مقدمة
حصون مدينة الإسكندرية
موازنة بين هذه الحصون والأسطول البريطاني
مقدمة
حصون مدينة الإسكندرية
موازنة بين هذه الحصون والأسطول البريطاني
يوم 11 يوليه سنة 1882
يوم 11 يوليه سنة 1882
تأليف
عمر طوسون
مقدمة
يقبل علينا شهر يوليه من كل سنة فيذكرنا باليوم الأسود يوم 11 منه، ذلك اليوم الذي داست فيه إنكلترا المعاهدات الدولية وتعلقت بأوهى الأسباب وضربت مدينة الإسكندرية. فاقترفت بذلك سبة الاعتداء على أمة لم يكن بينها وبينها إلا السلام، واجترحت إثم التهجم على بلاد لم تناوئها الحرب ولم تبادئها بالعدوان والخصام.
ومن رأينا أنه لا يجدينا شيء أكثر من ذكريات تاريخنا، وأن الجد لنا كل الجد في استثارة دفائن هذا التاريخ والاعتبار بتلك الذكريات حلوها ومرها. فإذا قلبنا صفحاته ورأينا فيها صفحة مجيدة نشرناها؛ لأنها تحيي فينا روح الأمل بعودة ماضينا، وإن كانت الأخرى وألفيناها صفحة سوداء لم نطو دونها كشحا ولم نضرب عنها صفحا؛ لأننا لو سترناها وأغمضنا الطرف عنها أمسينا في عماية ولم نعرف أخطاءنا، فكان ذلك مدعاة لبقائنا في غفلتنا سادرين، وسببا في جهلنا بعللنا الخلقية وأمراضنا الاجتماعية أبد الآبدين.
نعم ضربت إنكلترا بمدافع أسطولها حصون مدينة الإسكندرية وتغلبت عليها، وترتب على ذلك ما ترتب من الاحتلال وما جره وراءه من النتائج الخطيرة التي لا زلنا نعاني شدائدها ونقاسي أهوالها ونكتوي بنارها. وهذا كله أمر معروف مفروغ منه. ولكن ما هي الأسباب التي حملتها على هذا العدوان؟ وما هي الحالة التي كانت عليها حصون مدينة الإسكندرية؟ وهل كان في إمكانها مقاومة هذا الأسطول؟ وهل كانت قواهما متفاوتة؟ وما مقدار هذا التفاوت، وهل قام الجيش المصري المرابط في هذه الحصون بواجبه الوطني في الذود عن البلاد والدفاع عن هذه الحصون حتى النفس الأخير؟ وهل كان في مقدور ساستنا وأولي الرأي والأمر فينا تغيير موقف إنجلترا العدائي؟ وما الذي حال بينهم وبين هذه السياسة القويمة الحكيمة؟ ثم على من تقع بعد ذلك تبعة تخريب هذه الحصون وقتل هذه الأنفس العزيزة وضياع البلاد؟ هذه كلها أمور تمر بخواطر الناس وخواطر المصريين خاصة، ولكنهم لا يجدون عنها جوابا، فأردنا أن نكتب هذه الرسالة في هذا الموضوع لندعو بها المصرين إلى تذكر يوم 11 يوليه سنة 1882 حتى يخطر دائما ببالهم ويمتزج بأنفسهم ويكون نصب أعينهم في ليلهم ونهارهم، ثم لنجلو هذه الأمور الغامضة ولنكون على بينة من الأسباب والنتائج ولنستخلص من كل ذلك العبرة التاريخية؛ لتكون لنا تذكرة ننتفع بها في حاضرنا ومستقبلنا، وإنما يتذكر أولو الألباب.
عمر طوسون
حصون مدينة الإسكندرية
(1) الحصون من قبل الفتح الإسلامي إلى حكم المماليك
كانت مدينة الإسكندرية أوسع رقعة قبل الفتح الإسلامي منها بعد هذا الفتح، وكانت دائرة أسوارها القديمة المحيطة بها أكبر من دائرة سورها في حكم العرب.
ذلك أنها كانت عاصمة المملكة المصرية منذ أسسها الإسكندر الأكبر إلى أن فتحها العرب، فجلت عنها عساكر الرومان وأسرهم وحكامهم وكثيرون من النازلين بها من طوائف الأمم المختلفة، خصوصا بعد أن فتحت الفتح الثاني في عهد خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبعد أن اتخذت مدينة الفسطاط عاصمة للديار المصرية واكتظت بالسكان.
وكانت في عهدها القديم مدينة منيعة حصينة غاية الحصانة مشهورة بأسوارها العديدة وخنادقها العميقة وأبوابها المحكمة وأبراجها الكثيرة الباذخة وحصونها العديدة الشامخة.
ولقد عانى العرب في فتحها شدائد وأهوالا وظلوا في حصارها ومهاجمتها أربعة عشر شهرا، يصبحونها ويمسونها بالغارة تلو الغارة حتى فتحها الله عليهم، فهالهم ما رأوه فيها من وثيق البنيان وكثرة السكان، وعظيم الحضارة والعمران، وفسيح الميادين، وعجيب الملاعب والعمد والأساطين، وغرائب المباني والقصور، ووفرة الحوانيت والأسواق والدور، وروائع المسلات والعمارات، والهياكل والكنائس والخانات.
ولما ظنوا أنها دانت لهم اتخذوا بها رابطة وشحنوها بمقاتلتهم، وعاد الفاتحون مع أميرهم عمرو بن العاص إلى داخلية البلاد، وتفرقوا في أنحائها واتخذوا الفسطاط دارا لإمارتهم. وظلت الحال على ذلك ردحا من الزمن.
فلما كانت خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه عزل عنها عمرا، واستعمل عليها بدلا منه عبد الله بن سعيد بن أبي السرح، فلم تمض على ولاية هذا أيام حتى ثارت الإسكندرية على حاميتها فقتلوها واستولوا على مرابطها، وكانوا قد كتبوا بذلك إلى ملك الروم فأرسل إليهم المقاتلة والأمداد فملكوا المدينة وخرجوا منها لقتال المسلمين والاستيلاء على الريف ثم على سائر مصر، وعند ذلك طلب المسلمون من الخليفة أن يعيد إليها عمرا؛ لأن له هيبة في صدورهم ومعرفة بحربهم، فأعاده إليها وعادت الحرب بينه وبينهم وكانت حربا شعواء كتب الله النصر فيها للمسلمين، وقد حلف عمرو لئن فتح الله مدينة الإسكندرية ليهدمن حصونها وأسوارها. فلما فتحها الله عليه بر بقسمه وسواها بالأرض، حتى لا تعود فتنتقض على المسلمين مرة أخرى ويعتصم مقاتلتها بأسوارها وحصونها.
وفي هذا الفتح الثاني استحر القتال بين عمرو والروم بالقرب من باب السدرة، فقتل منهم مقتلة عظيمة، ولما رأى القتل قد استحر فيهم أمر برفع السيف عنهم رحمة بهم، وأسس في هذا المكان مسجدا أسماه «مسجد الرحمة»، وهو المسجد المعروف الآن بمسجد العمري عند تقابل شارع أبي الدرداء بشارع الخديو الأول، وكان هذا المسجد أكبر مما هو عليه الآن كثيرا.
ثم في أثناء ولاية أحمد بن طولون على مصر عندما استقل بها في نحو سنة 265ه (878م) أحاط الإسكندرية بسور جديد؛ خوفا من غارة عسكر الخليفة عليها، ويقال إن هذا السور هو الذي بقي إلى أن دخلها الفرنسيون، كما يقال أيضا إنه تهدم وإنه بني ثانيا في أيام حكم المماليك البحرية، وإن هذا هو الذي بقي عند مجيء الحملة الفرنسية.
وإليك النصوص التي استندنا إليها في هذا الشأن:
قال ابن عبد الحكم المتوفى سنة 257ه (871م) في كتابه «فتوح مصر ص42»:
كانت الإسكندرية ثلاث مدن بعضها إلى جنب بعض - منة وهي موضع المنارة وما والاها، والإسكندرية وهي موضع قصبة الإسكندرية اليوم، ونقيطة. وكان على كل واحدة منهن سور وسور من خلف ذلك على الثلاث مدن يحيط بهن جميعا - ثم نقل عن طريف الهمذاني أنه كان على الإسكندرية سبعة حصون وسبعة خنادق. ا.ه.
وجاء في خطط المقريزي المتوفى سنة 845ه (1441م) ج1 في آخر الكلام على مدينة الإسكندرية ما نصه:
وكان بناء الإسكندرية طبقات وتحتها قناطر مقنطرة عليها دور المدينة يسير تحتها الفارس وبيده رمح لا تضيق به حتى يدور جميع تلك الآزاج والقناطر التي تحت المدينة. وقد عمل لتلك العقود والآزاج مخاريق ومتنفسات للضياء ومنافذ للهواء - إلى أن قال - وكان عليها سبعة أسوار من أنواع الحجارة المختلفة الألوان بينها خنادق، وبين كل خندق وسور فصول. ا.ه.
وقال ابن عبد الحكم في كتابه الآنف الذكر ص80:
لما هزم الله تبارك وتعالى الروم وفتح الإسكندرية وهرب الروم في البر والبحر خلف عمرو بن العاص بالإسكندرية ألف رجل من أصحابه، ومضى عمرو ومن معه في طلب من هرب من الروم في البر. فرجع من كان هرب من الروم في البحر إلى الإسكندرية فقتلوا من كان فيها من المسلمين إلا من هرب منهم. وبلغ ذلك عمرو بن العاص فكر راجعا ففتحها. ا.ه.
وهذا النص يتعلق بفتحها الأول.
وجاء في الصفحة 82 منه:
وكتب عمرو بن العاص بعد ذلك إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أما بعد، فإني فتحت مدينة لا أصف ما فيها، غير أني أصبت فيها أربعة آلاف بنية بأربعة آلاف حمام وأربعين ألف يهودي عليهم الجزية، وأربعمائة ملهى للملوك.
وعن أبي قبيل أن عمرا لما فتح الإسكندرية وجد فيها اثني عشر ألف بقال يبيعون البقل الأخضر. وعن محمد ابن سعيد الهاشمي قال: ترحل من الإسكندرية في الليلة التي دخلها عمرو بن العاص أو في الليلة التي خافوا فيها دخول عمرو سبعون ألف يهودي - إلى أن قال - وكان عدة من بالإسكندرية من الروم مائتي ألف من الرجال، فلحق بأرض الروم أهل القوة وركبوا السفن، وكان بها مائة مركب من المراكب الكبار، فحمل فيها ثلاثون ألفا مع ما قدروا عليه من المال والمتاع والأهل وبقي من بقي من الأسارى ممن بلغ الخراج فأحصي يومئذ ستمائة ألف سوى النساء والصبيان. ا.ه.
وجاء في الصفحة 130 منه:
لما استقامت للمسلمين البلاد قطع عمرو بن العاص من أصحابه لرباط الإسكندرية ربع الناس، وربع في السواحل والنصف مقيمون معه. وكان يصير بالإسكندرية خاصة الربع في الصيف بقدر ستة أشهر، ويعقب بعدهم شاتية ستة أشهر. وكان لكل عريف قصر ينزل فيه بمن معه من أصحابه واتخذوا فيها أخائذ. ا.ه.
وجاء في الصفحتين 175 و176 منه:
كانت الإسكندرية انتفضت وجاءت الروم عليهم منويل الخصي في المراكب حتى أرسوا بالإسكندرية، فأجابهم من بها من الروم ولم يكن المقوقس تحرك ولا نكث. وقد كان عثمان بن عفان عزل عمرو بن العاص وولى عبد الله بن سعد. فلما نزلت الروم الإسكندرية سأل أهل مصر عثمان أن يقر عمرا حتى يفرغ من قتال الروم؛ فإن له معرفة بالحرب وهيبة في العدو ففعل. وكان على الإسكندرية سورها فحلف عمرو بن العاص لئن أظهره الله عليهم ليهدمن سورها حتى تؤتى من كل مكان - إلى أن قال - وقتلهم عمرو حتى أمعن في مدينتهم فكلم في ذلك فأمر برفع السيف عنهم وبني في ذلك الموضع الذي رفع فيه السيف مسجد، وهو المسجد الذي بالإسكندرية الذي يقال له مسجد الرحمة، وإنما سمي مسجد الرحمة لرفع عمرو السيف هنالك، وهدم سورها كله. ا.ه.
وهذا النص يتعلق بفتحها الثاني.
وقال علي باشا مبارك في خططه (ج7 ص43):
وفي القرن التاسع من الميلاد - أعني بعد فتح مصر بقرنين أيام خلافة المتوكل وهو العاشر من بني العباس والثاني والثلاثون من الخلفاء بعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم - هدم أحمد بن طولون الأسوار القديمة
1
وبنى غيرها فما كان جهة البحر والغرب بقي على ما كان عليه مع بعض تغيير. وأما ما كان من الجهة الشرقية والجهة القبلية فقد دخل كثيرا لخراب هاتين الجهتين، وذكر بعضهم أن ابن طولون إنما عمر الأسوار القديمة فقط، ثم في سنة 1212م اعترى المدينة والأسوار تخرب فاحش، فبنى أحد من تولى على تخت الديار المصرية بعد صلاح الدين أسوارا أخر وهي التي بقيت إلى دخول الفرنساوية.
ثم قال:
وبهذا الانتقال كانت مساحة المدينة في زمن ابن طولون أقل من نصف مساحتها في زمن الرومانيين، وبقيت على ما وضعها عليه ابن طولون إلى زمن دخول الفرنساوية لكنها على حسب الأزمان والأحوال كانت أخذت في التخرب. وفي سنة 1718م بناء على ما ذكره مابي قنصل فرنسا في ذلك الوقت في وصف إسكندرية، كان التخرب قد اعتراها وغير معالمها حتى صار لا يوجد في مدينة العرب أكثر من مائة بيت، وتحول غالب الناس إلى ساحل الميناء وبنوا منازلهم فوق الأرض التي حدثت من انحسار البحر في محل السبع غلوات، وهجرت مدينة العرب بالكلية فكانت خرابا بلقعا لا يأوي إليها إلا أشقياء الناس. وتلك البلد التي حدثت بنيت بأنقاض مدينة الأروام. وعلى هذا كان الخراب ممتدا من مكان مدينة كانوب (أبو قير) إلى باب العرب (بالمكس) على ساحل البحر، ومن جهة الأرض إلى ساحل البحيرة وخليج إسكندرية. وكان لا يزيد عدد أهل البلد الجديد عن أربعة آلاف نفس. ا.ه. (2) الحصون في أواخر حكم المماليك الجراكسة
قال خليل بن شاهين الظاهري حاكم الإسكندرية في عهد السلطان الأشرف برسباي من سلاطين دولة المماليك الجراكسة والمتوفى سنة 850ه (1468م) في كتابه «زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك» ص39 في الكلام على ثغر الإسكندرية وحصونه ما نصه:
فصل في ذكر ثغر الإسكندرية
وهو أجل ثغور الإسلام وأعظمه، يشتمل على سورين محكمين بهما عدة أبراج يحيط بها خندق يطلق فيه الماء من البحر المحيط عند وقت الضرورة، وللثغر عدة أبواب محكمة حتى إن على كل باب منها ثلاثة أبواب من حديد، وبأعلى الأبراج مناجيق ومكاحل. وفي وقت الضرورة يعلق على كل شرافة قنديل. وهذا الثغر في غاية التحصين وعلى كل برج منه أعلام وطبلخاناه وأبواق وحرسية يشهر ذلك وقت الضرورة. ا.ه. (3) الحصون قبل حكم محمد علي
كانت حصون مدينة الإسكندرية عند قدوم الحملة الفرنسية عبارة عن سور محيط بها فيه أبراج ومزاغل ومرامي للنار، وحوله خندق يصل إليه ماء البحر الملح. وهذا السور كان يسمى سور العرب؛ لأنه بني في زمن حكمهم، وهذه حقيقة لا ريب فيها لأن دائرة هذا السور كانت أضيق كثيرا من دائرة مدينة البطالسة - أي الإسكندرية القديمة - عند استيلاء العرب عليها.
وإليك تخطيط سور العرب المذكور :
الجهة الشمالية منه
كان السور يبتدئ في هذه الجهة من موقع الباب رقم 10 من أبواب مخازن الجمارك الحالية أمام شارع البحرية ويمتد في استدارته إلى ناحية الشرق مسافة قدرها 340 مترا؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يدعى «باب البحر الغربي» - الباب الأخضر - وموقعه الآن عند تقابل شارع الطوبجية بشارع الباب الأخضر، ثم يمتد في استدارته أيضا إلى ناحية الشرق مسافة أخرى قدرها 350 مترا إلى أن يقطع شارع دانسطاسي، ثم ينحرف إلى الجنوب قليلا ممتدا مسافة قدرها 100 متر، ثم ينكسر متجها إلى ناحية الشمال ممتدا مسافة قدرها 150 مترا حتى يصل إلى نقطة موقعها الآن وراء المحكمة المختلطة بقدر 60 مترا تقريبا. ثم يعتدل مشرقا مسافة قدرها 100 متر؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يدعى «باب البحر الشرقي» كان موقعه بالقرب من تقاطع شارعي مسجد العطارين والسبع بنات الآن، ويمتد مسافة أخرى في هذا الاتجاه قدرها 220 مترا؛ حيث موقع البورصة الآن، ثم ينكسر مرة أخرى متجها إلى الشمال مسافة قدرها 180 مترا مخترقا شارع البورصة القديمة إلى نقطة تقابله بشارع سعد زغلول، ثم يعود فيعتدل إلى ناحية الشرق الشمالي ممتدا مسافة قدرها 580 مترا تقريبا حتى يصل إلى موقع محطة الرمل الآن، ثم يرجع فينكسر إلى ناحية الجنوب ممتدا مسافة قدرها 320 مترا غربي شارع المسلة بمقدار 30 مترا، ثم يعتدل مرة أخرى إلى ناحية الشرق ويكون حينئذ في شمال شارع السلطان حسين كامل الآن وعلى بعد 30 مترا منه ممتدا مسافة قدرها 1100 متر حتى يصل إلى موضع حداق البلدية الآن من شارع بلجيكا.
الجهة الشرقية منه
هذه الجهة تبتدئ عند تقاطع شارع بلجيكا والسلطان حسين كامل في موضع حدائق البلدية الآن، ويتجه السور من هذه الجهة نحو الجنوب ممتدا مسافة قدرها 230 مترا تقريبا؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يدعى «باب رشيد» أو الباب الشرقي، ثم يمتد مسافة أخرى في هذا الاتجاه قدرها 300 متر تقريبا حتى يصل إلى موقع شارع الأمير عبد القادر الحالي.
الجهة الجنوبية منه
هذه الجهة من السور كانت تبتدئ من الجهة الشرقية الجنوبية، ثم يمتد السور منها ناحية الغرب مسافة قدرها 1000 متر تقريبا حتى يصل إلى موقع محكمة العطارين الجزئية الآن، ثم يميل إلى ناحية الشمال قليلا ممتدا مسافة 100 متر حتى يصل إلى جنوب كوم الدكة، ثم ينحرف إلى ناحية الجنوب قليلا ممتدا مسافة قدرها 270 مترا إلى أن يصل إلى موقع محطة مصر القديمة؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يدعى قديما باسم «باب الصوري»، ثم دعي بعد ذلك باسم «الباب الجديد» و«باب محرم بك»، ثم يمتد مسافة أخرى في هذا الاتجاه قدرها 350 مترا إلى أن يصل إلى مبتدأ موقع شارع الخديو الأول، ثم يعتدل إلى ناحية الغرب ممتدا مسافة قدرها 350 مترا في امتداد شارع الخديو الأول؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يدعى «باب سدرة» أو «باب العمود» وموقعه الآن عند تقاطع شارعي عمود السواري والخديو الأول، ثم يمتد في هذا الاتجاه مسافة أخرى قدرها 970 مترا إلى أن يصل إلى موقع بورصة ميناء البصل الحالية، ويدور حولها ممتدا في استدارته مسافة قدرها 240 مترا تقريبا إلى أن يصل إلى ترعة المحمودية.
الجهة الغربية منه
تبتدئ هذه الجهة من السور المذكور من جنوبي هويس ترعة المحمودية الواقع أمام شون الأقطان، ويمتد السور منها متجها إلى الشمال مسافة قدرها 350 مترا؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يدعى «باب المغارات» وموقعه الآن بشارع الكوبري القديم أمام مكابس الأقطان، ثم يمتد في هذا الاتجاه مسافة قدرها 80 مترا، ثم ينكسر متجها قليلا إلى ناحية الشمال الغربي ممتدا في هذا الاتجاه مسافة قدرها 300 متر؛ حيث موقع رصيف جمرك المحمودية الآن، ثم يعتدل إلى ناحية الشمال ممتدا مسافة قدرها 100 متر، مارا بموقع مخازن الجمرك الآن، ثم يستدير نحو الشرق قليلا مع اتجاهه إلى ناحية الشمال ممتدا في هذا الاتجاه مسافة قدرها 650 مترا، مارا بمواقع مخازن جمرك الإسكندرية ومكتب البريد؛ حيث ينتهي بالقرب من مواقع مخازن الدخان الآن غربي شارع البحرية؛ أي عند بدايته في موقع الباب رقم 10 الآنف الذكر.
ومن هذا الوصف يعرف أن جزءا من مدينة الإسكندرية الحالية كان موجودا وقت مجيء الحملة الفرنسية، ولم يكن داخل هذا السور وهذا الجزء هو الواقع شمال هذا السور بين الميناء الشرقية والميناء الغربية، ويشتمل على قسم رأس التين وقسم الجمرك وجزء من قسم المنشية، ولا بد أن يكون السبب في ذلك يرجع إلى أن هذا الجزء كان في قديم الزمان مغمورا بالماء، وكانت الميناءان متصلتين ببعضهما، وكانت المدينة متصلة بجزيرة فاروس بواسطة جسر من الأحجار، وكان هذا الجسر هو الخط الفاصل بين الميناءين المذكورتين، وكان حد الإسكندرية الشمالي ينتهي بسور العرب ولا يجاوزه.
والنتيجة المترتبة على ذلك هي أن هذا الجزء لم يشيد، ولم يصبح في هذه الحالة التي وجدته عليها الحملة الفرنسية إلا بعد أن ردم هذا الجسر وطمر واتصلت الميناءان ببعضهما ثم اتصلتا بجزيرة فاروس.
أما بناء هذا السور الحربي فإنه كان على ما يلوح من البناء الفاخر كما تدل على ذلك صوره ورسومه المخططة في كتاب «وصف مصر» لعلماء الحملة الفرنسية.
ومما يؤسف له أشد الأسف عدم الاحتفاظ بهذا السور الأثري القيم الذي هدم جانب منه، وهو الجزء الواقع بالقرب من الميناءين في عهد حكم محمد علي، ثم تهدم جزء آخر منه في حكم الخديو إسماعيل، وباقيه هدم في عهد الاحتلال الإنكليزي.
وإليك وصف هذا السور وقت مجيء الحملة الفرنسية كما جاء في كتاب «وصف مصر» بالجزء الخاص بمدينة الإسكندرية الحديثة:
لا يحتوي سور هذه المدينة المهجور، الذي بعض أجزائه محصن بأكثر من 100 برج مختلفة الأشكال، إلا على جزء من مدينة الإسكندرية اليونانية الرومانية القديمة. ويسمى هذا السور من زمن بعيد بسور مدينة العرب؛ لأنه يظن أن أمراء الأمة العربية الذين دام لهم حكم الإسكندرية ومصر نحو 1200 سنة هم الذين بنوه.
