ يراقب تنفيذها، فيذهب بنفسه ليلا إلى مراكز الآلايات ليتحقق من تنفيذ أوامره، وبث عبد القادر باشا حلمي محافظ العاصمة الجديد العيون والجواسيس على منازل رؤساء الحزب العسكري، وخاصة عرابي وعبد العال وأحمد عبد الغفار، لمنع اجتماعاتهم، فارتاعوا من ذلك ولزموا آلاياتهم.
كان الغرض من صدور هذه الأوامر تفريق اجتماعات الضباط، إذ كانت هذه الاجتماعات الوسيلة العملية لتبادلهم الآراء والأفكار، وتعاهدهم على التضامن واتحاد الكلمة واتفاقهم على الخطط التي يتبعونها لحفظ كيانهم وتحقيق مطالبهم ... فداود باشا يكن قد حقق بهذه الأوامر المخاوف التي ساورت عرابي وصحبه من تعيينه وزيرا للحربية بدلا من البارودي، واتفق الضباط على رفض تنفيذ هذه الأوامر.
عرابي الزعيم القومي
(1) الزعامة القومية
لم يكن لواقعة قصر النيل أثرها في الجيش فحسب، بل كان لها أثر بالغ في الأمة ... إذ جعلت لعرابي مكانة كبيرة في البلاد، وأخذت الألسنة تلهج باسمه وتمتدح شجاعته وإقدامه. والواقع أن الحادثة في ذاتها وما تنطوي عليه من الجرأة على الحكومة، وإطلاق سراح المسجونين، وعزل وزير الحربية عثمان رفقي الذي كان موضع سخط الضباط الوطنيين، وتعيين وزير يعطف عليهم ويؤيدهم، ثم الإصلاحات التي قام بها البارودي وأخصها زيادة رواتب الضباط والجند ، كل هذه الأعمال جعلت من عرابي زعيما قوميا اتجهت إليه الأنظار لتحقيق أماني الشعب، ولم يكن الجيش يصدر عن أفكار وعواطف تخالف أفكارها ونفسيتها، فهو أول شيء طبقة من صميم الأمة، وضباطه وجنوده متصلون بها بروابط القرابة والدم، وكانوا يمثلون الأمة من هذه الناحية، ومن كونهم جاءوا من مختلف نواحي المديريات.
وكانت المظالم التي شكا منها زعماء الجيش تشبه المظالم التي كانت البلاد تشكو منها، ولم يكن الناس راضين عن الحكومة وسياستها، بل كانوا يتبرمون بمظالم الحكام، وينقمون من الوزارة بسبب استسلامها للنفوذ الأجنبي وخضوعها لأوامر القناصل ومحاباتها الموظفين الأجانب في مصالح الحكومة، وتمييزها إياهم بالرواتب الكبيرة والمزايا العديدة، فلا غرو أن اغتبط الناس بتحقيق مطالب الجيش، وذاع في البلاد اسم عرابي كمنقذ للأمة من المظالم ومحقق للآمال، وقد لقي عرابي عطفا وتأييدا من جميع الطبقات، وفي مقدمتها العلماء والأعيان وعامة البلاد ومشايخ العربان، وأخذ هو يبث أفكاره بينهم ليكونوا عدته وحزبه، ويتأهب للقيام بحركة جريئة توطد نفوذه وسلطانه، ويطمئن بها على حياته وحياة صحبه الموالين له في الجيش ... وهي المطالبة بتأليف المجلس النيابي مع إسقاط وزارة رياض باشا، أو بعبارة أخرى إحداث انقلاب في نظام الحكم، وإحلال حكم الشورى محل الحكم الاستبدادي.
ولما اطمأن عرابي إلى أن الجيش في قبضة يده والأمة تناصره، شرع في إحداث الانقلاب الذي كان يرجوه في نظام الحكم، أو بعبارة أخرى أخذ يتأهب لمتابعة الثورة التي بدأها يوم أول فبراير سنة 1881.
وكانت الحكومة من ناحيتها تدفعه إلى الثورة دفعا، بما بدا منها من الحركات العدائية التي قصدت منها تفريق شمل زعماء الجيش وضباطه تمهيدا للتنكيل بهم ... فهي أولا لم تصدر القوانين العسكرية الجديدة التي وضعت في عهد البارودي، وكان هذا إخلالا بوعدها في تحسين حالة الضباط والجنود، وبرهانا على سوء مقاصدها نحو الجيش، واشتدت هذه المقاصد ظهورا من يوم عودة الخديو من مصيفه بالإسكندرية إلى العاصمة.
Page inconnue