ويبدو لنا أن الواقع هو أن هذا السور الذي يبلغ امتداده 7893 مترا قد شيد العرب أكبر جزء منه في القرن التاسع الميلادي (القرن الرابع الهجري) وحالة حيطانه الآن التي يحميها خندق ضيق، سيئة على وجه العموم، وبين أبراجه الكثيرة الشاهقة التي أكثرها رحب وبنيانها فخم، يشاهد بعض أبراج واقعة على الميناءين وعلى أطراف المدينة الحديثة يرجع تاريخ إقامتها إلى القرون الأولى التي أنشئت فيها مدينة الإسكندرية القديمة؛ فقد نقل الخلف عن السلف أن واحدا من هذه الأبراج، وهو الذي يشرف على الفرضة الجديدة (الميناء الشرقية) من صنع يد الرومانيين، وهذا البرج ما زال إلى الآن يسمى «البرج الروماني»، وهو البرج القائم قرب مسلات كليوبطرة وعلى الشمال منها.
وهنالك برجان آخران يلفتان النظر بضخامتهما ولونهما العتيق: أحدهما قائم على الميناء الجديدة ومطل على مدخل الساحة التي عندها تنتهي قناطر المجرى المائي، والثاني يشرف على الميناء القديمة وبداخله برج آخر قائم في وسطه. وهذا البرج المزدوج المتصلة حيطانه من الداخل بقبو مستدير، رحب جدا وبناؤه أنيق. كما أن بعض أبراج أخرى كانت أجزاؤها السفلى تستخدم ولا بد لخزن الماء.
ويوجد صهريج فخم في برج من الأبراج المطلة على واجهة المدينة الحديثة الجنوبية.
وقد رمم الحصن القائم في الزاوية البارزة الواقعة جنوب غربي السور حتى أصبح في حالة صالحة جدا للدفاع، ويقال له نظرا لشكله «الحصن المثلث»، ولكنه أبيد بالنيران التي اشتعلت في مستودع باروده قبيل آخر عام 1801م.
وتنتصب أبراج هذا السور المشيدة حسب مستلزمات الحرب في الأزمنة الغابرة، شامخة فوق مبانيها التي أعدت لإقامتها عليها، وجميعها منتهية بمماشي بارزة عن قواعدها، وبهذه المماشي شرفات بها كوى وثقوب بواسطتها يمكن منع من يريد الدنو من هذا السور. وكافة الأبراج التي في الخط الخارجي لها أبواب سرية أو أبواب للخروج تطل على الخنادق، وأغلب هذه الأبواب مرتفعة العتبات مترا أو مترين عن قاع الخنادق، ويحجبها الآن ساتر من البناء.
ويشاهد في صلب بناء حيطان الأسوار وبالأخص في أساس أغلب الأبراج كثير من أعمدة الرخام والصوان مندمجة اندماجا أفقيا فيها، ويرى أحد طرفيها من الخارج . وبعض أجزاء وجهات هذه الحيطان مطلية بالمرمر؛ لوقاية جوانبها من تأثير رطوبة البحر الملح التي تحدثها أنداء الليل الكثيفة المنتشرة على ساحل مصر. ويعاين الإنسان تأثير الرطوبة الشديد في الحجر الجيري ويرى كيف تحلله هذه الرطوبة بدرجة كبيرة متى تأمل في حيطان السور القريبة من باب رشيد وفي الزاوية البارزة القائمة عنده.
وفي هذا السور خمسة أبواب، منها اثنان في واجهة المدينة الحديثة، واحد في الشرق يسمى «باب رشيد»، والآخر في الجنوب يسمى «باب العمود» - عمود السواري - ثم الباب الذي في الغرب، وهو الذي يطل من البرج الهائل على المرفأ القديم «الميناء الغربية»، وهذا البرج هو آخر الأبراج غربا. وهذه الأبواب مفتوحة في الأبراج الراكبة فوق السور وفتحاتها تواريها من الخارج حيطان الأبراج. وتستخدم هذه الأبواب للاستكشاف وللدفاع عن الحامية على النمط الذي تستخدم فيه الأبواب السرية التي في جوانب أبراج حصون فرنسا. ومصاريع هذه الأبواب من النجائر المتينة المصنوعة من خشب الجميز، ووجهاتها الخارجية مكسوة بصفائح من الحديد مثبتة بمسامير ذات رءوس بارزة مشطوفة، ولكن هذا الحديد أكله الصدأ. أما خشبها الذي انحلت قشوره قليلا فهذا لم يزد على مرور الأيام وكرور الأعوام إلا متانة. ويوجد على وجهات هذه الأبواب كتابة عربية كوفية وغير كوفية، منها يعلم زمن إنشائها. ا.ه.
والحقيقة أن عدد الأبواب لا بد أن يكون ستة لا خمسة؛ لأنه كان يوجد في الجنوب بابان لا باب واحد كما قالوا. ومما يؤسف له أشد الأسف أن الكتابة المنوه عنها في هذا الوصف التي كانت على أبواب هذا السور لم تنقل مع أنها كانت تنبئنا على الأقل عن اسم منشئ هذه المباني العظيمة.
وعدا أبراج سور العرب المذكورة كان يوجد من الحصون عند مجيء الحملة الفرنسية قلعة فاروس أو قايتباي التي هي عبارة عن سور محصن على طراز العصر الذي بنيت فيه وتحتوي على برج مربع الشكل مشيد في أركانه أربعة أبراج صغيرة، وبمماشيه شرفة فيها مصباح يضاء في الليل. وكان في غرف هذا البرج العليا أكداس من الأسلحة المختلفة تراكم فوقها الصدأ، وتدل حليها وأشكالها على أن بعضها من أسلحة الصليبيين والبعض الآخر من أسلحة حملة لويس السادس عشر المنكودة، كما كان يوجد حصن آخر يقال له طابية فاروس الصغيرة لوقوعه إزاء القلعة السابقة، وهو الطابية المعروفة بطابية السلسلة الحالية. وهذه الطابية كانت مشيدة في نهاية خط الصخور التي هي نهاية الميناء الشرقية من جهة الشرق، وقد بنيت هذه الطابية للدفاع عن هذه الميناء. والصخور الموصلة لهذه الطابية الصغيرة مرتفعة عن منسوب ماء البحر، ولكنها كانت تغمر به عند اشتداد الأنواء.
وعند قدوم الفرنسيين لم يكن يوجد من هذه الطابية الصغيرة إلا برج مربع الشغل متخرب، به بعض أجزاء من مدافع برى الصدأ حديدها من جراء رطوبة البحر الملح التي حللت هذا الحديد وصيرته شرائح ونفايات معدنية.
ثم كان يوجد في موضع مدرسة رأس التين الأميرية الآن حصن ثالث يشرف على الميناء الغربية.
ولما احتل الفرنسيون المدينة شيدوا حصونا لحمايتها من الاعتداء عليها من الخارج، وهذا بيانها: (1) «حصن كوم الدكة»: وهو الحصن الباقي إلى الآن وسموه حصن كريتان
Fort Crétin
تخليدا لذكرى المهندس الحربي الفرنسي القائمقام كريتان الذي أشرف على بنائه ثم قتل في موقعة أبي قير التي نشبت بين الفرنسيين والجنود التركية في ذلك الحين. (2) «حصن كوم الناظورة»: وهو أيضا لا يزال باقيا إلى الآن. وسموه حصن كافاريللي
Fort Cafarelli
باسم الجنرال الذي كان مشرفا على الأعمال الهندسية الحربية في جيشهم. وهذا الجنرال فقد إحدى ساقيه قبل مجيئه إلى مصر واستعاض عنها بساق خشبية، فكناه المصريون بأبي خشبة، ثم قتل في حصار عكاء. (3) «حصن لوتورك
Fort Leteruce »: وهو حصن أقاموه غربي الحصن السابق على شاطئ البحر في الموضع الذي به طابية صالح الحالية. ولوتورك اسم أحد قوادهم. (4) «حصن كليوبطرة»: وهو حصن شيدوه على المرتفعات القائم عليها الآن المستشفى الأميري، وسموه بهذا الاسم لمجاورته للمسلة المسماة بمسلة كليوبطرة.
وقد أقاموا عدا هذه الحصون صفوفا من المدافع (بطاريات) في المواضع الآتية: (1)
بطارية في نهاية رأس التين في الموضع الذي صار فيما بعد طابية الفنار. (2)
بطارية في شمال رأس التين في الموضع الذي صار فيما بعد طابية سراي رأس التين. (3)
بطارية في موضع منهد (ميس) ضباط الحرس الملكي الآن، وكان في موضعها قبل ذلك طابية الاسبتالية. (4)
بطارية في موضع طابية الأطة الحالية.
هذه هي كل المنشآت التي أقامها الفرنسيون على شواطئ مدينة الإسكندرية وفي داخلها للدفاع عنها من عدو يهاجمها. وليلاحظ أنه في مواضع البطاريات السالفة الذكر أقيمت طوابي فيما بعد كما سبق. (4) الحصون في حكم محمد علي
عهد محمد علي إلى جاليس بك تحصين مدينة الإسكندرية، وفي عام 1840م كانت حصونها وأسلحتها كما يؤخذ من رسوم الملازم نيوجنت
Nugent
من رجال البحرية البريطانية كالآتي:
جدول : جدول بيان الحصون وتسليحها في هذا العهد.
الحصون
مدافع
أهوان
الجملة
الجملة العمومية
330
59
389 (1) طابية السلسلة
6 -
6 (2) طابية قبور اليهود
10 -
10 (3) طابية كوم الدكة
6
3
9 (4) طابية كوم الناظورة
12
4
16 (5) طابية قايتباي
20
12
32 (6) طابية الأطة
10
1
11 (7) طابية سراي رأس التين
46
17
63 (8) طابية فنار رأس التين
33
10
43 (9) طابية صالح أغا
15
3
18 (10) طابية أم قبيبة
30 -
30 (11) طابية القمرية
10
3
13 (12) طابية الملاحة القديمة
10 -
10 (13) طابية الملاحة الجديدة
34 -
34 (14) طابية الدخيلة
10
3
13 (15) طابية جزيرة العجمي أو المرابط
8
3
11 (16) طوابي دائرة السور
70 -
70
وبعد سنة 1840م وفي أواخر حكم محمد علي زاد عدد هذه الحصون كما يؤخذ من القائمة المؤرخة بعام 1264ه (1848م) التي وضعها حسن باشا الإسكندراني ناظر البحرية المصرية الذي أدركته المنية سنة 1855م، فغرق مع من غرق في سفينة القيادة (مفتاح جهاد) في حرب القرم التي اشترك فيها الأسطول المصري.
وهذه القائمة نقلها إسماعيل سرهنك باشا في كتابه «حقائق الأخبار عن دول البحار» ج2 ص259، ومنها يتبين أن عدد هذه الحصون ومدافعها كان كالآتي:
جدول : زيادة هذه الحصون في أواخر عهد محمد علي وقائمة بأسمائها وبالمدافع التي سلحت بها.
الحصون
مدافع
أهوان
الجملة
الجملة العمومية
617
69
686 (1) طابية الفنار
57
6
63 (2) طابية الفنار الصغيرة
1 -
1 (3) طابية التراب
61
12
73 (4) طابية الاسبتالية الجديدة
13
10
23 (5) طابية الاسبتالية القديمة
25 -
25 (6) طابة الأطة
57
7
64 (7) قلعة برج الظفر
110
6
116 (8) طابية ظهر منزل الفرنسيس
6
6
12 (9) طابية المفحمة
8 -
8 (10) طابية مسلة فرعون
9 -
9 (11) طابية قبور اليهود القديمة
10 -
10 (12) طابية قبور اليهود الجديدة
20 -
20 (13) طابية برج السلسلة
18
1
19 (14) طابية باب شرقي
6 -
6 (15) طابية كوم الناظورة
10
1
11 (16) طابية الدخيلة
3 -
3 (17) طابية السلية
20
2
22 (18) طابية المكس
40
9
49 (19) طابية القمرية
9
1
10 (20) طابية أم قبيبة
56
4
60 (21) طابية الملاحة القديمة
14
1
15 (22) طابية الملاحة الجديدة
34
1
35 (23) طابية صالح أغا
13 -
13 (24) طابية باب سدرة
8 -
8 (25) طابية كوم الدكة
9
2
11
وزيادة في بيان هذه الحصون ومواقعها نقول: (1) و(2) طابيتا الفنار والفنار الصغيرة:
هما الآن عبارة عن الطابية المعروفة بطابية الفنار برأس التين. (3) طابية التراب:
وهي الآن تشغل خط النار شمال سراي رأس التين؛ ولهذا تسمى طابية سراي رأس التين. (4) و(5) طابيتا الاسبتالية القديمة والاسبتالية الجديدة:
تقعان الآن تجاه قشلاقات وميس ضباط الحرس الملكي في المكان الذي كان قائما عليه هذان المستشفيان. (6) طابية الأطة:
لا تزال في موضعها كما كانت إلى الآن شرق حمام الأنفوشي، وبها مركز لخفر سواحل قسم الإسكندرية، والأطة كلمة تركية معناها الجزيرة، وهذه الطابية الآن تعرف عند الناس باسم طابية القضا. (7) قلعة برج الظفر:
هي في رأينا الطابية المعروفة الآن بطابية قايتباي للأسباب الآتية: (أ)
تسمية كثيرين من المؤلفين لهذا البرج باسم قايتباي. (ب)
عدم ذكر اسم حصن قايتباي في قائمة حسن باشا الإسكندراني مع أنه كان أهم حصون الإسكندرية، كما يؤخذ من حالة تسليحه. (ج)
مجيء هذا الحصن بعد طابية الأطة في قائمة حسن باشا الإسكندراني وكذلك في الوضع الجغرافي، فإنه فيه بعد هذا الحصن شرقا.
نعم كان يوجد بين موقع مسجد الإمام البوصيري وسراي المحافظة القديمة على شاطئ البحر برج صغير كان معروفا بين الناس باسم البرج الزفر (برج الظفر)، وقد زال ومحيت آثاره منذ أن ردم ساحل البحر في هذه الجهة وأقيم بناء رصيف الميناء الشرقية، فيجوز أن يكون برج الظفر هو هذا البرج الذي زال. وقلعة برج الظفر هي الطابية المعروفة بطابية قايتباي. ولا محيد عن أحد هذين الرأيين، وإهمال ذكر برج الظفر بهذا الاسم وحده في قائمة حسن باشا الإسكندراني يكون لأنه أدمجه تحت اسم قلعة برج الظفر، أو لأنه لم يكن له أهمية حربية. (8) طابية ظهر منزل الفرنسيس:
كانت واقعة كما يدل على ذلك اسمها على البحر خلف قنصلية فرنسا القديمة التي كانت مشيدة محل ميدان سعد باشا زغلول الآن، ودمرتها نيران الأسطول البريطاني سنة 1882م عند إطلاق قنابله على المدينة. (9) طابية المفحمة:
كانت قائمة على شاطئ البحر أيضا شرقي الطابية السابقة عند نهاية شارع البورصة القديمة. (10) طابية مسلة فرعون:
كانت كما يدل على ذلك اسمها قرب مسلة فرعون بجوار محطة الرمل الحالية. (11) و(12) طابيتا قبور اليهود القديمة وقبور اليهود الجديدة:
كانت أولاهما في موضع المستشفى الأميري الحالي. والثانية بين نهاية شارع يوسف عز الدين ورأس السلسلة. (13) طابية برج السلسلة:
كانت تشغل الرأس الداخل في البحر الذي حولته البلدية إلى منتزه. (14) طابية باب شرقي:
كانت قائمة بالقرب من أحد أبواب سور المدينة، وهو الباب المسمى بهذا الاسم والمسمى أيضا بباب رشيد، وموقعها الآن في شارع فؤاد الأول عند ملتقى شارع السلطان حسين كامل بشارع بلجيكا. (15) طابية كوم الناظورة (الناضورة):
لا تزال باقية، وفيها الآن مركز إشارات مصلحة الموانئ والمنائر. (16) طابية الدخيلة:
كانت واقعة بين باب العرب وطابية العجمي. (17) طابية السلية:
وهذه لا بد أن موقعها كان بين طابيتي الدخيلة والمكس. (18) طابية المكس:
وهي قائمة إلى الآن قرب باب العرب. (19) طابية القمرية:
كانت واقعة شرق الطابية السابقة في موضع مركز إشارات مصلحة الموانئ والمنائر. (20) طابية أم قبيبة:
كانت شرقي طابية القمرية المذكورة، وبينها وبين طابية صالح أغا في موضع شوادر الخشب الآن. (21) و(22) طابيتا الملاحة القديمة والملاحة الجديدة:
هما على هذا الترتيب حصنا اليسرى الصغرى واليسرى الكبرى الحاليتان القائمتان بين طريق المكس وبحيرة مريوط خلف المحطة القديمة التي كانت لخط سكة حديد مريوط، ثم تحولت الآن مدرسة للبنات (مدرسة المعلمات الورديان) والحصن الشرقي منهما الذي هو طابية الملاحة القديمة مبين بخريطة مصلحة المساحة باسم حصن الملاحة. (23) طابية صالح أغا:
لا تزال باقية إلى الآن ومعروفة باسم طابية صالح، وهي التي تقوم بإطلاق المدافع لتحية السفن الحربية القادمة إلى الإسكندرية. (24) طابية باب سدرة:
كان موقعها قرب أحد أبواب سور العرب المعروف بباب السدرة، وموقع هذا الباب الآن بشارع الخديو الأول تجاه شارع عمود السواري. (25) طابية كوم الدكة أو كوم الدماس:
لا تزال باقية إلى الآن في موقعها على الشارع المعروف بشارع نبي الله دانيال، وهي مشهورة غنية عن التعريف. (5) الحصون في حكم إبراهيم باشا
قال علي باشا مبارك في خططه (ج7 ص60) ما نصه:
قد اشتغل إبراهيم باشا بمجرد استيلائه بأمور مهمة في إسكندرية وغيرها ذات منافع عمومية، من ضمنها تكميل طوابي الإسكندرية واستحكاماتها على الوجه الذي أسست عليه في عهد العزيز والده وشحنها بالعسكر والأسلحة والآلات، ومر بالساحل من إسكندرية إلى رشيد ثم إلى دمياط، واستكشفه بنفسه - إلى أن قال - وأمر في ثغر إسكندرية بإنشاء مائتين وخمسين شلوبة طوبجية، كل واحدة تحمل مدفعين لحفظ البوغازات والملاحات. وكان عازما على تخطيط سكة تبتدئ من الإسكندرية وتمر بناحية أبي قير وتستمر إلى رشيد ليسهل السير على العساكر والمهمات عند الحاجة - إلى أن قال - لكن لم تمهله الأيام حتى ما شرع فيه وما عزم عليه. ا.ه. (6) الحصون في حكم عباس الأول
وقال علي باشا مبارك أيضا في خططه (ج7 ص61) أثناء الكلام على الإسكندرية في زمن المرحوم عباس باشا ما نصه:
وكان مما وجه همته إليه زيادة على غيره تتميم الاستحكامات والطوابي والقلاع طبق ما رسمه رئيس هندسة الاستحكامات جاليس بك ووافقه عليه ذوو الدراية والخبرة وأقره الخديو؛ فأقام معظم حصونها وأضاف إليها بعض حصون رأى أهميتها فأدخلها في النقط المهمة، ومن ذلك قلعة مقابر اليهود وقلعة أبي قير وقلعة العجمي، مع إنشاء مبان ملحقة بتلك القلاع للوازمها؛ فأنشأ في قلعة مقابر اليهود جبخانة جسيمة تسع تسعة آلاف قنطار من البارود، وهي إلى الآن مستعملة في حفظ البارود، وعمل في قلعة أبي قير مخبزا وطواحين تدور بالهواء، واسبتالية لمرضى العساكر المقيمين بهذه القلعة وما جاورها من القلاع، فكانت العساكر المقيمة في تلك الجهات لا تحتاج لشيء يأتي من الخارج. ولم يزل ملتفتا إلى الاستحكامات والقلاع والحصون عازما على إتمامها، فيلحق بها ما يلزم من الورش والبطاريات الطوبجية وقشلاقات العساكر المحافظين والاسبتاليات وغير ذلك حتى انتظم أكثر القلاع التي كان جده وعمه مهتمين بها. وبنيت ورشة للطوبجية في وسط المدينة في شرقي المحل المعروف بكوم الناضورة، طولها مائتا متر في مثلها عرضا مشتملة على جميع محلات التشغيل كمحلات النجارة والحدادة والبرادة والسبك وغير ذلك كالمخازن، وجلب لها جميع آلات التشغيل والعمال والمعلمين فصارت من أحسن ما يعمل من هذا القبيل، وعمل بها عدة بطاريات يعمر بها كثير من آلات السواحل وغيرها، ثم أبطلها المرحوم سعيد باشا وأمر ببيع أرضها للأهالي، فبنيت منازل وغير ذلك، ومن ضمنها الآن حمام هنيدي (حمام الورشة) وأنشئت القشلاقات داخل الطوابي؛ فمن ذلك قشلاق في طابية الأداء (الأطة) لإقامة خمسمائة عسكري، وقشلاق في قلعة أم قبيبة كذلك، وقشلاق فوق باب الصوري المعروف بباب محرم لإقامة أورطة من العساكر.
ولما أنشئت سكة الحديد الواصلة إلى الرمل
2
مرت في وسط القشلاق فقسمته نصفين، والآن به عساكر محافظة الضبطية. وبنى الاسبتالية الملكية في حوش مقابر اليهود بجوار المسلة المعروفة بمسلة كليوبطرة ووفاها جميع لوازمها من مفروشات وملبوسات وأدوية وآلات، وجعل بها أجزخانة وبيتا لتركيب الأدوية ونوع محلاتها بحسب أنواع الأمراض والعلل، ورتب لها حكماء وجراحجية فجاءت من أحسن الاسبتاليات وحصل بها النفع العام وصار يدخلها الأهالي والغرباء للتداوي بدون مقابل، واستمرت على ذلك حتى هدمتها سكة حديد الرمل أيضا. والآن عمل من فيض المكارم الخديوية اسبتالية عوضا عنها في محل قريب منها. ولأجل الوقوف على ما اشتملت عليه الأراضي المجاورة لثغر الإسكندرية أمر باستكشاف ما حوله؛ حيث كان لذلك دخل في المحافظة فكشف سواحل البحر من الإسكندرية إلى العريش - إلى أن قال - واهتم أيضا بكشف الصهاريج التي بداخل الإسكندرية وخارجها وما تشتمل عليه، وقدر ما تسع من الماء والمجاري التي توصل الماء إليها، وصار التنبيه على أصحاب الأملاك ألا يتلفوا شيئا من ذلك ولا يتصرفوا فيه، وجعل لذلك قوانين معمولا بها إلى الآن، وكانت قد بطلت مدة فنشأ عن بطلانها تصرف أصحاب الأملاك في كثير منها بالنقض والهدم. وحيث كان الماء من أهم لوازم الميناء ولا يستغنى عنه زمنا ما، لا سيما لو فرض حصول محاصرة تقطع ماء المحمودية عن الثغر، صدرت أوامره السنية بعدم التعرض للصهاريج بوجه ما، والرجوع إلى تلك القوانين، فامتنع الناس من هدمها ولا يخفى أهمية ذلك؛ فإن تلك الصهاريج مبنية من قرون عديدة، ولا شك أنها صرفت فيها أموال جسيمة، وهي من الآثار القديمة التي نوه التاريخ بقدرها وأهميتها بالنسبة لهذه المدينة لبعدها عن النيل. والماء الواصل إليها من الخليج يمر في وسط بحائر ملحة ومنحطة، وفي أي وقت يمكن صرفه إلى البراري أو البحر وحرمان المدينة منه، فيقع أهلها في الضرر وتفارقها العمارية مع أنها مفتاح القطر؛ فلم يكن أهم مما يوصل إلى عماريتها وراحة أهلها، ومن ذلك كشف المسالك الموصلة إليها، ومعرفة ما اشتملت عليه تلك الطرق مما هو من لوازم الحياة كالمياه العذبة والمراعي وحطب الوقود وجلب الميرة ومنع الأعداء، فكل ذلك معرفته مهمة في وقت السلم لينتفع به عند حصول ضده، فهذا هو ملحظه - رحمه الله - وملحظ المؤسس الأصلي وملحظ سر عسكر (إبراهيم باشا) جزاهم الله عن الوطن خيرا. ومن هذا الاستكشاف ظهرت ثمرات جمة، منها عمل سكة عسكرية من طابية القباري إلى باب العرب؛ لتسهيل مرور العساكر والواردين على المدينة من جهة الغرب ووادي سيوة، وكانوا قبل ذلك يقاسون مشقات زائدة لعدم انتظام المسالك - إلى أن قال - وقد رسم ذلك كله في خرط الاستحكامات؛ حتى لا تتطرق إليه شبهة فيما بعد - إلى أن قال - ولما كثرت الإفرنج والأغراب في مدينة الإسكندرية واستوطنوها واستحوذوا على كثير من الفضاء الذي كان بداخل المدينة وضواحيها رغبوا في سكنى الرمل، وهي قرية شرقي المدينة بينها وبين أبي قير، وأكثروا من شراء الأملاك في هذا المحل لقلة ثمن الأرض هناك إذ ذاك، فتيقظت الحكومة لذلك لما لتلك الجهات من الأهمية لوقوعها في المناطق العسكرية الممنوع البناء فيها، فأمرت بضبط ما بيع من هذه الأراضي وبيان ما بني وما لم يبن منها، ومنعت التصرف في أراضي الرمل وغيرها إلا بإذن من الحكومة، وجعلت لذلك قوانين تتبع في هذه الأمور. وبسبب قرب الرمل من المدينة واتساعه وطيب هوائه رغب المرحوم في اتخاذه معسكرا تجتمع فيه العساكر في المناورات وغيرها، وأمر بردم الملاحة المجاورة لقرية الرمل (ملاحة سيدي جابر - أرض سموحة الآن) لمنع العفونة، وعمل لذلك رسوم وميزانيات، ولكن بموته لم يتم ذلك. ا.ه. (7) الحصون في حكم سعيد باشا
الظاهر أن تحصين مدينة الإسكندرية في حكم سعيد باشا بقي على ما كان عليه في حكم سلفه عباس الأول. (8) الحصون في حكم الخديو إسماعيل
عزز الخديو إسماعيل هذه المدينة بمدافع أحدث طرازا من التي كانت بها حتى يجاري بذلك روح العصر الذي كان فيه؛ لأن مدافع عصر محمد علي لم يكن بينها النوع المعروف بالششخانة الذي تحقق تفوقه على النوع القديم، فكان من اللازم التفكير في تسليح هذه الحصون بهذا النوع ما دام القصد من هذا التسليح ضمان سلامتها من غارة أجنبية.
لذلك ابتاع الخديو إسماعيل من إنجلترا فيما بين سنة 1869 وسنة 1873م 200 مدفع من طراز أرمسترونج عيار 7 بوصات، ووزن 7 أطنان وعيار 8 بوصات ووزن 9 أطنان وعيار 9 بوصات ووزن 12 طنا، وعيار 10 بوصات ووزن 18 طنا، وهذه المدافع تعمر من الأمام. وابتاع أيضا أربعة مدافع عيار 40 رطلا من الطراز عينه، ولكنها تعمر من الخلف، ونصب من هذه المدافع في حصون مدينة الإسكندرية الأربعة المدافع الأخيرة و46 مدفعا من المدافع الأولى، والباقي من المائتي مدفع نصبه في بقية حصون سواحل مصر حتى بورسعيد.
ووقت تركيب هذه المدافع الحديثة نزع بعض المدافع القديمة، وكانت التي نزعت بالضرورة غير صالحة للاستعمال، ولكن قواعدها استخدمت مداور للمدافع الحديثة.
موازنة بين هذه الحصون والأسطول البريطاني
(1) الحصون
إن ساحل مدينة الإسكندرية سهل منبسط ليس به هضاب ولا جبال اللهم إلا بعض التلول المصنوعة، وهو لهذا السبب الطبيعي لا يصلح لإقامة حصون عليه تدفع عن هذه المدينة شر القنابل الحديثة، سواء التي اخترعت في أيامنا هذه والتي كانت في 1882م وقت أن ضربها الأسطول الإنكليزي الذي كان مزودا بمدافع أقوى من مدافع هذه الحصون.
وكان حصن أم قبيبة هو الحصن الوحيد المقام على تل مرتفع عن الأرض، وكانت حصون الإسكندرية في سنة 1882م هي ذات الحصون التي كانت في عهد محمد علي مع فرق بسيط، وهو أنه لما سلحها الخديو إسماعيل بمدافع من طراز أرمسترونج رفع ستائرها وزاد في سمكها وفتح فيها كوات جديدة تتناسب مع هذا التسليح الجديد، ولكن كل المدافع كانت منصوبة في العراء بدون أن يعلوها أي وقاية تقي العساكر الذين يطلقونها، وقد يجوز أن يكون نصبها بهذه الكيفية أخف ضررا لو كانت هذه الحصون شيدت فوق مرتفعات؛ لأن علوها حينئذ بالنسبة للضلع التي تضطر السفن الحربية أن تصوب منها مدافعها يمكن أن يتخذ وقاية كافية لحماية جنودها من أذى القنابل، ولكن نظرا لأن كل هذه الحصون تقريبا كانت قائمة على أرض منخفضة نشأ من ذلك أضرار بالغة لرجال مدفعيتها الذين كانوا عرضة لنار مدافع السفن، وبالأخص لمدافع السربند المنصوبة على السواري والتي بواسطتها في هذه الحالة يمكن إسكات مدافع هذه الحصون بقتل جنودها وبغير حاجة إلى إتلاف هذه المدافع.
والحصن الوحيد الذي يمكن استثناؤه من هذه الحالة هو حصن قايتباي الذي كان في طبقته السفلى المسقوفة مدفعية مستورة بطبقته العليا، ولكن حيطانه لم تكن من المتانة بحالة تستطيع معها الاستهداف لمدافع هذا الأسطول، فقتلت وجرحت الشظايا التي كانت تتطاير منها كثيرا من الجنود، فضلا عما أحدثته من الضحايا والتلف للأهالي والمساكن، حتى لقد قال القائد جودريتش
Goodrich
أحد قواد أمريكا الحربيين في تقريره ص48: إن هذه الحرب لم تكن إلا دهليزا إلى مهاوي الموت السحيقة.
وقد كان هذا القائد على ظهر السفينة الحربية لانكاستر
Lancaster
وقت ضرب الإسكندرية، وشاهد هذه الموقعة وعاين هذه الحصون بنفسه بعد الضرب، وتتبع خطوات الجيش الإنكليزي في جميع حركاته العسكرية من أولها إلى ما بعد واقعة التل الكبير، وقدم تقريرا مفصلا لحكومته بكل ما عاينه ورآه، ومن هذا التقرير استقيت معظم معلوماتي.
وكان في كل الحصون بدون استثناء مبان عديدة مرتفعة عن ستائرها، مثل مستودعات القنابل والثكنات (القشلاقات) والمخازن . وكانت هذه المباني المرتفعة بهذه الكيفية كأنها نصبت لتكون هدفا عجيبا لا تخطئه نيران مدافع الأسطول، وكانت مستودعات البارود على الأخص غير مصونة الصيانة الكافية، ويؤيد ذلك انفجار مستودعي البارود في طابيتي الأطة والدخيلة. ومن العجائب أن مستودعي البارود في كلتا الطابيتين هما وحدهما اللذان أصيبا فانفجرا وتمزقا شر ممزق دون غيرهما من المباني التي فيهما، والقنابل لم تكن على وجه العموم معبأة من قبل في مدافع هذه الحصون، بل كانت تعبأ في خلال المعارك.
هذه هي الحالة التي كانت عليها حصون مدينة الإسكندرية في سنة 1882م وقتما ضربها الأسطول الإنكليزي. أما من حيث تسليح الحصون التي كانت في ساحل المدينة وكانت معرضة لمدافع الأسطول فكان كالآتي:
جدول : حصون ساحل الإسكندرية التي كانت معرضة للأسطول وقائمة بأسمائها والمدافع التي كانت بها.
الحصون
مدافع أرمسترونج ششخانة
المجموع
مدافع غير ششخانة
أهوان
الجملة العمومية
تعمر من الأمام
تعمر من الخلف
عيار
عيار
7 بوصة
8 بوصة
9 بوصة
10 بوصة
40 رطلا
الجملة
3
12
22
8
4
49
229
40
318
طابية السلسلة -
1
1 - -
2
2
1
5
قلعة قايتباي -
2
3
1
2
8
38
4
50
طابية الهلالية - - - - - -
4 -
4
طابية الأطة -
1
3
1 -
5
14
5
24
طابية الاسبتالية
2 - - - -
2
10
5
17
طابية رأس التين -
2
2
1
1
6
21
5
32
طابية الفنار -
1
4
1 -
6
28
3
37
طابية صالح أغا - - - - - -
21
1
22
طابية برج رقم 15 - - - - - -
4 -
4
طابية أم قبيبة -
2 - - -
2
16
3
21
طابية القمرية - - - - - -
5 -
5
طابية المكس -
3
1
1
1
6
36
10
52
طابية الدخيلة - - - - - -
4 -
4
طابية العجمي
1 -
5
3 -
9 - -
9
طابية المرابط - -
3 - -
3
26
3
32
وعدا المدافع السالف بيانها نقل اثنا عشر مدفعا من طراز أرمسترونج الذي يعمر من الأمام (ششخانة) إلى الحصون الآتية:
مدفعان عيار 9 بوصات ومدفعان عيار 10 بوصات إلى طابية المكس.
وثلاثة مدافع عيار 9 بوصات إلى طابية الدخيلة.
ومدفعان عيار 7 بوصات ومدفعان عيار 8 بوصات ومدفع عيار 10 بوصات إلى حصن المرابط.
ولكن كل هذه المدافع لم يمكن تركيبها في هذه الحصون، ولا أمكن استعمالها في ضرب الأسطول الإنكليزي.
ويجب حذف المدافع التي من غير نوع الششخانة وكذلك الأهوان من قائمة المدافع المذكورة قبل؛ لأنها لم يكن لها في الواقع أية قيمة حربية في زمن ضرب مدينة الإسكندرية؛ إذ كانت قطعا عتيقة يرجع تاريخها إلى عهد محمد علي، وكان مرماها قصيرا وليس لمقذوفاتها القوة اللازمة لاختراق مدرعات الأسطول البريطاني؛ لأن القنبلة بعد أن تجتاز المسافة التي تحتفظ فيها بسرعتها تستمر في السير، ولكن مع ضعف في هذه السرعة. فإذا وصلت إلى الهدف عند ضعف سرعتها لا تحدث ضررا يذكر لخصم قوي في منزلة هذه المدرعات.
ولا يمكنني أن أقدم برهانا على صحة ما ذكرت أسطع مما وقع لسفينة القيادة في هذا الأسطول (ألكسندرا
Alexandra )؛ فقد أصيبت هذه السفينة بستين قنبلة، فكانت نتيجة هذه الإصابات قتل جندي واحد وجرح ثلاثة. فلو أن هذه القنابل الستين كان لها تأثير حقيقي لأغرقتها.
ومن ناحية أخرى كانت عجلات هذه المدافع في حالة سيئة؛ فبعضها تحطم عند إطلاق المدافع وبعضها انقلبت من فوقها المدافع عند رجوعها على أثر انطلاقها.
ويجب أيضا حذف المدافع الأربعة التي من طراز أرمسترونج وتعمر من الخلف؛ لأن عيارها صغير جدا بحيث لا تستطيع أن تعمل عملا جديا ضد هذه المدرعات. (2) الأسطول البريطاني وقطعه الحربية
كان الأسطول الإنجليزي الذي ضرب مدينة الإسكندرية بقيادة الأميرال سيمور
Seymour
مؤلفا من ثماني مدرعات كبيرة هي: ألكسندرا
Alexandra
وهي سفينة الأميرال. والإنفلكسيبل
Inflexible . والسلطان
Sultan . والسوبرب
Superb . والتمرير
Témeraire . و الإنفنسيبل
Invincible . ومونارك
Monarch . وبنلوب
. وخمس سفن صغيرة (مدفعيات) وهي: بترن
Bittern . وكندور
Condor . وبيكن
Beacon . وسينت
Cygnet . ودكوي
Deçoy .
وسأحذف عند ذكر مدافع هذا الأسطول المدافع التي عيارها يقل عن عيار مدافع الحصون وكذلك مدافع السفن الصغيرة (المدفعيات). وذلك في مقابل المدافع العتيقة والأهوان التي حذفتها من الحصون. وهذا الحذف في صالح الأسطول على ما أرى.
وقد كانت كافة المدافع المسلح بها هذا الأسطول من طراز أرمسترونج وتعمر من فوهاتها مثل مدافع الحصون التي من نوعها (الششخانة). وهاك تقسيمها على مختلف المدرعات المذكورة:
جدول : قائمة بأسماء قطعه والمدافع التي كانت مسلحة بها.
المدرعات
المدافع
الجملة
العيار
7 بوصة
8 بوصة
9 بوصة
10 بوصة
12بوصة
16 بوصة
مدافع
الجملة
1
8
16
38
10
4
77
ألكسندرا - - -
10
2 -
12
إنفلكسيبل - - - - -
4
4
سلطان - -
4
8 - -
12
سوبرب - - -
16 - -
16
تمرير - - -
4
4 -
8
إنفنسيبل - -
10 - - -
10
مونارك
1 -
2 -
4 -
7
بنلوب -
8 - - - -
8
وكان وزن المدافع عيار 16 بوصة 80 طنا وتقذف قنابل وزن الواحدة منها 1700 رطل (612 أقة أو 765 كيلوجراما). (3) الموازنة بين السلاحين
والآن أباشر معالجة الموازنة بين سلاح الحصون وسلاح الأسطول لأبين تفوق الثاني التفوق العظيم على الأول بالعيار وبالوزن فأقول:
لقد كانت مدافع الحصون ذات العيار الواسع حسب القائمة التي سبق تدوينها كما يأتي:
جدول : قائمة بعدد مدافع الحصون من ذات العيار الواسع وعيارها وزنتها.
المدافع
عيار المدفع بالبوصات
وزن المدفع بالأطنان
جملة العيار بالبوصات
جملة الوزن بالأطنان
45 - -
395
381
3
7
7
21
21
12
8
9
96
108
22
9
12
198
108
8
10
18
80
144
أما مدافع الأسطول فكانت كما ذكر آنفا كالآتي:
جدول : قائمة بعدد مدافع الأسطول من هذا العيار وعيارها وزنتها.
المدافع
عيار المدفع بالبوصات
وزن المدفع بالأطنان
جملة العيار بالبوصات
جملة الوزن بالأطنان
77 - -
779
1525
1
7
7
7
7
8
8
9
64
72
16
9
12
144
192
38
10
18
380
684
10
12
25
120
250
4
16
80
64
320
فالأسطول كان يمتاز امتيازا كبيرا على الحصون كما يعلم من المقارنة بين هذه الأرقام. ويكون هذا الامتياز أشد ظهورا لو نظرنا بعين الاعتبار إلى حالة طابيتي السلسلة والعجمي؛ فحصن العجمي لم يكن قد تم إنشاؤه فلم يشترك في القتال. وكذلك لم تشترك فيه مدافع الحصون الأخرى التي لم تكن منصوبة في اتجاه الأسطول. وهذا الامتياز يتعاظم ويزداد ظهورا بسبب سرعة تحريك الأسطول واستطاعته أن يحشد بوارجه ويصوب جميع نيرانها على حصن واحد فيقوضه ويدمره بدون أن يستطيع حصن آخر أن ينجده. وهكذا يهاجم الأسطول حصنا بعد آخر فيصيبها التلف جميعا. وهذا ما حدث فعلا، وهذه هي الحركات البحرية الحربية التي توخاها هذا الأسطول في ذلك اليوم الأنكد المشئوم.
وكانت حامية الحصون مؤلفة من 1 جي طوبجية سواحل ومجموع قوته 1762 ضابطا وصف ضابط وجنديا. وهذا الألاي هو الذي كان في ذلك اليوم الرهيب مع عيوب هذه الحصون ونقصها والتفاوت بين القوتين المتحاربتين وضآلة معداته، يدافع بروحه ودمه عن شرف الجيش والعلم المصري بشجاعة تعلي قدره وترفع رأسه. فحيا الله أولئك الأبطال الذين راحوا ضحية الدفاع عن الأوطان، وتغمدهم بواسع رحمته ورضوانه. (4) الحوادث التي سبقت الضرب والمكاتبات الرسمية التي تبودلت قبله
شرع الأميرال سيمور من أول يوليه سنة 1882م ينتحل سببا من الأسباب مقبولا أو غير مقبول، معقولا أو غير معقول؛ ليتذرع به إلى فتح باب الشر والعدوان حتى يحقق مطامع دولته في مصر، تلك المطامع التي كانت تعمل لها إنجلترا منذ زمن بعيد.
ويقال أيضا إن هذا الأميرال كان لديه سبب شخصي يدفعه إلى الإسراع في مباشرة الأعمال الحربية على قدر ما يستطيع؛ ذلك أن أسطول بحر المانش كان قد تلقى الأوامر بالإقلاع إلى البحر الأبيض المتوسط لينضم إلى أسطول الأميرال سيمور ويعاونه في ضرب قلاع الإسكندرية، وقد كان الأميرال دويل
Dowell
قائد أسطول بحر المانش أرقى منصبا من الأميرال سيمور، فإذا انضم إليه بأسطوله كانت له الرياسة قطعا وآل إليه دون سيمور شرف الانتصار إذا أحرزه في ذلك اليوم.
هذا هو السبب في تعجل الأميرال سيمور وخلقه للأسباب ولو لم يكن لها وجود.
وإني أسوق هنا بعض المكاتبات الرسمية التي دونتها الحكومة الإنكليزية في الكتاب الأزرق عن سنة 1882م وهي:
1
برقية من الأميرال سيمور إلى مجلس الأميرالية البريطانية
الإسكندرية في أول يوليه سنة 1882 الساعة 7,5 صباحا
لقد شوهدت مراكب مشحونة بالمواد المفرقعة على مسافة قليلة من الجسر (قناة السويس)، وفي هذا الموضع معسكر كبير من البدو. ومعسكر الزقازيق تلقى أوامر بحشد 30 ألف رجل مزودين بالفئوس والزنابيل (يعني أن النية معقودة على سد قناة السويس). وتلقت الأهالي تعليمات أن يتزودوا بالأسلحة. وفي الإسكندرية وحصونها ما يربو على عشرة آلاف جندي. والأمداد والعساكر الاحتياطية ترد إليها بلا انقطاع. ويقول عرابي إن النبي يزوره كل ليلة ويأمل أن تقع الأساطيل المتحدة في فخ ينصبه ذلك أن يغرق مراكب محملة بالأحجار في البوغاز.
2
برقية من مستر كارترايت
Cartwright
قنصل جنرال إنجلترا إلى لورد جرانفيل وزير خارجيتها
الإسكندرية في 2 يوليه سنة 1882
سيدي اللورد
أتشرف بإخباركم أن مجلس النظار قرر في جلسته التي عقدها أمس أنه نظرا لما شوهد من اتخاذ بعض استعدادات في البوارج الحربية، أضحى من الواجب رفع عريضة إلى السلطان يلتمس فيها الترخيص بتعمير الحصون التي كان أوقف العمل فيها بأمر شاهاني.
3
برقية من مجلس الأميرالية الإنكليزية للأميرال سيمور
الأميرالية في 3 يوليه سنة 1882
امنعوا كل محاولة يراد بها غلق مدخل البوغاز الموصل للميناء. وإذا بوشر إعادة العمل في الحصون أو نصبت فيها مدافع جديدة فأخبروا قائدها الحربي بأن لديكم أوامر بالحيلولة دون ذلك. وإذا لم يوقف العمل في الحال فدمروا الحصون وأسكتوا مدافعها إذا أطلقت النيران، وهذا بعد أن تعطوا الأهالي والسفن التجارية والحربية الأجنبية المهلة الكافية.
4
برقية من الأميرال سيمور إلى مجلس الأميرالية البريطانية
الإسكندرية في 4 يوليه سنة 1882
نصب مدفعان جديدان في قصر فاروس (قلعة قايتباي) في الليلة الماضية. وقوي حائطه المواجه للبحر أيضا. ويفضل القنصل الجنرال أن أؤجل توجيه الإنذار إلى صباح يوم الخميس؛ لكي يجد الأوروبيون فرصة للهجرة من القاهرة. ولم يحدث أي تغيير في الوجهات المشرفة على البحر. وطلب الأميرال الفرنسي استعلامات فوردت له الإجابة من القائد الحربي ومن عرابي اللذين أرسلا الأميرال المصري؛ ليؤكد أنه ليس هنالك فكرة بعمل سد ما في مدخل البوغاز.
وفي 5 يوليه سنة 1882 أخبر مسيو فريسينيه
Freycinet
رئيس مجلس وزراء فرنسا لورد ليونز
Lyons
سفير إنجلترا في باريس، وهذا بدوره بلغ لورد جرانفيل
Granville
أنه ورد إليه في الصباح برقية من الأميرال كونراد
Conrad
قائد الأسطول الفرنسي بالإسكندرية عن التعليمات التي تلقاها الأميرال سيمور من أجل النيات التي نسبت للحكومة المصرية، وقيل عنها إنها موجهة ضد الأسطولين الفرنسي والإنجليزي. ثم قال الوزير الفرنسي للسفير الإنكليزي إنه جمع مجلس الوزراء لبحث المسألة، فقرر أن الحكومة الفرنسية لا تستطيع أن تعطي تعليمات للأميرال كونراد أن يكون مع الأميرال سيمور، وأن يمنع بالقوة بناء الحصون أو نصب المدافع في ميناء الإسكندرية.
واستطرد مسيو فريسينيه فقال إن الحكومة الفرنسية تعد التصرف بهذه الكيفية عملا عدائيا هجوميا ضد مصر، والاشتراك فيه لا يمكن أن يكون بدون إخلال بنص الدستور الذي يحظر الدخول في حرب بدون موافقة مجلس النواب والشيوخ، وإنه بناء على ذلك قد أرسل إلى الأميرال كونراد تعليمات تقضي عليه بألا ينضم إلى الأميرال سيمور إذا وجه هذا إنذارا نهائيا للمصريين يختص بتحصيناتهم، وأن يتراجع إذا صمم الأميرال سيمور على إطلاق المدافع. ا.ه. •••
وبذلك أصبحت إنجلترا مطلقة اليدين وحدها أمام مصر. وهذا الموقف هو الذي كانت تتوق إليه إنجلترا لتنفيذ مقاصدها، والحصول على بغيتها التي طالما تمنتها من أزمان بعيدة، وقد مهد المصريون لها مع الأسف طريق الوصول إلى أمنيتها هذه بخرقهم ونزقهم وسوء تصرفهم.
5
برقية من مستر كارترايت إلى لورد جرانفيل
الإسكندرية في 5 يوليه سنة 1882
سيدي اللورد
أتشرف بإخبار سعادتكم أن وكيل نظارة البحرية (المصرية) توجه أمس بعد الظهر للأميرال سير بوشامب سيمور
Beauchamp Seymour
وقدم له تقريرا مطمئنا من جهة وضع العوائق في مدخل ميناء الإسكندرية، وبعد ذلك بقليل تلقى الأميرال إجابة بالكتابة من قومندان الحامية، وفيما يلي نصها:
تلقى الخديو صباح اليوم رسالة برقية من السلطان تعلنه بأنه هو ووزراءه مسئولون إذا لم توقف الأعمال في الحصون؛ لأن أعمالا كهذه تدعو الأسطول الإنجليزي لضرب الإسكندرية. وسيجتمع مجلس الوزراء في هذا الصباح لإبلاغه هذا الأمر العالي للعمل بمقتضاه.
6
برقية من الأميرال سيمور إلى الأميرالية البريطانية
الإسكندرية في 6 يوليه سنة 1882
لقد أكد لي القائد العسكري ردا على مذكرتي المؤرخة بتاريخ اليوم بأنه لم يوضع أي مدفع جديد في الحصون، ولم ينجز عمل ما. وصادق درويش باشا على صحة هذا التصريح. ولم تحدث أية إشارة تدل على القيام بأعمال جديدة من بعد ظهر أمس. ويجوز أن ذلك إنما كان امتثالا لأمر السلطان. وإني لا أتردد في الضرب إذا واصلوا هذه الأعمال. وقد تلقى الأميرال الفرنسي الأوامر بالتراجع هو وبوارجه إذا بدئ بالعدوان.
7
وفي 7 يوليه سنة 1882 وجه قناصل الدول الكبرى الجنرالية بالإسكندرية إلى الأميرال سيمور المذكرة الإجماعية الآتية:
الإسكندرية في 7 يوليه سنة 1882
إن وفرة مصالح رعايانا الكثيري العدد بالإسكندرية الآن، والذين لهم أملاك جسيمة جدا تضطرنا أن نستعلم من جنابكم عما إذا كنتم تعتبرون إجابة الحكومة المصرية الخاصة بالتحصينات مرضية.
ونحن نرى أنه في مقدورنا أن نحصل على تأكيدات منها ترضيكم الرضاء التام إذا كان لم يزل يتراءى لكم أن الإجابة المذكورة غير وافية. وستصيروننا شاكرين غاية الشكر إذا عرفتمونا أن هذه المسألة قد سويت وانتهت. أما إذا كان الأمر على نقيض ذلك فأفيدونا عمن نعتمد عليه في ترحيل رعايانا. وعلى أي حال لا يمكن أن يتم ضرب الإسكندرية بدون أن يجر أخطارا جمة على المسيحيين والأهالي معا، ولا بدون تدمير ما لا يحصى من أملاك الأوروبيين. وسنتقبل بمزيد السرور تكرمكم برفع هذه الملاحظة إلى حكومتكم قبل أن تنفذوا أوامرها التي صدرت بشأن هذه المسألة.
الإمضاءات
دي فورجس - بارون سورما - دي مارتينو
دي لكس - بارون كسجك
8
وفي 7 يوليه سنة 1882 أجاب الأميرال سيمور على هذه المذكرة الإجماعية بالخطاب الآتي:
من ظهر المدرعة إنفنسيبل بإسكندرية 82 / 7 / 7
سادتي
أتشرف بإخباركم بوصول مذكرتكم الإجماعية التي بعثتم بها إلي اليوم تسألونني فيها عما إذا كنت مرتاحا من إجابة القائد العسكري على خطابي الذي أرسلته إليه أمس. وإني أشكركم كثيرا على ما عرضتموه علي من الحصول من القائد العسكري على إجابة مرضية إذا كنت أرغب في تأكيدات منه أوفى من الأول، كما أرجو أن تتقبلوا وافر شكري على الاقتراح الذي تلطفتم بتقديمه إلي.
فإذا كان نفوذكم لدى القائد العسكري يمكن أن يحمله على التصرف بإخلاص ويحول دون استمراره في أعمال التحصينات، فإنكم بذلك تصيبون الهدف المقصود؛ لأن التأكيدات المكتوبة مهما تكن عباراتها قليلة القيمة بالنسبة للمصالح التي اؤتمنت عليها.
ويلزمني أن أبين لكم أني لا أنوي ولا قلت مطلقا إني أقصد أن أضرب مدينة الإسكندرية؛ فإن أعمالي الحربية إذا أمست ضرورية فستوجه إلى الحصون، ولا أرى سببا للخوف من وقوع تلف يصيب الأملاك الخصوصية التي أنتم من أجلها في وجل. وسأبلغ حكومة جلالة الملكة الملاحظة التي لفتم نظري إليها في الفقرة الأخيرة من خطابكم. ويجب أن أحرص مع التدقيق على نص بلاغي الذي أرسلته إلى القائد الحربي حينما تحدث أدنى محاولة يقصد بها العودة إلى أعمال دفاعية.
وعلى أي حال فسيعطى إنذار نهائي مدته 24 ساعة فقط. وأتشرف ... إلخ.
الإمضاء
بوشامب سيمور
أميرال ورئيس القيادة
9
ويرى من مذكرة القناصل الجنرالية السالفة أنهم بذلوا كل جهودهم في سبيل تجنب وقوع الحرب، وهذا أمر يستوجب لهم الشكر، كما يرى أيضا من إجابة الأميرال التصلب ليسد الباب أمام كل تسوية يمكن الاهتداء إليها؛ لأنه في اليوم نفسه أرسل بلاغا إلى القائد الحربي هذه صورته:
من ظهر البارجة إنفنسيبل في 7 يوليه سنة 1882
صاحب السعادة
أتشرف بإخباركم أني علمت من طريق رسمي أن مدفعين جديدين نصبا أمس في خطوط الدفاع المشرفة على البحر، وأن بعض استعدادات حربية على وشك النجاز في واجهة الإسكندرية الشمالية، الغرض منها تهديد الأسطول الذي تحت قيادتي. فيجب علي والحالة هذه أن أعلنكم أنكم إن لم تأمروا بالإقلاع عن هذه الأعمال أو تكونوا قد أمرتم بالإقلاع عنها يكن من واجبي ضرب الحصون الجاري فيها البناء.
وأتشرف بأن أكون ... إلخ.
الإمضاء
بوشامب سيمور
أميرال ورئيس القيادة
10
وأرسل اللواء طلبة عصمت باشا القائد الحربي الإجابة الآتي نصها:
الإسكندرية في 20 شعبان سنة 1299 ه / 7 يوليه سنة 1882م
عزيزي الأميرال الإنجليزي
أتشرف بأن أنبئكم بوصول خطابكم المؤرخ يوم 6 يوليه الذي تذكرون فيه أنه اتصل بكم تركيب مدفعين، وأن أعمالا أخرى على وشك أن تقام على شاطئ البحر. فردا على ذلك أريد أن أؤكد لكم أن الأخبار المذكورة عارية عن الصحة، وأن هذه الأخبار مثل خبر التهديد بسد مدخل البوغاز الذي اتصل بكم وتحققتم كذبه.
هذا وإني لواثق من شريف عواطفكم المتشبعة بروح الإنسانية. وأرجو قبول احتراماتي.
الإمضاء
طلبة عصمت
قائد القوة
11
وأرسل الخديو توفيق إلى الباب العالي في 7 يوليه سنة 1882م البرقية الآتي نصها:
الإسكندرية في 7 يوليه سنة 1882م
من اليوم الذي انقطعت فيه الأعمال حسب أمر جلالة السلطان لم نقم بأي عمل إلى الآن. وقد أذيعت إشاعة مضمونها أن الحكومة تنوي سد مدخل ميناء الإسكندرية، وأنها تتخذ غير ذلك من التدابير الحربية. وقد توجه قنصلا إنجلترا وفرنسا إلى راغب باشا للوقوف على الحالة منه، فأكد لهما أن هذه إشاعات ليس لها أدنى نصيب من الصحة، وأن فكرة هذه التدابير لم تخطر بالبال. وبما أن ميناء الإسكندرية مزدحمة بالبوارج الحربية فهذه الحالة تخول لكل بارجة من هذه البوارج حجز كل سفينة تحمل مدافع. وقد أخطر رئيس النظار ناظر البحرية بذلك، فخرج القنصلان راضيين من هذا البيان. وفي الوقت نفسه كتب الأميرال إلى قائد الجنود بالإسكندرية خطابا صرح فيه بأنه ما دامت النية معقودة على سد الميناء فيلزمه هو أيضا أن يتخذ احتياطات لوقاية نفسه. فأجابه القائد بأن هذا الخبر ليس له صحة. وذهب بعد ذلك ناظر البحرية وأكد للأميرال الإنجليزي هذه التأكيدات، فشكره ووعد أن يخبر بذلك حكومته.
الإمضاء
محمد توفيق
12
ولكن كل هذه التصريحات السلمية المطمئنة لم تكف الأميرال سيمور، وصمم تصميما نهائيا على ضرب قلاع المدينة بقنابل أسطوله، متذرعا بالأسباب التي سبق ذكرها وأرسل البرقية الآتية:
برقية من الأميرال سيمور إلى الأميرالية الإنجليزية
الإسكندرية في 9 يوليه سنة 1882
إيماء إلى برقيتي المؤرخة في يوم 4 يوليه سنة 1882م أقول إنه ليس هنالك أدنى ريب فيما يتعلق بالتسليح، وإني سأخطر قناصل الدول الأجنبية غدا عند شروق الشمس وأشرع في الضرب بعد 24 ساعة إن لم تسلم إلي الحصون القائمة على البوغاز والتي تشرف على مدخل الميناء.
13
وعزز مستر كارترايت هذه البرقية بالبرقية الآتية:
برقية من مستر كارترايت إلى وزير الخارجية البريطانية
من ظهر البارجة هلكن
Helicon
بالإسكندرية في 9 يوليه سنة 1882
سيدي اللورد
أتشرف بإخباركم أنه اتصل بالأميرال سير بوشامب سيمور أن مدفعين جديدين نصبا صباح اليوم بحصن السلسلة القائم تجاه الميناء الجديدة.
ولا يستطيع الأميرال أن يلازم الصمت حيال هذا العمل العدائي، فقرر أن يطلق النار عند شروق شمس يوم الثلاثاء 11 الجاري.
ولقد أخطرت في هذا المساء القناصل الجنرالية والخديو ودرويش باشا؛ وسأعمل الترتيبات اللازمة لترحيل جميع الرعايا البريطانيين على البواخر في هذا المساء أو غدا صباحا.
ويؤخذ من شهادة الضابط الذي نقل الخبر إلى الأميرال أن المدفعين المذكورين كانا من الطراز القديم؛ أي إنهما لم يكونا من نوع الششخانة، بل كانا من المدافع الملساء التي ليس لقنابلها قوة لإصابة المرمى البعيد حتى تصيب هذه البوارج وتخترق دروعها فتحدث الضرر لهذه السفن. وحصن السلسلة هذا من ناحية أخرى واقع خارج منطقة القتال؛ ولذلك فإنه عندما حشدت سفن الأسطول عصر يوم الضرب لإطلاق قنابلها على حصن قايتباي لم تعر حصن السلسلة أدنى التفات مع أنه صوب إليها بعض القنابل، فذعر الأميرال كان في غير محله.
14
ويقول أحمد شفيق باشا في مذكراته ص163، إن مستر كارترايت أشار على الخديو توفيق أن ينزل هو وأسرته إلى إحدى البوارج الإنجليزية؛ ليكون في مأمن مما عساه أن يصيب سراي رأس التين؛ لأنها عرضة لقذائف المدرعات فأبى. وهذه المشورة لم تدون في الكتاب الأزرق عن سنة 1882م، غير أنه يؤخذ من رسالة برقية مرسلة من مستر كارترايت إلى لورد جرانفيل في 7 يوليه سنة 1882م أن هذا الأمر حدث فعلا. وإليك نص هذه الرسالة:
الإسكندرية في 7 يوليه سنة 1882
أتشرف بإخبار سعادتكم أن سمو الخديو أرسل في طلب سير أوكلاند كلفن
Auckland Colvin
في ضحوة هذا اليوم؛ ليعرض عليه خطة السير التي ينوي سموه اتخاذها في هذه الظروف.
فلقد نوى سموه في الحالة التي يستقر فيها الرأي على الضرب أن يبقى في الديار المصرية. وهو يقول في تعليل ذلك إنه لا يستطيع أن يترك جميع أولئك الذين ظلوا في معيته وأولوه في غضون هذه الفتنة إخلاصهم، كما أنه من جهة أخرى لا يستطيع أن يهجر مصر إذا أغارت عليها دولة أجنبية؛ إذ يقال حينئذ إنه بارحها لينجو بنفسه. أما إذا احتلت الترك مصر وصادف هذا الاحتلال مقاومة، فإن سموه ودرويش باشا يعلمان الجيش عندئذ بأنهما بصفتهما من رعايا السلطان المخلصين لجلالته لا يكونان قد أديا واجبهما إذا عضدا هذه المقاومة، وفي هذه الحالة ينطلقان بأحسن الوسائل الممكنة إلى يخت درويش باشا.
وأعرب سموه عن نيته في الانصراف هو ودرويش باشا إلى أحد القصور القائمة على شاطئ المحمودية إذا كان الضرب من جانب الأسطول الإنجليزي وأنه بقدر الإسراع في إنجاز الضرب يقل الخطر الذي يحيق بشخص الخديو.
وكان سموه أثناء هذه المقابلة رابط الجأش يتكلم بصوت هادئ، واختتم الحديث بتوجيه الرجاء إلى سير أوكلاند أن يبلغ قراره هذا إلى سعادتكم.
ولقد عقدت العزم على أن أخبر درويش باشا أنه في حالة حدوث ضرب تلقي حكومة صاحبة الجلالة البريطانية عليه مسئولية سلامة الخديو الشخصية وأمنه.
ولي الشرف ... إلخ.
الإمضاء
كارترايت
15
وفي اليوم التالي ورد إلى مستر كارترايت من لورد جرانفيل الرد بالبرقية الآتية:
وزارة الخارجية البريطانية في 8 يوليه سنة 1882
تصادق حكومة صاحب الجلالة البريطانية على البلاغ الذي أخبرتمونا عنه ببرقيتكم أمس التي ذكرتم فيها أنكم تنوون عندما تدعو الحالة لضرب الحصون أن تلقوا على عاتق درويش باشا مسئولية أمن الخديو وسلامته.
وأنا لكم ... إلخ.
الإمضاء
جرانفيل
ومن المرجح أن المشورة التي عرضت على الخديو بضيافته على ظهر سفينة حربية إنكليزية كانت لغرض سياسي لا لشيء آخر؛ لأن وجود حكم البلد في إحدى سفنهم يجعل لضربهم صبغة شرعية كما حدث بعد ذلك في حركاتهم العسكرية التي أفضت إلى احتلال البلاد.
وعلى كل حال فإجابة الخديو تشرفه، ولكن مما يؤسف له أنه لم يتبع هذه الخطة معهم إلى النهاية.
16
وأرسل مستر كارترايت إلى قناصل الدول الجنرالية وفقا للبرقية التي بعث بها إلى لورد جرانفيل المذكرة الآتية:
الإسكندرية في 9 يوليه سنة 1882م
سيدي
أتشرف بإخباركم أنه من المرغوب فيه إعلان كافة الأشخاص التابعين لحكومتكم بأن يكونوا في البواخر الراسية في الميناء في مدة 24 ساعة تمر من تاريخ هذا الإعلان.
17
وكتب أيضا مستر كارترايت إلى درويش باشا الخطاب الآتي:
الإسكندرية في 10 يوليه سنة 1882م
إلى صاحب السعادة
بناء على بلاغ الأميرال سير بوشامب سيمور الذي وجهه إلى قائد الإسكندرية الحربي في صباح هذا اليوم أراني بصفتي وكيل وقنصل جنرال حكومة صاحبة الجلالة البريطانية بالنيابة، مضطرا إلى أن أخلي وكالة جلالتها بالإسكندرية، وأن أقطع مؤقتا العلائق التي كانت إلى الآن بيني وبين نظارة الخارجية المصرية.
ثم أخبركم بأنني مكلف بأن أعلن سعادتكم بالضرورة الماسة لكفالة سلامة سمو الخديو في كل الظروف، وأن حكومة جلالة الملك تأمل من سعادتكم أن تشملوا وقاية سموه وأسرته بكل أنواع الاحتياطات التي تستدعيها الأحوال باستعمال نفوذكم المستمد من نيابتكم عن جلالة السلطان. وإنكم لتعلمون أن سموه لا ينكص أمام الأخطار الجسيمة التي يعرضه لها موقفه الحالي بسبب تحمله أوفر نصيب مما تفرضه عليه الواجبات. فحكومة صاحبة الجلالة البريطانية كلفتني أن أعلم دولتكم بأن عليكم - بحسب رأيها - مسئولية وقاية سموه من كل خطر ودرء الأخطار التي يمكن أن تحيط بسموه في أثناء هذه الحوادث.
18
فأجابه درويش باشا بالجواب الآتي:
الإسكندرية في 10 يوليه سنة 1882م
عزيزي نائب القنصل الجنرال
تسلمت خطابكم المؤرخ في 10 الجاري الذي شرفتموني بإرساله إلي، ويمكنني أن أؤكد لكم أني بذلت كل جهدي في القيام بالمهمة التي تفضل جلالة السلطان وعهد بها إلي.
ولقد عز علي أن أدرك السبب الذي من أجله انساق الأسطول الإنكليزي فجأة منذ أمس إلى إبداء هذه النيات العدوانية بعد أن لبث مدة مديدة، ملقيا مراسيه في ميناء الإسكندرية لم يظهر في خلالها إلا أميالا سلمية.
إن العلائق الودية بين السلطنة العثمانية وبريطانيا العظمى ما زالت باقية. وحيث إن مصر هي إحدى ولايات السلطنة، فكان في استطاعة جناب الأميرال أن يعرض أولا وجوه شكايته التي استوجبت التدابير التي اتخذها، بطريقة ودية. وكان في الإمكان مراجعتها والنظر في وسيلة لملافاة الشر. ومتى ظهر مرتكبو الأعمال التي أوجبت الشكوى يكن في الاستطاعة إنزال العقاب بهم.
ويبدو لي أننا لو تصرفنا بهذه الطريقة لكان الأمر قد آل إلى توطيد العلائق الودية بين المملكتين عوضا عن الانسياق في تيار العدوان.
ولقد أتاحت الفرصة لسعادة راغب باشا ولوكيل نظارة البحرية أن يؤكد لكم وللأميرال أنه لم يخطر ببال الحكومة المصرية أن تعمل أي عمل يكدر صفو هذه العلائق الحسنة.
ومن المهم البحث عمن تقع عليه المسئولية إذا كان جواب تصريحات حكومة متشبعة بروح المحبة وحسن النية قد قدمت كل الوعود والتأكيدات الضرورية، هو القيام بأعمال عدوانية لا تستند إلى المبادئ التي تسود العلائق بين دولتين متحابتين.
أما التنبيه الذي وجهتموه إلي أن أكفل بكل ما لدي من الوسائل سلامة سمو الخديو فيجب علي أن ألفت أنظاركم إلى أنه ليس من الصواب إيجاد تمييز بين شخصية سمو الخديو توفيق باشا السامية وحكومته. وإنه لمن الطبيعي جدا أن سموه ما زال يعنى بسلامة وهناء البلاد التي يحكمها أكثر مما يعنى بسلامة شخصه.
وتفضلوا بقبول ... إلخ.
مندوب جلالة السلطان
الإمضاء
درويش
19
وأرسل الأميرال سيمور من جهة أخرى إلى قائد الإسكندرية الحربي الرسالة الآتية:
من ظهر البارجة إنفنسيبل بالإسكندرية في 10 يوليه سنة 1882م
صاحب السعادة
أتشرف بإخبار سعادتكم أنه نظرا لحدوث استعدادات حربية آخذة في الازدياد منذ يوم أمس في حصون السلسلة وفاروس (قايتباي) وصالح. وهذه الاستعدادات موجهة بالطبع إلى الأسطول الذي تحت قيادتي، قد عقدت العزم على أن أنفذ غدا (11 الجاري) عند شروق الشمس العمل الذي أعربت لكم عنه في خطابي المؤرخ يوم 6 الجاري إن لم تسلموا لي حالا قبل هذه الساعة البطاريات المنصوبة على برزخ رأس التين وعلى شط ميناء الإسكندرية الجنوبي لمنع التسلح بها.
ولي الشرف ... إلخ.
الإمضاء
سيمور
ولكي يستطيع القارئ أن يتبين الخطر الطفيف الذي كان الأسطول الإنكليزي مستهدفا له أورد هنا شهادة رجل إنكليزي هو مستر رويل
Royle
الذي كان محاميا بالإسكندرية ثم عين مستشارا بمحكمة الاستئناف الأهلية. فقد ذكر في مؤلفه ذي إجبشيان كامبينز
The Egyptian Campaigns
ص63 هذا الإنذار النهائي، ثم قال: إن الخطر الذي كانت تستهدف له بوارج الأميرال من جراء الاستعدادات المصرية لم يكن إلا خطرا وهميا في ذلك الوقت. ولو فرضنا وكان خطرا حقيقيا لكان في الإمكان السلامة منه والبعد عنه إذا غير الأميرال موقف سفنه تغييرا طفيفا.
وقد أمسى في الوقت نفسه تهديده بضرب الحصون بعد حوادث 11 يونية سنة 1882 من بعض الوجوه ضروريا حتى لو لم يكن ذلك إلا لإعادة كرامة الأوروبيين. وفضلا عما ذكر فإنه كان يمهد بهذا الضرب أول خطوة في سبيل ملاشاة سطوة عرابي وجيشه الذي كان محشودا إلى حد كبير بالإسكندرية. ا.ه.
والقسم الأول من هذا الكلام يطابق الحقيقة. أما القسم الثاني فالغرض منه تلطيف هذا الفعل بإدماج الكرامة الأوروبية فيه حتى كأن الدول الأخرى قد فوضت إنجلترا في القيام بهذا العمل نيابة عنها.
20
وأرسل أيضا مستر كارترايت إلى راغب باشا رئيس النظار الخطاب التالي:
من ظهر تانجور
Tanjore
بالإسكندرية في 10 يوليه سنة 1882
سيدي الوزير
بناء على البلاغ الذي قدمه الأميرال سير بوشامب سيمور في هذا الصباح إلى القائد الحربي بالإسكندرية، أراني مضطرا إلى أن أخلي قنصلية صاحبة الجلالة البريطانية، وأن أقطع الآن العلائق التي كانت بين سعادتكم وبين شخصي بصفتي أنني وكيل وقنصل جنرال بالنيابة عن جلالتها في مصر.
ولي الشرف ... إلخ.
الإمضاء
كارترايت
ولما تلقى راغب باشا هذا البلاغ ولم يكن قد اطلع من قبل على الإنذار النهائي طلب من مسيو دي مارتينو
de Martino
قنصل جنرال إيطاليا وأقدم السفراء أن يتكرم باستدعاء زملائه الفرنسي والألماني والنمساوي والروسي على ظهر المدرعة الإيطالية (كاستلفيداردو
Castelfidardo ) في محل وجودها ليقوموا بمساع أخرى لدى الأميرال. وفعلا لبى القنصل الطلب واستدعاهم، ولكنهم بعد أن اجتمعوا ظهر لهم أن الوقت قد فات.
ولما ذهب راغب باشا بصحبة عبد الرحمن بك رشدي ناظر المالية وتجران بك سكرتير مجلس النظار وقابلوا مسيو دي مارتينو في نحو الساعة الحادية عشرة صباحا لم يستطع إلا أن ينصح راغب باشا أن يسعى هو بنفسه لدى الأميرال، فتوجه رئيس النظار ورفيقاه إلى البارجة إنفنسيبل وهناك تلقى الإنذار النهائي. وبعد مناقشة طويلة قبل الأميرال تلطيفا في شروطه لم يكن في الحقيقة إلا تغييرا طفيفا، وهو ينحصر في إنزال كافة المدافع التي في الحصون المشرفة على البحر، وأن يقوم بهذه العملية الجنود المصرية تحت إشراف ضباط من الإنكليز، وبارح راغب باشا ورفاقه سفينة الأميرال بعد أن وعد بإرسال الإجابة في المساء، وتوجهوا في الحال إلى قصر رأس التين وعرضوا على الخديو ودرويش باشا نتيجة سعيهم. فطلب الخديو عقد جلسة غير عادية لفحص الموقف وتمحيصه حضرها: (1)
الخديو توفيق. (2)
المشير درويش باشا. (3)
قدري بك سكرتير المشير. (4)
السيد أحمد أسعد عضو الوفد العثماني. (5)
إسماعيل باشا راغب رئيس النظار وناظر الخارجية. (6)
أحمد باشا راشد ناظر الداخلية. (7)
عبد الرحمن بك رشدي ناظر المالية. (8)
أحمد باشا عرابي ناظر الجهادية والبحرية. (9)
علي باشا إبراهيم ناظر الحقانية. (10)
سليمان باشا أباظة ناظر المعارف. (11)
محمود باشا الفلكي ناظر الأشغال. (12)
حسن باشا الشريعي ناظر الأوقاف. (13)
لطيف باشا من نظار البحرية السابقين. (14)
حافظ باشا من نظار المالية السابقين. (15)
محمد باشا سلطان رئيس مجلس النواب. (16)
إسماعيل باشا حقي أبو جبل عضو مجلس الشيوخ. (17)
محمد باشا سعيد عضو مجلس الشيوخ. (18)
محمد باشا كامل وكيل نظارة البحرية. (19)
قاسم باشا من وكلاء نظارة البحرية السابقين. (20)
محمد باشا المرعشلي مدير التحصينات العام السابق. (21)
محمود باشا فهمي مفتش التحصينات العام. (22)
طلبة باشا عصمت القائد الحربي للإسكندرية. (23)
تجران بك سكرتير مجلس النظار.
وكانت الجلسة متحمسة كثيرا، والمناقشة حادة جدا والآراء متضاربة إلى أقصى حد. ويبدو أن حافظ باشا وإسماعيل باشا ولطيف باشا كان من رأيهم التسليم بشروط الأميرال. ويقول أحمد باشا شفيق في مذكراته ص162، إن درويش باشا توجه إلى طابية الفنار مع محمد ياور أفندي من ضباط الحرس الخديو لاختبارها واختبار المدافع المنصوبة فيها، وقال في هذا المجلس إنه بصفته من ضباط المدفعية يقرر أن الحصون والمدافع التي بها لا تستطيع مطلقا أن تقاوم مدافع المدرعات الإنكليزية. وقال أيضا إنه لو وثق بأن مصر تستطيع المقاومة لتولى بنفسه قيادة جيشها؛ ولذا نصح لعرابي باشا بقبول طلبات الأميرال سيمور.
وأذكر هنا حجة أخرى قيمة جدا هي ما قاله مرعشلي باشا مدير التحصينات العام السابق الذي حضر هذا الاجتماع الحافل وأبدى رأيه في هذه المشكلة، ونحن نرى رأيه هذا رأي رجل عاقل جدا فضلا عن أنه أخصائي ملم بمهنته تمام الإلمام. ولكن مما يؤسف له أشد الأسف أن الآراء الحصيفة التي بمثلها رأى هذا الخبير تهمل ولا يعمل بها في وسط ساد فيه التحمس. وهاك قطعة من تقريره الذي قدمه إلى لجنة التفتيش التي تألفت لمحاكمة المدنيين في هذه الحوادث وفيه أثبت هذا الرأي، نثبتها هنا بنصها قال:
في يوم الأحد 22 شعبان سنة 1299ه / 9 يوليه سنة 1882 وردت لنا بوصلة من سعادة أحمد باشا رشيد ناظر الداخلية هذه صورتها:
بناء على التلغراف الوارد لنا من عطوفتلو رئيس مجلس النظار بإسكندرية مقتضى توجه سعادتكم لإسكندرية بالوابور المخصوص القائم من مصر يوم تاريخه بعد الظهر بربع ساعة للمذاكرة في مسألة مهمة. فالأمل التشريف بالحضور لمحطة مصر في الميعاد المرقوم لأجل التوجه معنا نحن وبعض سعادات الذوات المتوجهين أيضا أفندم.
فبناء على هذه البوصلة قد توجهنا إلى الإسكندرية في ليلة 23 شعبان سنة 1299 / 10 يوليه سنة 1882م، وفي صباح اليوم المذكور باجتماع المجلس بسراي رأس التين مركبا من هيئة النظار والذوات الملكية والجهادية وجد إعلان وارد من أميرال دونانمة ومذكور به أنه بعد صدور أمر الدولة العلية بتوقيف تصليح الاستحكامات وتركيب المدافع والتجهيزات الحربية الجارية بمعرفة عرابي ورفقاه ضد الدونانمة قومانداريتي، وصدور أمر الحضرة الخديوية إليهم بذلك، وامتثالهم لهذا الأمر، لم يزالوا جارين التجهيزات ليلا ونهارا لغاية أمس، وأجروا تركيب ثلاثة مدافع بإحدى الطوابي؛ فلعدم امتثالهم للأوامر وبناء على الأمر الصادر لي من دولتي، مجبور بضرب الطوابي باكر صباحا، وإلا يصير نزول المدافع من على قناديقها للأرض مؤقتا حتى تنتهي المسألة. ومن أجل ذلك توجه عطوفتلو راغب باشا مع سعادة عبد الرحمن بك ناظر المالية وسعادة قاسم باشا وكيل البحرية سابقا إلى الأميرال بالبحر لأجل المرسى معه عن ذلك. وبعد عودتهم عرفوا بأن الأميرال لم يزل مصمما على رأيه فلذلك انعقد المجلس ثانيا بعد الظهر تحت رياسة الحضرة الخديوية. وبالمداولة فيه كان العرض للأعتاب من سعادة محمود باشا الفلكي عن لزوم النظر في أخف الضررين، إما قبول الضرب أو نزول المدافع؛ ولذا يلزم السؤال عن أحوال الطوابي ومدة مقاومتها لمقذوفات مدافع الدونانمة من مرعشلي باشا، حيث إنه خبير بذلك. فبوقته سألني حضرة الخديو عن ذلك فكان جوابي إن صاحب الوظيفة الآن محمود فهمي يسئل منه. وبتوجيه السؤال إليه أجاب بأن طوابي سواحل إسكندرية تقاوم مقذوفات الدونانمة مدة ثلاثة شهور. فبوقته فهمت من مجاوبته أنها إما أن تكون على جهل منه أو لغرض تقوية عزم العصاة. وبإعادة استفهام الحضرة الخديوية مني عن ذلك أجبت بأن طوابي إسكندرية لا تتحمل أكثر من أربع وعشرين ساعة إذا كان الضرب مستمرا، وفي ظرف أربع أو خمس ساعات تتخرب الطوابي، وأغلب المدافع تلقى على الأرض من إصابة المقذوفات لكونها مكشوفة، ويكون بداخل الطوابي مثل مجزرة من العساكر القتلى المصابين من الكلل والشرنبالات، ومن انتشار قطع الأحجار التي تصادمها الكلل في الأبنية العالية؛ وهذا لكون الطوابي المذكورة مبنية من زمن مديد بالنسبة لمقاومة الأسلحة القديمة، والأسلحة الجديدة لها تأثير أكبر من الأسلحة القديمة، والمراكب الخشب تغيرت بمراكب زرخ. وأما تلك الطوابي فإنه لم يحصل فيها تغيير. فإذا كان التصميم على الضرب فالأحسن لأجل حقن دماء العساكر لا يلزم فيها دخولها بالطوابي وقت الضرب. فكانت المعارضة لي من محمود فهمي بأقواله إنه حضر محاربة حدود الصرب، وإنه نظر تأثيرات كلل وشرنبالات بكثرة، وما كان يخاف منها. كذا عارض طلبة أيضا بقوله نحن يلزمنا أن نذبح بكلة الإنكليز تحت المدافع ولا نتركها بدون عساكر. وكذا عارض عرابي بقوله إنه إذا تركنا الطوابي بدون عساكر فإن الإنكليز بعد أن يخربوها في الحال توضع بنديرات الإنكليز، وقال أيضا هل كلل الإنجليز تؤثر بطوابينا وكللنا لا تؤثر بالمراكب؟ فكانت المجاوبة من مني لعرابي أن المدافع التي بطوابينا تأثيرها في المراكب قليل جدا، وأغلب المدافع من الطراز القديم ولا يكون لها أدنى تأثير في مراكب الزرخ، وفضلا عن ذلك فإن مدافعهم وعساكرهم في داخل أود من الحديد، وأما عساكرنا ومدافعنا فإنهم في الكشف تنزل عليهم الشرنبالات والكلل بكثرة مثل المطر وتتلفهم في أقرب زمن. وأما القول عن الإنكليز أنهم بعد تخريب الطوابي يضعون البنديرة بها فهذا ليس من السهل بما أنهم ليسوا هم من الطير حتى يمكنهم من مسافة نحو الألف وخمسمائة متر أن يطيروا ويدخلوا الطوابي؛ لأنهم متى أرادوا التوجه على الطوابي يلزمهم تنزيل عساكرهم في صنادل لأجل طلوعهم على الساحل. فبوقتها يلزم على العساكر التي في البر أن يستعدوا للمدافعة وعدم ترك الإنكليز لأن يطلعوا على البر. وفي ذلك صعوبة جدا للمهاجمين بالنسبة لفن الحرب. فما كان يقبل أقوالنا وطعن في حقنا. ونحن كذلك جاوبناه بما لزم. وترتب على ذلك أن اكتسبنا زيادة عداوة مع المذكورين علاوة على العداوة الأصلية الناتج منها إخلاؤنا من الوظيفة. وكانت مجاوبتنا لهم بما ذكر لأجل تخويف العصاة وارتجاعهم عن المقاومة وتنزيل المدافع بما أن ذلك أخف الضررين. ثم بعد تلك المحاورات التي حصلت بالمجلس في مساء يومها جهزوا العساكر طوبجية وبيادة وأهالي متطوعين بطوابي الساحل. وفي الصباح حصل الضرب من الطرفين. وبحال الضرب تلاحظ أن الضرب من المراكب ما كان إلا للطوابي التي بها العساكر فقط، وتركوا الطوابي التي لم يكن بها عساكر بدون ضرب. ثم تلاحظ أن رؤساء العصاة بدلا عن أنهم يصيرون بالطوابي حال الضرب حتى يصير جزرهم تحت المدافع كأقوالهم بالمجلس هربوا وتوجهوا إلى طابية الدماس المنيعة، وأخفوا أنفسهم تحت العقودات من ضرب الكلل حتى تسبب مما حصل من إجراءاتهم وحالة الضرب مهاجرة الأهالي، فتركوا أمتعتهم وأموالهم وهم في أسوأ حال. وكذا الذوات السابق حضورهم من المحروسة هاجروا معهم. ومن ذلك اتضح تأييد صحة أقوالنا التي أبديناها بالمجلس بشأن عدم وضع عساكر بالطوابي، فإذا كان لم يحصل مبارزة العصاة بوضع عساكر بالطوابي كما أورينا ما كان الأميرال يأمر بضربها، ولا كان يحصل شيء من التلفيات. ثم لما رأينا هذه الحالة وبتهددي من العصاة بالكلام حال وجودي معهم وقت الضرب بطابية الدماس مع أغلب النظار وعدم وجود منزل لنا ولا مأوى بإسكندرية، ولم يكن لي وظيفة تستوجب إبقاءنا بها، فضلا عن صعوبة الحالة التي كانت حاصلة وخشية من حصول إضراري من العصاة لما نظر من أحوالهم وعدم استعدادي بلوازم الإقامة بإسكندرية، حضرنا مع الذوات إلى المحروسة ... إلخ إلخ. ا.ه.
وهناك رواية أخرى عن هذا الاجتماع رواها مسيو بيوفيس
Biovés
في الصفحة 150 من كتابه (الفرنسيون والإنكليز في مصر
Français et Anglais en Egypt ) وهذه الرواية لم أنقلها هنا إلا بعد أن تحققت من مطالعة هذا الكتاب أنه من أحسن الكتب التي سطرت عن هذه المأساة المحزنة، وأن مؤلفه كان مسموحا له بالاطلاع على جميع المستندات الرسمية لذلك الحادث المشؤم، وفوق هذا فإن معلوماته مستقاة من مصادر صحيحة معتبرة. وإليك ما قاله في هذا الصدد:
لقد كان الخديو توفيق يرغب في عقد اتفاقية صلح شريفة بينه وبين الإنكليز، ولكن هذا المطمح أثار غضب المشير (درويش باشا) الذي ضرب المائدة بقبضة يده وصاح قائلا : لا تنسوا أنكم جميعا عبيد السلطان الذي مقره بالآستانة، وليس هنا محل للمداولة، وتسليم الحصون المصرية أمر يكسو المسلمين ثوب الخزي والعار. ا.ه.
أما أنا شخصيا فأرجح أن درويش باشا كان معارضا لطلب الأميرال سيمور كما يستفاد من منطوق الخطاب السالف الذكر الذي بعث به إلى مستر كارترايت.
21
ومهما يكن من بين هذه الروايات من التناقض، فقد تقرر بعد المناقشة إبلاغ الأميرال في 10 يوليه سنة 1882 القرار التالي ردا على إنذاره:
لم تعمل مصر شيئا يقضي بإرسال هذه الأساطيل المتجمعة، ولم تعمل السلطة المدنية ولا السلطة العسكرية أي عمل يسوغ مطالب الأميرال إلا بعض إصلاحات اضطرارية في أبنية قديمة. والطوابي الآن على الحالة التي كانت عليها عند وصول الأساطيل. ونحن هنا في وطننا وبيتنا، فمن حقنا بل من الواجب علينا أن نتخذ عدتنا ضد كل عدو مباغت يقدم على قطع أسباب الصلات السلمية التي تقول الحكومة الإنكليزية إنها باقية بيننا.
ومصر الحريصة على حقوقها الساهرة على تلك الحقوق وعلى شرفها لا تستطيع أن تسلم أي مدفع ولا أية طابية دون أن تكره على ذلك بحكم السلاح.
فهي لذلك تحتج على بلاغكم الذي وجهتموه اليوم وتوقع مسئوليات جميع النتائج المباشرة وغير المباشرة التي تنجم إما عن هجوم الأساطيل أو عن إطلاق المدافع على الأمة التي تقذف في وسط السلام القنبلة الأولى على الإسكندرية المدينة الهادئة، مخالفة بذلك لأحكام حقوق الإنسان ولقوانين الحرب. ا.ه.
22
وأيضا نقرر من باب المسألة قبول إنزال ثلاثة مدافع يختارها الأميرال، وإذا أبى وأصر تلقى عليه مسئولية التعدي وذلك بعدم المجاوبة إلا بعد إطلاق القنبلة الخامسة. وقد بلغ راغب باشا الأميرال سيمور ذلك بالخطاب الآتي:
الإسكندرية في 10 يوليه سنة 1882
حضرة الأميرال
طبقا لما سبق أن وعدتكم به في أثناء المحادثة التي دارت بيني وبينكم هذا الصباح، رفعت لسمو الخديو في اجتماع حافل بالنظار وكبار موظفي الحكومة الشروط المدونة في الخطاب الذي تكرمتم بإرساله إلى قومندان الإسكندرية في بكرة هذا النهار، وذكرتم فيه أنكم نويتم تنفيذ أغراضكم المبينة بخطابكم إليه يوم 6 من الشهر الحالي في فجر الغد (11 الجاري)، وذلك إذا لم تسلم لكم مؤقتا البطاريات القائمة على برزخ رأس التين وساحل ميناء الإسكندرية الجنوبي لتجريدها من السلاح قبل هذه المهلة.
وإني لآسف يا حضرة الأميرال أن أعلمكم بأن حكومة سموه تعتبر هذا الطلب غير مقبول، وإنها لا ترغب قط في تكدير صفو العلاقات بينها وبين بريطانيا العظمى، ولكنها لا تستطيع أن تعترف بأنها اتخذت أي تدبير يمكن أن يعتبر تهديدا للأسطول الإنكليزي، سواء أكان ذلك من جهة إقامة أعمال في الحصون أم من ناحية تركيب مدافع بها أو استعدادات حربية.
ومع ذلك فنحن مستعدون أن ننزل ثلاثة مدافع من البطاريات التي أومأتم إليها؛ لنبرهن لكم على أميالنا السلمية ورغبتنا في تلبية طلبكم على قدر الإمكان.
وإذا كنتم تصرون رغم هذه التقدمة على إطلاق النار فالحكومة المصرية تحفظ لنفسها الحق، وتلقي مسئولية هذا العمل العدائي على عاتقكم.
وتفضل يا جناب الأميرال بقبول ... إلخ.
رئيس مجلس النظار وناظر الخارجية
الإمضاء
إسماعيل راغب
وتسلم هذا الخطاب ياور درويش وضابطان مصريان لتوصيله للأميرال، ولكن بسبب أن جميع السفن كانت أنوارها مطفأة لأنها كانت تعتبر الحالة وقتئذ حالة حرب أمست الميناء تسبح في ظلام دامس، ولم يستطع هؤلاء الضباط أن يجدوا سفينة الأميرال ليسلموه هذا الخطاب في نفس تلك العشية.
وفي صباح 11 يوليه توجهوا إلى البارجة هلكن، وهذه أوصلتهم إلى الإنفنسيبل التي كان بها الأميرال وسلموه خطاب راغب باشا في الساعة السادسة صباحا.
23
وبعد أن اطلع عليه الأميرال وعلم ما جاء به أرسل معهم الرد السلبي الآتي:
من ظهر البارجة إنفنسيبل بالإسكندرية في 11 يوليه سنة 1882
يا صاحب السعادة
أتشرف بإخباركم بوصول بلاغكم المؤرخ بتاريخ أمس، وإني آسف أن أخبركم أنه ليس في استطاعتي أن أقبل ما عرضتموه في هذا البلاغ.
ولي الشرف ... إلخ.
رئيس قومندانية القوة البحرية البريطانية في البحر الأبيض المتوسط
الإمضاء
بوشامب سيمور
وانصرف هؤلاء الضباط ومعهم الرد وانتظر الأميرال وصولهم إلى البر، ثم أعطى الإشارة بإطلاق النار.
24
وقبل حصول الضرب أرسل لورد جرانفيل باسم حكومته إلى ممثلي حكومة صاحبة الجلالة البريطانية في باريس وبرلين وفيينا وروما وسان بطرسبرج والآستانة البرقية التالية؛ إتماما لسلسلة هذه المكاتبات وتبريرا للعمل الذي لا أجد ما أصفه به الوصف الكافي والذي أوشك أن يحدث، وإليك نص هذه البرقية:
وزارة الخارجية في 10 يوليه سنة 1882
بناء على برقيتي التي أرسلتها أمس مساء، بينوا للحكومة التي أنتم معتمدون لديها أن الخطة التي أنبأنا أميرالنا أنه سيسير عليها، ليست أكثر من عمل دفاعي بسيط ومشروع، وأما قتاله - إذا كانت تدعو الضرورة لسوء الحظ إلى قتال - فسيباشره لهذه الغاية وبدون أية فكرة أخرى.
ويتضح من تقريره أن أولي الأمر والنهي بالإسكندرية على وشك أن يقوموا باستعدادات عدوانية ويضربوا بأوامر السلطان ورغبات الخديوي عرض الحائط رغما عن تأكيداتهم الإيجابية.
25
وأرسل إلى لورد دوفرين
Lord Dufferin
برقية واحدة بقصد خداع السلطنة العثمانية، وهي:
يجول بفكرنا أن ما نقوم به من الأعمال لم يكن إلا في صالح السلطان الذي يستخفون بسيطرته.
فهل من الممكن تغيير الحقيقة بجرأة أشد من هذه الجرأة، ومن أي جانب يكون الدفاع المشروع؟ أمن جانب أسطول قوي قدم مياه بلد وصار يصوب مدافعه وقاذفات أنواره الكهربائية كل ليلة على حصون هذا البلد؟ أم من جانب أهالي هذا البلد الذين عندما رأوا ذلك أخذوا يحاولون - تأمينا على حياتهم - القيام ببعض ترميمات تافهة غير مجدية في حصونهم العتيقة؟
نعم لا نزاع في أن القوة تصير الباطل حقا، ولكنها في الحالة الحاضرة جاوزت في انتهاكها للحق كل حد.
وكان هناك على ما أرى وسيلتان للخروج من هذا المأزق:
الوسيلة الأولى:
التي أوعز بها مرعشلي باشا وهي تقضي بالكف عن مجاوبة نيران الأسطول الإنجليزي، وإخلاء الحصون من الجنود، وبهذه الكيفية يكون الإنجليز نالوا مشتهاهم، وإذا استمروا بعد ذلك على تصويب مقذوفات مدافعهم على حصون لم تقابل عدوانهم بمثله لأجل نسف مدافعها يكونون قد أتوا بعمل لا يشرفهم ولا يهيئ لهم أي حجة لاحتلال المدينة، وبهذه الوسيلة نكون قد تجنبنا خسارة جنودنا الأبطال الذين راحوا ضحية في ذلك اليوم المشئوم.
الوسيلة الثانية:
هي أنه كان يوجد في ميناء الإسكندرية بوارج حربية لكل الدول، فكان في الاستطاعة الاتفاق معها على أن ترسل كل واحدة منها فريقا من بحارتها إلى البر، وتعهد إليها حراسة الحصون المطلة على البحر. وبهذه الكيفية لا يكون للأميرال حجة يتمسك بها ويزعم أنه مهدد، وإذا استمر بعد ذلك على تنفيذ خطته ولم يجنح إلى السلم وجد أوروبا كلها أمامه.
ويظهر لي أن هذين الحلين كانا هما السبيل الوحيد لاجتياز مصر هذه العقبة الخطرة، ولكن شاءت الأقدار غير ذلك بعد أن فرغ كل ما في جعبتها من وسائل السلم، فأقبلت على الخضوع إلى ما قدر لها في عالم الغيب ومكابدة احتمال فوادح الخطوب من احتلال أجنبي أعقبه بتر أكبر قسم من أراضيها. (5) مواقع الحصون من موقف الأسطول
قبل أن أتكلم عن ضرب الأسطول لحصون الإسكندرية يجدر بي أن أبين مواقع الحصون بالنسبة للأسطول؛ ليكون الأمر أمام عين القارئ في صورة واضحة جلية.
إن حصون الإسكندرية القائمة على طول شاطئ البحر تنقسم إلى ثلاث مناطق بالنسبة لتعرضها لضرب الأسطول: (1)
المنطقة الأولى: وهي الواقعة شرق المدينة، ليس بها غير حصن السلسلة. وهذا الحصن لا نعده قد اشترك في القتال، وإن كان قد أطلق بعض طلقات على السفن التي كانت تصوب مقذوفات مدافعها على قلعة قايتباي؛ لأن هذه السفن لم تجاوبه بتاتا فلم يصب بضرر ما. (2)
المنطقة الثانية: وهي الواقعة شمال المدينة، بها من الحصون حصن قايتباي والهلالية والأطة والاسبتالية ورأس التين والفنار. (3)
المنطقة الثالثة: وهي الواقعة غرب المدينة، بها من الحصون حصن صالح أغا والبرج رقم 15 وأم قبيبة والعجمي والمرابط. وكان حصن العجمي لم يتم إنشاؤه إلى وقت الضرب.
خريطة حصون الإسكندرية والسفن الإنكليزية التي ضربتها في 11 يوليه سنة 1882م
أما الأسطول الإنجليزي فكان مؤلفا من ثماني مدرعات كبيرة وخمس سفن صغيرة غير مدرعة. وقد انقسمت المدرعات إلى قسمين:
القسم الأول:
ويسمى الأسطول الخارجي، كان مؤلفا من المدرعات الخمس: ألكسندرا، وإنفليكسيبل، وسلطان، وسوبرب، وتمرير. وهذا القسم كان يقوده الكابتن هنت جرب
Hunt Grubbe
قائد المدرعة سلطان. وكانت مهمته تنحصر في الوقوف خارج الميناء في عرض البحر ومهاجمة حصون المنطقة الثانية.
القسم الثاني:
ويسمى الأسطول الداخلي، كان مؤلفا من ثلاث مدرعات هي إنفنسيبل، ومونارك، وبنلوب بقيادة الأميرال سيمور، وكانت مهمته أن يقف في الجزء المتقدم من الميناء ويهاجم حصون المنطقة الثالثة. وهذا التقسيم كان سببا في انتقال الأميرال سيمور من ألكسندرا سفينة القيادة لهذا الأسطول إلى المدرعة إنفنسيبل.
وأما السفن الخمس الصغيرة فقد تلقت الأمر بأن تقف خارج منطقة مرمى القنابل إلى أن تحين الفرصة المناسبة التي تسمح لها بالاشتراك في مهاجمة حصون المنطقة الثالثة؛ نظرا لقصر عمق غاطسها.
وكانت الخطة المرسومة لكلا قسمي الأسطول كما قلنا آنفا أن تصوب مدرعاته نيران مدافعها كلها سوية إلى حصن واحد، وبعد أن تسكته تقصد إلى الحصن الذي يليه وتقوم بنفس العمل الذي عملته مع الحصن السالف. وهكذا دواليك مع باقي الحصون إلى أن تسكت جميعا سكوتا تاما.
وبما أن العمل بهذه الكيفية - أي تصويب قوة كل الأسطول في آن واحد إلى حصن واحد - من شأنه أن يجعل الأسطول متفوقا على هذا الحصن الواحد تفوقا كبيرا، فقد بذل القومندان جودريتش مجهودا كبيرا ليصل إلى الموازنة بين القوتين في الجانبين في مختلف المعارك التي دارت رحاها بهذه الكيفية بين الأسطول والحصون يبين كل واحدة منها على حدة. وهذه هي النتيجة التي حصل عليها:
جدول : جدول يبين النسبة بين قوة الحصون وقوة الأسطول.
قوة حصن قايتباي بالنسبة للأسطول الذي هاجمه
4 : 33
قوة حصن الأطة بالنسبة للأسطول الذي هاجمه
5 : 33
قوة حصن رأس التين بالنسبة للأسطول الذي هاجمه
7 : 26
قوة حصن الفنار بالنسبة للأسطول الذي هاجمه
4 : 26
قوة حصن المكس بالنسبة للأسطول الذي هاجمه
5 : 16
وقد قال القومندان جودريتش بعد ذكر هذه الموازنة إنه يعدها دون الحقيقة بالنسبة للأسطول لتفوق عيار مدافعه على عيار المدافع المصرية.
وإذا أضفنا إلى ذلك تفوق رجال المدفعية الإنكليزية بالنسبة لتجاربهم على رجال المدفعية المصرية لعدم مرانهم كان البون بينهما سحيقا بعيدا. (6) حامية الإسكندرية
قبل مذبحة الإسكندرية التي حدثت يوم 11 يونية سنة 1882 كانت حاميتها مؤلفة من 5 جي بيادة و6 جي بيادة، وهما الألايان اللذان يتألف منهما اللواء الثالث بقيادة اللواء خورشيد باشا طاهر. ومن 1 جي طوبجية سواحل بقيادة أمير الألاي إسماعيل بك صبري. وكان هؤلاء جميعا تحت إمرة الفريق إسماعيل باشا كامل.
وبعد تلك المذبحة عندما قدم إلى الإسكندرية يعقوب باشا سامي وكيل نظارة الجهادية - وكان عضوا في المجلس الذي تألف لتحقيق هذه الحادثة وتوطيد النظام بكيفية شافية وافية في هذه المدينة، خصوصا بعد ما جاءت إلى مينائها الأساطيل الفرنسية والإنكليزية وغيرهما ورابطت فيها - كتب سامي باشا إلى نظارة الجهادية؛ لتعزز هذه الحامية وترسل لواء مؤلفا من ألايين من المشاة. فلبت النظارة طلبه وأرسلت إلى الإسكندرية 2 جي بيادة و4 جي بيادة بقيادة اللواء طلبة باشا عصمت. ولما رأى الفريق إسماعيل باشا كامل طلبة باشا عصمت على رأس هذا اللواء، وكان على علم بأنه لا يخضع له ولا يرضى بأن يكون له عليه أي سيطرة، وإن كان أرقى منه رتبة؛ لأن طلبة باشا من صنائع عرابي، أخذ إجازة مرضية اتقاء لهذه المحاذير وتخلص من القيادة التي انتقلت من يده ابتداء من ذلك اليوم وأصبحت في يد اللواء طلبة باشا عصمت.
وإليك بيانا بوحدات حامية الإسكندرية يوم ضرب حصونها:
2 جي بيادة
القائد
أمير الألاي خليل بك كامل
وكيل القائد
القائمقام أحمد بك عفت
بكباشي الأورطة الأولى
محمد أفندي عارف
بكباشي الأورطة الثانية
محمد أفندي فودة
بكباشي الأورطة الثالثة
محروس أفندي شلش
1863 مجموع عدد الضباط والصف ضباط والجنود
4 جي بيادة
القائد
أمير الألاي عيد بك محمد
وكيل القائد
القائمقام فودة بك حسن
بكباشي الأورطة الأولى
أحمد أفندي عبد الرحمن
بكباشي الأورطة الثانية
رزق أفندي حجازي
بكباشي الأورطة الثالثة
حسن أفندي عاصم
1885 مجموع عدد الضباط والصف ضباط والجنود
5 جي بيادة
القائد
أمير الألاي مصطفى بك عبد الرحيم
وكيل القائد
القائمقام فرج بك عبد العال
بكباشي الأورطة الأولى
يوسف أفندي السيد
بكباشي الأورطة الثانية
عبد الرحمن أفندي سليم
بكباشي الأورطة الثالثة
سليمان أفندي تعيلب
1824 مجموع عدد الضباط والصف ضباط والجنود
6 جي بيادة
القائد
أمير الألاي سليمان بك سامي
وكيل القائد
القائمقام علي بك عيسى
بكباشي الأورطة الأولى
علي أفندي رمزي
بكباشي الأورطة الثانية
فرج أفندي يوسف
بكباشي الأورطة الثالثة
أحمد أفندي راغب
1891 مجموع عدد الضباط والصف ضباط والجنود
7463 مجموع البيادة ضباط وصف ضباط وجنود
1 جي طوبجية سواحل
القائد
أمير الألاي إسماعيل بك صبري
وكيل القائد
القائمقام محمد بك نسيم. والد صاحب الدولة توفيق باشا نسيم
بكباشي الأورطة الأولى
عبد العال أفندي أبو العلا
بكباشي الأورطة الثانية
سيف النصر أفندي، والد حضرة صاحب العزة حمدي بك سيف النصر
بكباشي الأورطة الثالثة
محمد أفندي شرمي
1762 مجموع عدد الضباط والصف ضباط والجنود
أورطتان من 1 جي سواري
القائد
البكباشي محمد أفندي منيب
262 مجموع عدد الضباط والصف ضباط والجنود
9487 المجموع الكلي لكل ما سبق
استعدادات القوتين المتحاربتين قبل الضرب
لقد فشلت كل الجهود التي بذلت ابتغاء إيجاد طريق للسلم واجتناب الحرب بسبب عناد الأميرال سيمور وتصلبه، ولم يبق إلا تفويض الأمر للحديد والنار.
وفي ليلة 11 يوليه سنة 1882 أرسل عرابي باشا أمراء الألايات عيد بك محمد ومصطفى بك عبد الرحيم وسليمان بك سامي قواد 4 جي و5 جي و6 جي بيادة في طلب أمير الألاي إسماعيل بك صبري قائد 1 جي طوبجية سواحل وقومندان حصون الإسكندرية. وكان عرابي باشا وقتئذ بالترسانة ومعه محمود باشا فهمي وطلبة باشا عصمت قائد حامية الإسكندرية ومحمد باشا كامل وكيل نظارة البحرية. فلما جاء أخبره أن الأسطول الإنكليزي سيضرب حصون الإسكندرية صبح يوم الغد، واستطرد في الكلام فقال: وإن كان المجلس الذي انعقد في سراي رأس التين برياسة الخديو قرر عدم مجاوبة الأسطول إلا بعد الطلقة الخامسة فمن اللازم أن يصدر أمرا بأن المجاوبة لا تكون إلا بعد الطلقة العاشرة.
وبعد أن تلقى إسماعيل بك صبري هذه الأوامر انصرف هو ووكيله القائمقام محمد بك نسيم ليقابل بكباشية الألاي ويبلغهم الأوامر التي تلقاها، وبعد أن أتم مهمة التبليغ ذهب كل واحد من هؤلاء إلى مركز عمله؛ فذهب البكباشي عبد العال أفندي أبو العلا إلى قلعة قايتباي، والبكباشي سيف النصر أفندي إلى حصن الفنار، والبكباشي محمد أفندي شرمي إلى حصن المكس. أما أمير الألاي إسماعيل بك صبري فقد أخذ تحت قيادته المباشرة حصون المنطقة الثانية، وأقام مركز قيادته في حصن الأطة، وأرسل وكيله القائمقام محمد بك نسيم لقيادة حصون المنطقة الثالثة، وقد جعل مركز قيادته بحصن المكس.
وأصدر أحمد باشا عرابي الأوامر الآتية للمشاة:
يجب على 5 جي بيادة بقيادة أمير الألاي مصطفى بك عبد الرحيم أن يتفرق خلف حصون المنطقة الثانية - أي من قلعة قايتباي إلى حصن الفنار - مع 4 جي بيادة بقيادة أمير الألاي عيد بك محمد. وعلى الألاي الأخير أن يقيم بباب شرق بصفة احتياطي.
ويجب على 6 جي بيادة بقيادة أمير الألاي سليمان بك سامي أن يتفرق خلف حصون المنطقة الثالثة - أي من حصن طابية صالح إلى حصن العجمي - ومعه 2 جي بيادة بقيادة أمير الألاي خليل بك كامل. وعلى هذا الألاي الأخير أن يقيم بالقباري بصفة احتياطي.
وعلى الأورطتين من 1 جي سواري أن تقوما بواجب الخدمة بصفة مراسلة بين مختلف الحصون والمراكز.
هذه هي الترتيبات التي وضعتها القيادة المصرية.
أما الإنكليز فقد وجه الأميرال سيمور بتاريخ 10 يوليه إلى قواد وضباط بوارج صاحبة الجلالة الملوكية بإسكندرية أوامره باتباع الترتيبات التي جاءت في هذا المنشور:
من البارجة إنفنسيبل في 10 يوليه سنة 1882
إنه في حالة ما إذا لم أتلق جوابا مرضيا على الإنذار الذي أرسلته إلى قائد الإسكندرية الحربي أطلب منه فيه أن يسلمني مؤقتا الحصون القائمة على ساحل الميناء الجنوبي (حصون المنطقة الثالثة، من حصن صالح إلى حصن العجمي) وحصون رأس التين - إذا لم أتلق جوابا مرضيا - يغير الأسطول بقيادتي على الحصون عقب ما تنتهي الأربع والعشرون ساعة، وهي مدة المهلة التي أمهلت بها المحايدين ليبارحوا في خلالها المدينة. وهذه المدة تنقضي في الساعة الخامسة صباحا من يوم 11 يوليه.
وسيكون الهجوم من ناحيتين:
الناحية الأولى:
داخل الميناء، وتشترك فيه إنفنسيبل، ومونارك، وبنلوب.
الناحية الثانية:
خارج حاجز الأمواج، وتشترك فيه سوبرب، وتمرير، وألكسندرا، وإنفلكسيبل.
ويبتدئ القتال عند صدور الإشارة مني. وفي هذه الحالة على السفينة الأكثر دنوا من ساتر التراب الذي أقيم أخيرا في طابية الاسبتالية التي بجوار حصن الأطة، أن تصوب قذيفة إلى هذا الساتر.
وعندما تجاوب الحصون الأسطول الخارجي بإطلاق النار يجب على السفن بذل كل مجهودها وتدمير البطاريات القائمة على شبه جزيرة رأس التين خصوصا حصن الفنار المطل على الميناء. ومتى تم ذلك تتجه سلطان، وسوبرب، وألكسندرا إلى الشرق لتهاجم حصن فاروس (قايتباي). وتهاجم حصن السلسلة إذا كانت مهاجمته في الإمكان.
وتتجه إنفلكسيبل في عصر هذا النهار نحو الموقع الذي بقرب البوغاز الصغير والذي عين لها أمس، وتستعد لضرب مدافع خط المكس ومساعدة الأسطول الداخلي عندما تعطى الإشارة بالضرب.
وتأخذ تمرير، وسلطان، وألكسندرا في ضرب حصون رأس التين من الجانب.
وتظل السفن الصغيرة في الخارج بعيدة عن منطقة القتال إلى أن تجد الفرصة المناسبة للهجوم على المكس.
ويجب على السفن أن تراعي في تنفيذ هذه التعليمات كلها دواعي الظروف مراعاة كبيرة؛ بمعنى أنها تراعي الحالة التي يجب عليها أن تقاتل وهي فيها. فإما أن تقاتل وهي راسية في مراسيها أو تقاتل وهي متحركة.
وإذا كانت الحالة تدعو إلى قتالها وهي ملقية مراسيها وجب حينئذ أن يزاد حبل من الفولاذ.
وعلى الجنود أن يتناولوا فطورهم في منتصف الساعة الخامسة صباحا، وأن يرتدوا ملابس العمل الزرقاء.
وسيكون الأسطول الداخلي تحت قيادتي الشخصية، والأسطول الخارجي تحت قيادة الكابتن هنت جرب قائد البارجة سلطان.
وتقوم السفينتان هلكن وكندور بوظيفة سفن الإعادة.
وبالجملة ينحصر الغرض من الهجوم في تخريب الحصون وتدمير البطاريات المنصوبة على واجهة بحر الإسكندرية.
ومن المحتمل أن هذا العمل لا يمكن إتمامه في أقل من يومين أو ثلاثة، فيجب استعمال المقذوفات مع الحرص. وعلى كل حال من المرتقب قدوم الباخرة همبر
Humber
إلى هنا في 12 يوليه وعليها مقدار كبير من الذخيرة.
وإذا وصلت البارجة أتشلز
Achilles
في الوقت اللازم يجب عليها مهاجمة حصن فاروس (قايتباي) والوقوف في الموقف الذي يأمرها قائد الأسطول الخارجي أن تتخذه.
وتقف ألكسندرا على بعد 1500 ياردة تجاه حصن رأس التين.
وتقف سلطان على بعد 1750 ياردة تجاه منتصف المسافة بين حصني الفنار ورأس التين.
وتقف سوبرب على بعد 1950 ياردة تجاه حصن الفنار.
وتقف إنفلكسيبل على بعد 3700 ياردة في الشمال الغربي من المكس.
وتقف تمرير على بعد 3500 ياردة في الشمال الغربي من المكس.
وتقف بنلوب ، وإنفنسيبل، ومونارك على بعد يتراوح بين 1000 و1300 ياردة في الشمال الغربي من المكس.
الإمضاء
بوشامب سيمور
أميرال وقومندان القيادة
ويؤخذ من ترتيب هذه البوارج عدا البارجتين إنفلكسيبل وتمرير ووضعها في هذه المواقف أن الأميرال أراد أن تكون المسافة التي يرمي منها هذا الأسطول مقذوفاته وخصوصا الأسطول الداخلي، قصيرة قريبة من الحصون على الرغم من بعد مرمى مدافع سفنه الضخمة. ومن هذا نستنتج عدة نتائج: (1)
أن المخاوف التي كان يخشى منها الأميرال على أسطوله من جراء وضع مدافع في الحصون قبل الضرب، كانت مخاوف مختلفة أراد بها تبرير عمله. (2)
أن هذا الأميرال لم يكن يخشى ضررا كبيرا من المدفعية المصرية التي في هذه الطوابي؛ ولذلك دنا منها هذا الدنو الكبير الذي لم يجرئه عليه إلا اعتقاده الجازم بقصر مرمى هذه المدفعية وضعف تأثير مقذوفاتها. (3)
أنه كان على علم تام بأن هذه الحصون كلها - عدا قلعة قايتباي - كانت مدافعها منصوبة في العراء وبلا وقاية تقي جنودها، والدليل على ذلك أنه أمر باستعمال مدافعه الصغيرة خصوصا المنصوبة منها في الطبقات العليا من سفن هذا الأسطول؛ وذلك لكي يفتك بجنود هذه المدافع فيسكتها بقتل جنودها وبدون أن يحتاج في إسكاتها إلى ضربها وإتلافها، وهذا ما حدث فعلا في كل هذه الحصون عدا قلعة قايتباي. (7) البدء بالضرب
في صباح يوم 11 يوليه سنة 1882 في الساعة السابعة صباحا أعطى الأميرال سيمور إشارة الضرب غير مبال أية مبالاة بحقوق الشعب، الأمر الذي يكسو الحكومة التي وافقت على سفك دماء الأبرياء ثياب العار، ويسجل في تاريخها صحائف سوداء لا يمحوها مرور الأزمان ولا كرور الأعوام.
وقد كان الجو وقت الضرب صحوا والبحر رهوا، إلا أن النسيم الذي يهب في هذا الفصل على الإسكندرية من الشمال الغربي كان يطرد دخان مدافع الأسطول إلى الشاطئ. فينشر الظلام على الحصون ويحول في فترات واسعة دون رؤية الأهداف التي يجب أن تسدد إليها السفن مقذوفاتها. ولو لم تظهر أمام الأسطول هذه العقبة لكان موقفه من أحسن المواقف.
وعملا بأوامر الأميرال أرسلت ألكسندرا التي كانت أقرب السفن من حصن الاسبتالية، أول قذيفة إلى هذا الحصن، واقتدت بها بقية السفن فأطلقت مدافعها، ولكن بعض الحصون لم تجاوبها إلا بعد الطلقة العاشرة والبعض الآخر بعد الخامسة عشرة. ثم عمت المعركة الجانبين. (8) حركات الأسطول الخارجي
سارت سفن هذا الأسطول في بدء المعركة على الخطة الحربية التي رسمت لها فصوبت مقذوفاتها أولا على حصون الفنار، ورأس التين، والاسبتالية. ولم تعر مؤقتا التفاتها إلى الحصون الأخرى. وقاتلت ثلاث منهن متنقلة وهي سلطان، وسوبرب، وألكسندرا. أما البارجة إنفنسيبل فكانت ملقية مراسيها في الممر الصغير لتعاون الأسطول الداخلي، مصوبة مدفعين من مدافعها منصوبين في برجها الأمامي وزن الواحد 80 طنا لضرب الحصون السالف ذكرها، ومدفعين في برجها الخلفي لضرب حصن المكس.
وأما البارجة تمرير خامسة بوارج هذا الأسطول فقد نشبت في مكانها (شحطت) أثناء المناورة التي كانت تقوم بها لتتخذ الوضع الذي رسم لها خارج البوغاز، ولكنها واصلت الضرب وهي في المكان الذي نشبت فيه، وجاءت السفينة كندور لإنقاذها فعومتها بدون أن ينالها أي ضرر.
وقد كانت هذه البوارج الثلاث تقاتل وتكافح من بدء القتال في الساعة السابعة إلى منتصف الساعة الحادية عشرة وهي متنقلة وعلى بعد 1500 ياردة حسب تعليمات الأميرال، وقاومتها الحصون مقاومة فاقت ما كان يظنه الإنكليز، وأبدى جنود مدفعيتها في إطلاق هذه المدافع مهارة لم يكونوا يتوقعونها منهم، فألقت هذه البوارج مراسيها عند منتصف الساعة الحادية عشرة؛ لأنها رأت ضربها غير محكم وهي متنقلة. وبذلك حصلت على المسافة المضبوطة التي تفصلها من الحصون، وأخذ ضربها لها ابتداء من هذا الوقت يزداد أثره.
وبانضمام البارجتين إنفلكسيبل وتمرير إلى هذه البوارج الثلاث أمكنها إسكات حصون رأس التين والفنار والاسبتالية في منتصف الساعة الواحدة بعد الظهر. غير أن مدفعا واحدا من مدافع حصن الاسبتالية لم يسكت ولم ينقطع عن الضرب إلا في الساعة الخامسة مساء. وقد أصابت قنابل هذه البوارج سراي الحريم بقصر رأس التين فالتهمتها النيران في الساعة العاشرة مساء.
قال القومندان جودريتش إن جنود المدفعية المصرية جاوبوا نيران الأسطول الإنكليزي الجهنمية مجاوبة مدهشة لم تكن منتظرة بتاتا، وأظهروا بسالة عجيبة رغم التفاوت الجسيم الذي بينهم وبين الإنكليز من ناحيتي عدد المدافع وعيارها.
ولقد كانت البارجة إنفلكسيبل عندما تطلق مقذوفاتها التي تزن القذيفة منها 1700 رطل على حصن الفنار وتصطدم بساتره تثير النقع والغبار والشظايا إلى ارتفاع الفنار نفسه. ويتخيل المرء عندما يرى ذلك أن ليس في استطاعة أحد من البشر أن يعيش تحت هذه النيران ولكن عندما ينقشع العثير بعد بضع دقائق يرى جنود المدفعية المصرية في مواقفهم يطلقون القنابل على خصمهم الرهيب. ا.ه.
وعقب منتصف الساعة الواحدة بعد الظهر عندما أسكتت مدافع المدرعات الثلاث سلطان، وسوبرب، وألكسندرا مدافع الحصون الثلاثة المذكورة، اتجهت نحو حصن الأطة، ويظهر أنها كانت تعتقد أن قوتها لا تكفي للتغلب عليه؛ ولذلك طلبت من المدرعتين إنفلكسيبل وتمرير أن تأتيا لمشاركتها في ضربه، فصوبت هذه المدرعات الخمس نيرانها دفعة واحدة إلى هذا الحصن المنكود الذي دافع عن نفسه دفاعا عجيبا أمام غارة البوارج الخمس التي هي أقوى سفن الأسطول الإنجليزي. وسلك قائد هذا الحصن - الذي لم أوفق لسوء الحظ إلى معرفة اسمه - في قيادته سلوكا باهرا غاية في البسالة والإقدام. وقد شهد له بذلك شاهد العيان الكابتن وولتر جودسول
Walter Goodsall
قومندان الباخرة تشلترن
Chiltern
إحدى سفن شركة التلغراف الشرقية، الإسترن تلجراف
Eastern Télégraphe Cie
الذي كان حاضرا هذه الواقعة في ذلك اليوم. وهذا ما قاله:
لقد عجبت من هذه البطولة التي لا يمكنني أن أدرك كنه كيفيتها، والتي كانت تتحلى بها الجنود الذين يطلقون مدافع حصن الأطة، كما عجبت أشد العجب من الموقف الذي وقفه قائد هذا الحصن قرب سارية علمه وهو بمفرده والمنظار في يده ينظر منه الأثر الذي أحدثته المقذوفات التي كانت تنطلق.
لقد كان حقا رجلا شجاعا مزدريا عدد المقذوفات التي كانت تلقى على حصنه، ذلك الحصن الذي كان يجاوب هذه المقذوفات بإطلاق مقذوفاته كلما مرت عشر دقائق. ثم رفعت البارجة إنفلكسيبل مرساتها وشرعت تصوب قنابل مدافعها الضخمة إلى هذا الحصن، ويظهر أنها دكت أسسه ودمرته تدميرا. وفي منتصف الساعة الثانية بعد الظهر سددت قنبلة إلى مستودع باروده، ولا بد أنها أصابته ودخلت فيه؛ لأنه انفجر في منتصف الساعة الثالثة ونصف، ولا بد أيضا أنه قتل جنود كثيرون في هذا الحصن؛ لأن عددا كبيرا منهم طار في الفضاء، والضابط الذي كان واقفا فيه وقفة الأسد في عرينه طار في الهواء هو وسارية علمه. ا.ه.
هذه كانت خاتمة ذلك البطل الصنديد وجنوده البواسل، وبعد هذا الانفجار أخلت الحامية حصن الأطة ورحلت عنه.
وقد اتجهت المدرعات الخمس على أثر تدميرها حصن الأطة نحو قلعة فاروس (قايتباي)، وظلت تصليه بنيرانها إلى الساعة الخامسة مساء؛ أي الوقت الذي أعطى فيه الأميرال الإشارة بإيقاف الضرب.
وقد أصيبت هذه القلعة بأتلاف جسيمة، ولكنها مع ذلك لم تسكت عن إطلاق مدافعها سكوتا تاما، واستمرت ترمي مقذوفاتها إلى أن صدر الأمر بالكف عن إطلاق النيران. (9) حركات الأسطول الداخلي
كانت المدرعات الثلاث التي يتألف منها هذا الأسطول وهي إنفنسيبل، وبنلوب، ومونارك بقيادة الأميرال سيمور مباشرة. وكان علم هذا الأميرال معقودا على أولاها، وكان موقفها حسب تعليمات القتال شمال غربي المكس. وقد ألقت هي والثانية مراسيهما على بعد يتراوح بين 1000 و1200 ياردة، بينما الثالثة كانت تنتقل في منطقة على بعد هذه المسافة عينها. وكانت مهمة هذه البوارج الثلاث مقاتلة حصون أم قبيبة، والمكس، والدخيلة ويعاونها في ذلك البارجة إنفلكسيبل التي كانت ملقية مراسيها خارج الممر الصغير وتقذف النيران منذ ضحوة النهار من مدفعيها المنصوبين في برج مؤخرتها واللذين يزن كل منهما 80 طنا، وكذلك كانت تعاونها البارجة تمرير التي كانت ناشبة (شاحطة) خارج ممر البوغاز. وكانت كلتا هاتين السفينتين تقاتل الحصون على مسافة قدرها 3500 ياردة تقريبا. وقد أصيب في الساعة التاسعة صباحا مستودع البارود الذي كان خلف حصن الدخيلة بقذيفة من قذائف السفينة مونارك فتطاير في الفضاء.
وعلى أثر ذلك أشار الأميرال إلى هذه السفينة بالاقتراب من الشاطئ بقدر ما يسمح لها غاطسها؛ لتسحق جنود المدفعية أو تطردهم من حول مدافعهم، فأطاعت.
وفي منتصف الساعة الثانية عشرة كفت هذه الحصون عن الضرب، فكفت السفن أيضا عن إرسال مقذوفاتها. ولكن قبيل الظهر أبصرت السفينة مونارك جنودا انسلوا إلى مدافع الحصون فأمرها الأميرال هي وبنلوب أن ترسلا عليهم مقذوفاتهما فأطاعتا، وانتهى الأمر بطرد هؤلاء الجنود من مواقفهم.
قال الماجور تلك
Tulloch
أحد رجال قلم المخابرات، وكان على ظهر السفينة إنفنسيبل أمام حصن المكس، في كتابه (ذكريات أربعين عاما في الخدمة ص277)
Recollection of Forty Years Serivce . عن جنود مدفعية حصن المكس ما نصه:
لقد كان حقا من العجب العجاب أن أرى هؤلاء الجنود رغم شدة الضرب واقفين في أماكنهم ملازمين لمدافعهم. وقد رأيت أكثر من مرة قذيفة من قذائفنا تدخل في إحدى كوات مدافعهم، فقلت في نفسي لقد قضي على هذا المدفع وأمسى في حيز العدم، ولكن لم ألبث بعد ذلك قلت: كلا ثم كلا! فقد كان الجواب من هذا المدفع يعود في الوقت اللازم، وقد أتى مرة من المرات بسرعة فائقة جدا حتى لم أتمالك نفسي ووثبت إلى حافة السفينة ورفعت يدي صائحا: لقد أجدت العمل أيها الجندي المصري! ا.ه.
ثم رأت السفينة كندور أن حصن المرابط يطلق مدافعه على السفن الكبيرة ببعض الإحكام، فاقتربت منه وهاجمته لتحول دون ضربه لها. ولما شاهد الأميرال فعل هذا الحصن أمر السفن الأربع الصغيرة أن تعاون كندور في هذا العمل، ففعلت وأسكتت الحصن.
وفي الساعة الثانية بعد الظهر رأى الأميرال هذه الحصون قد أخلتها الجنود، فأرسل إلى البر عشرين جنديا ليسمروا أو ينسفوا مدافع حصن المكس بالديناميت، ففعلوا ورجعوا دون أن يصابوا بأذى. وهذا يدل دلالة واضحة على أن الجنود البيادة الذين كانوا في حراسة هذه المنطقة لم يقوموا بالواجب الملقى على عاتقهم وأهملوه إهمالا يستحقون عليه المؤاخذة.
وفي منتصف الساعة الرابعة (الساعة 3,5) أخبرت المدرعة بنلوب الأميرال بأن مدافع حصن القمرية تتأهب مرة ثانية للضرب، وأخبرته أيضا المدرعة مونارك بعودة الجنود إلى حصن المكس.
فأمرهما بأن تسددا مقذوفاتهما إلى هذين الحصنين، فصدعتا بالأمر وأخذتا تضربهما حتى منتصف الساعة السادسة مساء؛ حيث أمر الأميرال بالكف عن الضرب في هذا الوقت. وهكذا انقضى ذلك اليوم المشئوم.
وقد بلغت خسائر الإنكليز في هذا اليوم 6 من القتلى و27 من الجرحى (وسيأتي في تقرير الأميرال أن القتلى 5 والجرحى 28، فلعل أحد الجرحى أدركته الوفاة)، أما قتلى المصريين وجرحاهم فيتعذر علينا معرفة عددهم بالضبط. وقد قدرهم أستون باشا رئيس أركان الحرب العام بالجيش المصري بنحو 700 جندي.
والذخيرة التي استهلكها هذا الأسطول كان مقدارها جسيما حتى إن المدرعات الكبيرة كانت في آخر النهار قد استنفدت ذخيرتها، ولولا وصول النقالة همبر
Humber
في غد ذلك اليوم مشحونة بالذخيرة لتعذر على معظم سفن الأسطول الاستمرار في الضرب.
وهاك ما استهلكه الأسطول من أنواع الذخائر:
2198
من قذائف المدافع الكبيرة
7100
من مظاريف مدافع السربند (متريلوز جاتلنج)
16233
من مظاريف مدافع نوردنفلت
10160
من مظاريف بنادق مارتيني هنري
37
من الصواريخ (السواريخ)
131856رطلا
من البارود
أما مقدار ما نفد من ذخيرة المصريين فقد تعذرت معرفته أيضا.
ونورد هنا بعض الأخبار التي كانت تذيعها جريدة الطائف لصاحبها عبد الله النديم عن ضرب الإسكندرية على سبيل المثال للأخبار التي كانت تنشر على المصريين عن هذه الحرب، وهي:
يوم الثلاثاء 24 شعبان سنة 1299ه / 11 يوليه سنة 1882م في الساعة 12 عربية (الساعة 7 إفرنجية) صباحا أطلق الإنكليز النار على حصون الإسكندرية، فرددنا عليهم.
وفي الساعة 2 عربية (الساعة 9 إفرنجية صباحا) غرقت مدرعة أمام حصن الأطة.
وفي الساعة 6 عربية (الظهر) غرقت سفينتان بين قلعة قايتباي وحصن العجمي.
وفي الساعة 7,5 عربية (الساعة 2,5 إفرنجية مساء) غرقت سفينة حربية من الخشب عليها ثمانية مدافع.
وفي الساعة 10 عربية (الساعة 5 إفرنجية مساء) أصيبت المدرعة الكبيرة بقذيفة من قلعة قايتباي أتلفت بطارياتها، فرفعت العلم الأبيض إشارة إلى الكف عن إطلاق المدافع عليها. فامتنع الضرب من الجانبين بعد أن استمر عشر ساعات متوالية. وتخربت بعض جدران الحصون ولكنها أصلحت ليلا. والطلقات والقنابل التي أطلقت من الجانبين بلغت نحو ستة آلاف، وهذه أول مرة أطلق فيها عدد كبير من المقذوفات مثل هذا في وقت قصير كهذا.
وما من جندي في العالم كان يستطيع أن يقف بثبات في مركزه رابط الجأش أمام نار محتدمة كما وقف المصريون أمام نيران 28 سفينة حربية مدة عشر ساعات.
هذه أمثلة من الأخبار التي كانت تذيعها هذه الجريدة. وهي كلها مفتراة - ويا للأسف - وليس فيها مثقال ذرة من الصحة، اللهم إلا الفقرة الأخيرة. (10) التلف الذي حل بالحصون (1)
حصن السلسلة: قذف هذا الحصن المدرعة تمرير ببضع قذاف محكمة بينما كانت تهاجم قلعة قايتباي، ولم تجاوبه المدرعة المذكورة، فبقي الحصن سليما بعد انتهاء القتال ولم يمس بسوء. (2)
قلعة قايتباي: أصيبت واجهتها الشمالية الغربية إصابات شديدة من مقذوفات الأسطول، وتخربت حيطان ملاذها (كهفها) في عدة مواضع، ودخلت بعض قذائف الأسطول من كواتها المعدة لإطلاق المدافع، وانفجرت في داخل هذه القلعة فأوقعت أربعة من مدافعها، وأتلفت ثلاثة مدافع أخرى بالأنقاض التي سدت كوات هذه المدافع، ووقفت حركة مدفع عيار 10 بوصات من مدافع بطارية الطبقة العليا من هذه القلعة بسبب انهيار أنقاض القصر العتيق الذي كان هذا المدفع مستندا إليه، وقلبت إحدى قنابل الأسطول مدفعا آخر عيار 25 سنتيمترا من مدافع الطراز القديم.
أما الواجهة الغربية من هذه القلعة فقد دمرت عن آخرها وفتحت فيها ثغرة كبيرة كشفت المدافع وجعلتها في العراء، فأصيب اثنان من هذه المدافع وأصبحا لا يصلحان للعمل.
ولم تشترك مدافع الوجهتين الشرقية والجنوبية في القتال، ولكن رغم ذلك سقط مدفعان من مدافع الواجهة الجنوبية بضربة جنبية. (3)
حصن الأطة: لم تشترك واجهته الشمالية الشرقية في القتال ولم تصب بضرر.
وقد أصيب أحد المتاريس المشرفة على واجهته الشمالية الغربية بنحو عشرين قذيفة، منها اثنتا عشرة دخلت دخولا عميقا ولكنها لم تنفجر، والأخريات انفجرت انفجارا هائلا فأحدثت تلفا كبيرا، وأصيب فيه مدفع من طراز أرمسترونج عيار 10 بوصات بقذيفة فانقلب، وأصيب متراس آخر بقذيفتين أصابت إحداهما مدفعا من المدافع القديمة عيار 25 سنتيمترا، واقتلعت قنبلة مدفعا من بطاريته الوسطى، وبطلت حركة مدفع آخر بسبب انهيار أنقاض منحدره العلوي القائم عليه الساتر على أثر إصابته بقنبلة.
وأصيبت الواجهة الجنوبية منه بقذيفة مرت فوقه ففتحت ثغرة واسعة.
أما مستودع باروده الذي انفجر - وكان انفجاره سببا في إخلاء هذا الحصن - فقد كان مقاما في موقع غير صالح ولم يكن تقيه أية وقاية. (4)
حصن الاسبتالية: أصيب هذا الحصن إصابات كثيرة فتخرب بناؤه في نواح عديدة، وخصوصا الناحية الشمالية، ولكنه مع ذلك بقي يطلق مدافعه التي شوهد على أحدهما بعد انقضاء المعركة أكثر من تسعة وأربعين أثرا من آثار قذيفات الشرانبل (وهي نوع من القذائف محشو بالرصاص). وكان بعض هذه الآثار - بل كثير منها - يزيد عمقه عن سنتيمتر. (5)
حصن رأس التين: أصيبت بطاريته الوسطى بقذائف كثيرة كان بينها سبع قذائف دخلت من كواته، وأصيب مدفع من مدافعه من طراز أرمسترونج عيار 10 بوصات بقذيفة حطمت محور عجلته فأمسى غير صالح للاستعمال، وأصيب مدفع آخر من طراز أرمسترونج عيار 9 بوصات في قاعدته وصار أيضا غير صالح للاستعمال لانهيار أنقاض كوته.
وأصيبت بطاريات برجه بست قذائف دخلت من كواته وأصابت إحداها مدفعا من طراز أرمسترونج، غير أنه بقي مع هذه الإصابة يوالي الضرب، وأصيب مدفع آخر من طراز أرمسترونج أيضا بقذيفة انفجرت في وسط عجلته فصيرته غير صالح للاستعمال، وتفكك مدفعان من البطاريات الوسطى أحدهما حدث تفككه من رجوعه إلى الخلف، والآخر على إثر إصابته بقذيفة. (6)
حصن الفنار: أصيبت الواجهة الغربية منه بعطب شديد من نيران الأسطول الخارجي؛ فقد انصدمت هذه الواجهة بقذيفتين أحدثتا فيه ثغرة عرضها 4,50 من الأمتار وعمقها 1,50 من الأمتار، وحفرت أربع قذائف ثقوبا قطر استدارتها نحو 2,50 من الأمتار، وصدمت أربع قذائف أخرى الكوات (المزاغل)، وأصابت قذيفة أطلقت في اتجاه منخفض قمة الساتر فأطارتها على طول 3,60 من الأمتار، وأحدثت أربع عشرة قذيفة أضرارا غير خطيرة، وانقلع مدفع على أثر تراجعه ، وأصيب مدفعان من القذائف بعطب شديد وأمسيا غير صالحين للاستعمال؛ فقد انفجرت قنبلة تحت أحدهما فقلبته، وحطمت أخرى أوتاد المدفع الثاني وقلبته أيضا، وكف مدفع آخر عن الضرب على أثر تخريب كوته، وأصيب مدفع من طراز أرمسترونج بضربة عكسية صيرته غير صالح للاستعمال. (7)
حصن صالح أغا: هاجمت هذا الحصن الواقع في الداخل المدرعتان مونارك وبنلوب فترة يسيرة في آخر النهار، وأصيبت ستائره بأضرار طفيفة، وتفكك مدفع قديم من مدافعه. (8)
حصن أم قبيبة: قامت بمهاجمته المدرعة إنفلكسيبل وهي على بعد 3500 متر منه، وقد عادت عليها مهاجمتها له بالفائدة؛ إذ أصابته بثلاث عشرة قذيفة ألحقت به أضرارا جسيمة، صدمت اثنتان منها منحدر جدار الخندق الخارجي فألقت فيه كتلة من الأنقاض تمكن الإنسان من النزول فيه بسهولة، وصدمت اثنتان أخريان جدران الخندق من ناحية الحصن، وفتحت كلتاهما ثقبا يمكن الدخول منه. واثنتان حفرتا عند انفجارهما الذي كان على عمق كبير في أرض الساتر ثقوبا قطرها 5 أمتار وعمقها 1,50 من الأمتار، وصدمت اثنتان الساتر بالقرب من الكوات من جانب السطح، وصيرت إحداهما أحد المدافع غير صالح للاستعمال، وألحقت الخمس القذائف الأخرى بالحصن خسائر أقل جسامة، كان من بينها أيضا حفرتان يتراوح قطر الواحدة منهما بين 2 و3 أمتار وعمقها 1,50 من الأمتار، كما أن الأجسام والأتربة التي نثرتها القذائف غطت المدافع وقصمت قنبلته مدفعا عيار 16 سنتيمترا نصفين، ومدفع آخر سقط عند تراجعه.
ووجد في فناء هذا الحصن عدد كبير من المقذوفات لم ينفجر. (9)
حصن المكس: تفكك مدفع من مدافعه المنصوبة حول برجه على أثر إصابته بقذيفة، وسقط مدفع آخر عند تقهقره، وأصيبت بطاريته الوسطى المؤلفة من مدفعين ضخمين من طراز أرمسترونج بنحو اثنتي عشرة قذيفة، وأهم الخسائر التي أحدثتها هذه القذائف ثلاث حفائر قطر كل منها نحو 3 أمتار، وأصيبت بطاريتاه الأخريان ببعض المقذوفات، أما مبانيه القائمة في الخلف فهي التي لحقها التلف أكثر من غيرها من جراء ضرب السفن.
وكان داخل هذا الحصن بعد المعمعة مفعما بالأحجار، وإنه ليتعذر على المرء أن يدرك لم لم يسقط مدفع ما من مدافعه في غضون المعركة رغم قصر المسافة التي كانت بينه وبين البوارج الحربية، ورغم نيرانها الفتاكة التي أصلته بها، غير أن المدرعة بنلوب أسقطت بعد ذلك مدفعا واحدا فقط لم تتمكن من إصابته إلا في الطلقة الثالثة عشرة.
وأصيبت مدافعه الأخرى بشظايا المقذوفات فلم تلحق بها إلا أضرارا تافهة، وبعد جلاء جنوده عنه نزلت شرذمة من الجنود الإنكليز إلى البر ومعها أدوات النسف (طربيد)، ونسفت مدفعيه الضخمين وسمرت مدافعه الأخرى. (10)
قلعة المكس: أطلقت على حيطانه مقذوفات كثيرة العدد، وقد تركت بها آثارا وانفجرت إحداها بالقرب من مؤخرة مدفع أرمسترونج وأصابت جنود المدفعية، ولكن لم يحدث ضرر كبير للمدافع ولا للتحصينات. (11)
حصن الدخيلة: لم ينله ضرر ما غير أن مدفعين من مدافعه انقلبا عند تقهقرهما، ومستودع البارود الذي كان خلفه أصيب بقذيفة ونسف كما ذكرنا ذلك آنفا. (12)
حصن المرابط: كانت مهمة ركنه الذي في الشمال الشرقي أن يقاوم السفينة كندور وسفن المدفعية، وقد أصيب منحدره بنحو عشرين قذيفة تركت فيه آثارها، غير أن الأضرار التي حدثت كانت طفيفة، وأصاب واجهته الشمالية الشرقية بعض مقذوفات من السفن التي كانت في الخليج الداخلي كانت أكثرها من مقذوفات المدرعة مونارك، ولكن المدافع التي بهذه الواجهة لم ينلها ضرر، واشتعلت النار في بناية صغيرة بالقرب من مستودع كبير يجاوز ارتفاعه ساتر هذا الحصن به مقدار كبير من الذخيرة، ولكن النار لم تمتد إليه، ووجد بفناء هذا الحصن عدد كبير من المقذوفات لم ينفجر. (13)
حصن العجمي: هذا الحصن لم يشترك في القتال. (11) خسائر الأسطول (1)
المدرعة سلطان:
أصيبت بثلاث وعشرين قذيفة، وكانت إصابات مدخنتها وسارياتها شديدة، وأصابت بعض هذه القذائف زرخها (درعها) في موضعين، وقد أحدثت واحدة منها في أسفل قنطرة بطاريتها شرخا يبلغ 45 سنتيمترا، واخترقت قذيفتان أو ثلاث جدرانها غير المدرعة، وكان عدد قتلاها اثنين وجرحاها ثلاثة. (2)
المدرعة سوبرب:
فاقت خسائر هذه المدرعة خسائر أخواتها؛ فقد أصيبت في جدرانها بعشر إصابات، واخترقت قذيفتان درعها، وفي أحد مواضع إصابتها انتزعت القذيفة عند انفجارها جزءا من درعها، وكذلك أصيبت مدخنتها. (3)
المدرعة إنفنسيبل:
أصيبت بثلاث عشرة قذيفة في جدرانها وآلاتها، واخترقت ست منهن الجزء غير المدرع منها. (4)
المدرعة ألكسندرا:
أصيبت بثلاثين إصابة في جدرانها وآلاتها، وبأربع وعشرين إصابة اخترقت جدرانها في أجزائها غير المدرعة فأحدثت بها أضرارا بالغة في القنطرة الداخلية وفي غرفها وغيرها، وأصابتها أيضا قذائف وقنابل كثيرة في الجزء المدرع منها، ولكنها على كثرتها لم تحدث فيه ضررا يذكر، وتلف مدفعان من مدافعها دون أن يصابا من جراء كثرة استعمالهما في الضرب، أحدهما عيار 10 بوصات أو 25 سنتيمترا ووزن 12 طنا والآخر عيار 11 بوصة أو 27,5 سنتيمترا، ووزن 25 طنا، أما خسائر جنودها فقتيل وجريحان. (5)
المدرعة بنلوب:
سقط أحد مدافعها وجرح من جنودها اثنان. (6)
المدرعة إنفلكسيبل:
أصيبت بقنبلة في جزئها الغاطس (تحت خط الماء) من مدفع من طراز أرمسترونج عيار 10 بوصات، وهو أكبر عيار في مدافع الحصون المصرية، وكادت هذه الإصابة تغرقها لولا إسعافها، وقد ذهبت بعد المعركة إلى مالطة لإصلاحها، ولم تذكر إصابتها هذه في التقارير الرسمية التي قدمت للحكومة الإنكليزية، بل عمل منها تقرير سري للأميرالية لم يذع، وكانت خسائر جنودها قتيلا واحدا وجريحين. (12) تقارير الأميرال سيمور عن ضرب الحصون
وقد رفع الأميرال سيمور ثلاثة تقارير عن ضرب حصون الإسكندرية في 14 و19 و20 يوليه سنة 1882. وها هي:
1
من ظهر البارجة إنفنسيبل في 14 يوليه سنة 1882
إلى سكرتير الأميرالية
سيدي
لي الشرف بأن ألتمس منكم أن تتفضلوا وتخبروا اللوردات مندوبي الأميرالية، أنني لم أتمكن في هذا الوقت مع الأسف من إرسال تقرير مفصل عن الهجوم على حصون الإسكندرية بسبب انشغالي بهذه المهمة الشاقة.
إنه بسبب إخفاقي في طلب الترضية عن المسائل التي كنت كلفت بطلبها من حكومة مصر، هاجمت في 11 الجاري البطاريات المصرية على واجهة الإسكندرية الشمالية والاستحكامات المقامة في الشمال الغربي، ونجحت في إسكات الحصون في منتصف الساعة السادسة مساء، وهو الوقت الذي أعطيت فيه الإشارة بالكف عن الضرب.
وفي صباح يوم 12 ثاني يوم الضرب أمرت تمرير وإنفلكسيبل بأن تهاجما حصن فاروس، وبعد إطلاق مدفعين أو ثلاثة رفع علم الهدنة على حصن رأس التين، فأرسلت عندئذ ضابط أركان الحرب الأونورابل هدورث لامبتن
Hedworth Lambton
وكلفته باستجلاء السبب، ويؤخذ من تقريره أن كل ما في الأمر خديعة تافهة عملت لاكتساب الوقت بلا مراء. وبما أن المفاوضات قد فشلت؛ لأن طلبي هو تسليم البطاريات الحاكمة على ممر البوغاز، أطلق مدفع على سطح بطاريات ثكنات (قشلاقات) المكس، وعندئذ رفع علم الهدنة مرة أخرى، فأرسلت ضابط أركان الحرب المذكور ومعه القومندان مورسن
Morrison
إلى الميناء على ظهر السفينة هلكن، ولما ذهب إلى يخت الخديو (المحروسة) وجد أن طائفة هذا اليخت قد رحلت، وعند إيابه بعد دخول الليل أعلن أنه يعتقد أن المدينة أخليت من السكان.
وأمس صباحا توغلت في الميناء على ظهر البارجة إنفنسيبل ومعي المدرعتان بنلوب ومونارك وأنزلت إلى البر فرقة لتضع يدها على رأس التين.
وأراني متأسفا لاضطراري أن أخبركم أن مدينة الإسكندرية أصيبت بأضرار بالغة من الحريق والنهب.
وفي الساعة الرابعة و45 دقيقة بعد الظهر وصل سمو الخديو إلى سراي رأس التين، وخصصت لحمايته ولاحتلال شبه الجزيرة سبعمائة بحار.
وفي العشية نزلت فرقة من البحارة إلى البر ومعها مدفع من طراز جاتلنج
Gatling
فطهرت بعض الشوارع من العرب الذين كانوا يحرقون بيوتها وينهبونها.
ويجب علي أن أعرب عن إعجابي الزائد بالسلوك الذي سلكه الضباط ورجال الأسطول عند تأدية مختلف مهامهم، وأن أثني عليهم الثناء الجم، وأخص منهم بالذكر الكابتن ولتر هنت جرب ربان المدرعة سلطان، وهو أقدم الضباط وقائد الأسطول الخارجي.
ولقد قاتل المصريون قتال الأبطال بأقدام ثابتة، وكانوا يجاوبون النيران الشديدة التي تصبها على حصونهم مدافعنا الضخمة إلى أن قتل عدد كبير منهم.
وسأرسل عما قريب على قدر الإمكان تقريرا مفصلا وأصحبه بصور المراسلات.
وتجدون صحبة هذا بيانا بعدد القتلى والجرحى.
ولي ... إلخ.
بوشامب سيمور
أميرال ورئيس القواد
جدول : قائمة القتلى والجرحى في هذا القتال.
عدد القتلى
عدد الجرحى -
5
28
إنفلكسيبل
1
2
ألكسندرا
1
3
سوبرب
1
1
سلطان
2
8
إنفنسيبل -
6
بنلوب -
8
2
من ظهر السفينة هلكن في 19 يوليه سنة 1882
إلى سكرتير الأميرالية
سيدي
لي الشرف أن أبعث لكم بالتفصيلات الآتية؛ ليحيط اللوردات مندوبو الأميرالية بها علما.
إنه عندما ورد لي تعريف (صورته طيه) من اللفتنانت سمث دورين
Smith-Dorrien
مضمونه أن مدفعين سينصبان عما قريب في حصن السلسلة، أرسلت بلاغا إلى قائد الإسكندرية الحربي أعلنته فيه بأني سأضرب الحصون عند شروق شمس يوم 11 إن لم تسلم لي قبل هذا الوقت البطاريات المقامة على برزخ رأس التين وساحل الإسكندرية الجنوبي لأعطلها، وبهذه الوسيلة أكون قد نفذت تعليمات اللوردات التي وردت إلي في 10 الجاري.
وفي الصباح الباكر من يوم 11 شوهدت السفينة هلكن متجهة نحو المدرعة إنفنسيبل التي كانت راسية في ممر البوغاز ويخفق عليها علمي. وفي منتصف الساعة السابعة صباحا أخبرت هلكن بالإشارات أن على ظهرها ضباطا من المصريين يرغبون الاتصال بي. وقد قدم هؤلاء الضباط إلى بارجتي وهم ياور درويش باشا واثنان من المصريين وسلموني خطابا من سعادة راغب باشا رئيس مجلس النظار وناظر الخارجية (صورته طيه) يقول فيه إنه مستعد لإنزال ثلاثة مدافع، فأخبرتهم أنه من المستحيل قبول مثل هذا الاقتراح، وأرسلت إلى سعادته الرد بهذا المعنى (صورته طيه).
ولما تيقنت أن الضباط وصلوا إلى البر آمنين أمرت بإطلاق النار على الحصون، فأتى الرد حالا بشدة من خطوط المكس، ومن البطاريات المنصوبة على الطوابي التي وراء الشعوب التي بجانبي البوغاز، ومن رأس التين، ومن حصني الأطة وفاروس.
وفي الصباح الباكر من يوم 12 بعد أن صوبت طلقتين أو ثلاثا على حصن فاروس رفع عليه علم الهدنة، وعندئذ أرسلت ضابط أركان الحرب الأونورابل هدورث لامبتن إلى الإسكندرية؛ ليستطلع السبب في رفع هذا العلم وزودته بتعليمات (صورتها طيه) فحواها أن يطلب بالنيابة عني تسليم البطاريات المطلة على ممر البوغاز. وتجدون طيه إجابته التي لا تدع شكا في أن الغرض الوحيد من ذلك لم يكن إلا حيلة لاكتساب الوقت. وعلى أثر ذلك نزلت الراية.
وصوبت طلقة أخرى على المرتفعات القائمة عليها بطاريات ثكنات المكس، فارتفع العلم مرة أخرى، فأرسلت اللفتنانت هدورث لامبتن والقومندان مورسن من ضباط السفينة هلكن إلى يخت المحروسة الخاص بسمو الخديو، فلم يعثرا على أحد فيه وأعطيا إشارة بأن المدينة أخليت. ولما رجعت هلكن كان الليل قد أرخى سدوله.
وعندما أشرقت شمس اليوم وأخذ الأسطول يتحرك دخلت الميناء، فتبينت أن النار كانت مشتعلة في مواضع شتى من المدينة، ومن جملتها سراي الحريم في قصر رأس التين وأن الجنود أخلت الحصون.
ووقتما علمت من مصدر يوثق به تمام الوثوق أن جنود عرابي لم تخل المدينة، بل ذهبت للإقامة قرب عمود السواري لتنتظرنا على ما يقال هناك، رأيت أن من واجباتي استعمال الحكمة، فأنزلت فصيلة من المدرعة إنفنسيبل وأخرى من مونارك بقيادة الكابتن فيرفاكس
Fairfax
بقصد تسمير أو نسف المدافع المنصوبة بين القباري وصالح، وهي المدافع التي كانت تصوب طلقاتها على الميناء، وكان هذا العمل مني من الاحتياطات الأولية.
وفي خلال القيام بهذه الاحتياطات أرسلت سفن المدفعية إلى المدرعات الراسية خارج الشعوب المجاورة لجانبي البوغاز لتستحضر منها عساكر البحرية، فاحتلت سراي رأس التين نفسها وسمرت عددا كبيرا من المدافع التي كانت تسدد طلقاتها على سفننا. وقبيل هذا الوقت زارني أحمد توفيق أفندي ياور سعادة درويش باشا وبمعيته أمير الألاي زهران بك ياور سمو الخديو، وكان قادما من سراي الرمل الواقعة على بعد أربعة ميال تقريبا من الإسكندرية ليسألني عما إذا كنت مستعدا لأن آخذ على عاتقي قبول الخديو؛ لأن الحالة تدعو إلى الخوف على سلامته بسبب الألايات الثائرة التي تحيط به، فأظهرت في الحال استعدادي لبذل ما يفيد سموه. وقبيل الساعة الرابعة مساء تشرفت باستقبال سموه عند باب السراي التي لم تصب لحسن الحظ من نار السفن إلا بضرر طفيف في يوم 11.
ولي ... إلخ.
الإمضاء
بوشامب سيمور
أميرال ورئيس القواد
3
من ظهر المدرعة إنفنسيبل بالإسكندرية في 20 يوليه سنة 1882
إلى سكرتير الأميرالية
سيدي
إلحاقا لبياني المفصل والمؤرخ في 19 الجاري أتشرف بأن أرفع إليكم - لإحاطة اللوردات بما سيذكر بعد - تقريرا آخر أكثر تفصيلا من البيان المذكور الذي تيسر لي إرساله عن القتال الذي دارت رحاه بين الأسطول الذي تحت قيادتي والحصون المدافعة عن الإسكندرية.
لقد سبق أن قررت كما يتبين من بيان ترتيب القتال المصحوب بهذا والذي سلمت منه نسخة إلى كل ربان، أن أجعل الهجوم قسمين: قسم تقوم به سلطان، وسوبرب، وألكسندرا على جانب رأس التين الشمالي، وتعاونها في ذلك المدرعة إنفلكسيبل التي كانت راسية في مدخل البوغاز الصغير بإطلاق مدافع برجها الخلفي؛ حتى تستطيع بذلك إسكات بطاريات حصن الفنار من الجنب. والقسم الآخر تقوم به إنفنسيبل، ومونارك، وبنلوب من داخل الشعوب، وتعاونها في ذلك الإنفلكسيبل بإطلاق مدافع برجها الأمامي، وكذلك المدرعة تمرير التي اتخذت مقرها بجوار الشمندورة التي بواسطتها يستدل على مدخل البوغاز.
وانفصلت كل من السفينتين هلكن وكندور؛ لأنهما كانتا من سفن الإعادة. أما السفن بيكن، وبترن، وسينت، ودكوي فقد استخدمت حسب الأوامر التي كانت قد أصدرت إليها للإشارات طول يوم الضرب.
وفي يوم 11 يوليه في الساعة السابعة صباحا أمرت البارجة ألكسندرا بالإشارة من ظهر إنفنسيبل أن ترسل قذيفة إلى الستائر الحديثة التي كان قد تم إصلاحها وسلحت، ويقال لها بطارية الاسبتالية، وأردفت هذا الأمر بإشارة عامة إلى الأسطول أن «هاجموا بطاريات الأعداء.» فتبودل الضرب في الحال بين السفن وهي في المواقف التي رسمت لها وجميع الحصون المشرفة على مدخل ميناء الإسكندرية، واستمر إطلاق النيران بشدة من الجانبين ومن كل صوب وناحية إلى منتصف الساعة الحادية عشرة صباحا. وكانت المدرعات سلطان وسوبرب، وألكسندرا إلى هذه الساعة رافعة مراسيها فألقتها في مياه حصن الفنار. وبقذائفها المحكمة مع معاونة المدرعة إنفلكسيبل لها بعد أن رفعت مرساتها وانضمت إليها في منتصف الساعة الأولى بعد الظهر، نجحت في إسكات معظم مدافع حصون رأس التين، ولكن بعض مدافع حصن الأطة الضخمة بقيت مستمرة في الضرب، إلا أنه كان ضربا غير متواصل. وقبيل منتصف الساعة الثانية قذفت المدرعة سوبرب - وكانت حركاتها من بعد الظهر موفقة جدا - قنبلة على هذا الحصن فنسفت مستودع باروده، فاضطرت بقية حاميته إلى الانسحاب حالا. وعندئذ وجهت هذه المستودعات قوتها إلى حصن فاروس فأسكتته بعد أن انضمت إليها في منتصف الساعة الثالثة المدرعة تمرير، وكان ذلك عندما قذفته المدرعة إنفلكسيبل بقذيفة أوقعت مدفعا من مدافعه الضخمة.
وكانت حركات بطاريات من حصن الاسبتالية من البداية إلى النهاية تساس بطريقة موفقة جدا. ومع أن هذا الحصن أسكت وقتا ما على أثر ضربه بقذيفة من المدرعة إنفلكسيبل فإن جنوده لم يتخلوا عن مدافعهم إلا بعد أن أكرهتهم نيران مدافع هذه المدرعة والأسطول الخارجي على التخلي عنها.
والمدرعة إنفنسيبل التي يخفق عليها علمي بمساعدة المدرعة بنلوب وكانت الاثنتان ملقيتين مراسيهما ، غير أن الأخيرة غيرت مرساها في ظرف من الظروف، والمدرعة مونارك الطليقة داخل منطقة الشعوب، والمدرعتان إنفلكسيبل وتمرير الطليقتان في البوغاز ومدخل البوغاز الصغير، قد نجحت كل هذه المدرعات بعد اشتباكها في قتال دام بضع ساعات في إسكات بطاريات خط المكس وتخريب جزء منها.
ودمر حصن مرسى القناة على أثر انفجار مستودع باروده وبعد قتال مع المدرعة مونارك دام نصف ساعة.
وفي الساعة الثانية بعد الظهر عندما شاهدت أن جنود مدفعية البطارية المنخفضة التي في الجهة الغربية من المكس تركوا مواقفهم، وأنه من المحتمل أن يكون المساعدون انسحبوا إلى القلعة أحضرت السفن والمدفعيات وتحت حماية طلقات مدافعها، أنزلت إلى البر فصيلة مؤلفة من اثني عشر من الجنود المتطوعين بقيادة اللفتنانت برادفورد
Bradford
من ضباط المدرعة إنفنسيبل وبمعيته اللفتنانت رتشارد بور
Richard Poore
من ضباط هذه المدرعة أيضا، واللفتنانت الأونورابل هدورث لامبتن ضابط أركان الحرب، والماجور تلك من الألاي ولش الذي بأركان حرب أميراليتي والأسبران مستر هاردي
Hardy ، وهؤلاء جميعا نزلوا في زوارق سارت بهم في وسط الأمواج وأتلفوا مدفعين من نوع الششخانة عيار 10 بوصات بالديناميت، وسمروا ستة مدافع من الطراز القديم كانت مقامة بالجهة اليمنى من المكس، ثم رجعوا ولم يخسروا إلا زورقا من زوارق السفينة بترن تحطم على الصخور. وهذا العمل يعد ضربا من المخاطرة ولكنه تم بمهارة فائقة.
وعندما أضحى القتال عاما رأى القومندان لورد تشارلس برسفورد
Lord Charles Beresford
من ضباط السفينة كندور القائمة بوظيفة الإعادة، أن مدفعين من مدافع حصن المرابط من نوع الششخانة عيار 10 بوصات يصوبان قذائفهما إلى السفن المحاربة التي أمام حصن المكس، فاقترب بسفينته إلى المسافة التي يتمكن منها مدفعها الذي عياره 7 بوصات ووزنه 90 قنطارا من إصابة المرمى، وحول حالا وجهة ضرب المدفعين المذكورين. فأمرته وقتئذ أن يستمد معونة السفن بيكن، وبترن، وسينت، وكانت سينت اشتبكت قبل الظهر بقليل مع حصون رأس التين.
وأراني سعيدا؛ إذ أخبركم بأن هذه السفن لم تصب بأي ضرر، وذلك بفضل ما أبدته من المهارة في مناوراتها. وقد سوغ لها قصر غاطسها - من حسن الحظ - أن تتخذ لها موقفا أمام أضعف نقط بطاريات الحصون.
وانتهت الحرب بالفوز في منتصف الساعة السادسة مساء، وهو الوقت الذي ألقت فيها السفن مراسيها لقضاء ليلتها.
ولو استعمل كل مدفع من المدافع المنصوبة على خط التحصينات لكانت القوة التي صادمتنا أشد هولا وأكثر رهبة، ولكن بطاريات رأس التين استخدمت قليلا من المدافع من الطراز القديم، وأقل منها من المدافع الفرنسية عيار 36. وهذه المدافع مشتراة من عهد محمد علي؛ لأن المصريين يؤثرون استعمال المدافع الإنكليزية عيار 10 و9 و8 بوصات، وأيضا المدافع الإنكليزية الصغيرة من طراز الششخانة، وهذه المدافع هي بالضبط نفس المدافع المسلحة بها سفن جلالة الملكة، ولا يمكن العثور على أفضل من هذه المدافع بين المدافع التي تعبأ من فوهاتها، وكانت المدافع المصرية مزودة بقذائف من أحدث طراز، واستخدمت ذخيرتها بكثرة لدرجة الإسراف، وكان تصويب المدافع يدعو إلى الإعجاب، ويمكن أن يقال ذلك أيضا عن مدافع خطوط المكس لولا أنها استخدمت أكثر المدافع من عيار 36 ومدفعا أو اثنين من عيار 15 بوصة من طراز الششخانة، فضلا عن المدافع التي من عيار 10 و9 بوصات والمدافع الصغيرة الششخانة.
واستعمل حصن المرابط مدفعين من مدافع الششخانة ذات المرمى البعيد عيار 10 بوصات، وكان كل واحد منهما يرمي قذائفه تلو الآخر في اتجاه الأسطول الراسي قريبا من الشاطئ والمصطف بكيفية تدعو إلى الإعجاب، فتخطئ المرمى بمسافة تتراوح بين 10 و30 ياردة.
ولم تنفجر أية قنبلة من القنابل التي قذفتها بطاريات الجنوب على ظهر سفن صاحبة الجلالة في خلال اليوم. وتجدون صحبة هذا تقريرا رسميا مقدما من الكابتن هنت جرب قائد البارجة سلطان لعرضه على أصحاب السعادة الأميرالية. وقد تولى هذا الكابتن قيادة الأسطول الخارجي، فقام بهذا العبء بكفاءة وجدارة تستوجبان الإعجاب؛ فقد تلقى هذا الأسطول ويلات الحرب كما يؤيد ذلك تمام التأييد البيان الذي مع هذا الخاص بالأضرار التي لحقت المدرعات سلطان، وسوبرب، وألكسندرا، وليس لدي ما أقوله عن الأضرار التي حلت بالمدرعة بنلوب؛ فهذه البارجة انفصلت عن أسطولي بعد أمد قليل، والجزء العلوي من بناء المدرعتين إنفنسيبل وإنفلكسيبل أصابه أكثر من قذيفة، غير أنه لم يترتب على ذلك ضرر جسيم.
وأراني عاجزا عن أن أوفي جميع الضباط الذين قادوا السفن ما يستحقونه من المدح والثناء على ما أولوني من المعونة في هذه الظروف، ويجب علي أن أخص بالشكر الكابتن هنت جرب الذي قام بقيادة الأسطول الخارجي والذي أريد أن ألفت إليه أنظار أصحاب السعادة الأميرالية. ويسرني أيضا أن أشكر الكابتن توماس وورد
Thomas Ward
من ضباط المدرعة سوبرب والكابتن تشارلس هوثام
Charles Hotham
من ضباط المدرعة ألكسندرا، وكلا الاثنين تابع للأسطول الخارجي، والكابتن هنري نكولسن
Henry Nicholson
من ضباط المدرعة تمرير، وجون فشر
John Fisher
من المدرعة إنفلكسيبل «الذين أدوا خارج البوغاز الأعمال التي عاونوا بها الأسطول الواقف بجوار الساحل، وساعدوا بعد ذلك على الهجوم الموجه نحو الشمال»، والكابتن هنري فيرفاكس
Henry Fairfax
من ضباط المدرعة مونارك، والكابتن سان جورج داسي إرفين
St. George D’arcy Irvine
من ضباط المدرعة بنلوب، وروبرت مور ملنو
Robert More Molyneux
للمسلك الذي سلكوه في تأدية واجباتهم على اختلافها.
والقومندانات جورج هاند
George Hand
أقدم الضباط الذين في رتبته ومن ضباط بيكن، ولورد تشارلس برسفورد من ضباط السفينة كندور. وتوماس براند
Thomas Brand
من ضباط بترن، واللفتنانت هغ ريدر
Hugh Ryder
قومندان السفينة سينت، وهذا الضابط له في الخدمة أكثر من 15 سنة، واللفتنانت آرثر بلدرو
Arthur Boldero
قائد السفينة دكوي، وجميعهم ضباط جديرون كثيرا بالترقية، والمهمة التي ألقيت على عواتقهم قبل الحرب وبعد الحرب كانت شاقة جدا؛ إذ من المعلوم أنهم قاموا بالمواصلات بين السفن الواقعة داخل وخارج منطقة الصخور، وكثيرا ما كانوا يقومون بهذه الخدم في جو مكفهر وفي أثناء الليل؛ حيث تستدعي الحالة مزيد الانتباه في المناورات والمعرفة التامة بإدارة السفن.
كما يبهجني أن أدلي باسم اللفتنانت وليم مرسن
William Morrison
من ضباط السفينة هلكن؛ فلقد تعرض هذا الضابط أكثر من مرة لنيران بطاريات الشمال حينما كان يعيد الإشارات التي كنت أعطيها وهو على ظهر سفينة لم تبن لأغراض حربية، وعلى العموم أرى نفسي مدينا لضباط وجنود الأسطول بوجه عام؛ فإنهم كللوا هذا الكفاح بالنصر وختموه ختاما سريعا.
ولقد لفت نظري بوجه خاص الكابتن هوثام من ضباط المدرعة ألكسندرا إلى عمل مجيد قام به مستر إسرائيل هاردنج
Israel Harding
من جنود مدفعية ألكسندرا؛ ذلك أنه رفع قذيفة ملتهبة عيار 10 بوصات اخترقت جنب السفينة وسكنت في القنطرة الرئيسية ووضعها في وعاء الماء، الأمر الذي لولاه لكان من الجائز أن تنفجر وتودي بحياة عدد كبير من الجنود. وقد لفت نظري أيضا إلى سلوك القومندان آلان توماس
Alan Thomas
من المدرعة ألكسندرا الجدير بالمدح والثناء طول هذا اليوم، وإني لواثق كل الوثوق بأن هذا الضابط وهسكنز
Hoskins
قومندان أركان حرب السفينة التي يخفق عليها علمي، وهو الذي كتب عنه الكابتن هنت جرب تقريرا، نعم، إني لواثق أن هذين الضابطين لا يتأذيان من غيابي الاضطراري عن هذه السفينة. وكافة الربابين يوجهون عبارات المدح المستطاب والثناء الجم إلى ضباطهم وإلى الملاحين لحسن سلوكهم.
ويستحيل بالكلية أن أبين بالتفصيل الأضرار الطفيفة التي حلت بسفن جلالة الملكة في خلال هذا الكفاح من القذائف والطلقات التي أصابتها، أو أفصل كذلك العطب الذي مني به جسم البوارج سوبرب، وسلطان، وألكسندرا، ولا عطب المدرعات إنفنسيبل وبنلوب، وإنفلكسيبل الذي هو أقل أثرا من عطب الثلاث الأول، ولكني أستطيع أن أعرب عن شديد أسفلي لوفاة اللفتنانت فرنسيس جاكسن
Francis Jackson
ومستر وليم شنن
William Shannon
نجار المدرعة إنفلكسيبل. ويؤخذ من الأخبار الأخيرة عن الجرحى أن حالتهم آخذة في التحسن، وقد أرسلوا إلى مالطة على ظهر الباخرة همبر.
وتجدون صحبة هذا قائمة بأسماء فصيلة المتطوعين التي قامت بتسمير مدافع بطاريات المكس، وكذلك أسماء ملاحي الزوارق. (13) بطولة رجال المدفعية المصرية
لقد أبدى كل الذين كتبوا عن حادث ضرب الإسكندرية الأليم بالإجماع ثناءهم، على رجال المدفعية المصرية؛ لما أظهروه في ذلك اليوم من البسالة والشجاعة في كفاح قوة لا تناسب بينها وبينهم.
وإنني لم أشأ هنا أن أذكر في التنويه بفضلهم إلا ما ذكره شهود العيان، ومن بينهم خصومهم الذين حضروا القتال، وشهادة هؤلاء جميعا أوجه بالطبع من شهادة الذين لم يشهدوا هذه الحرب.
فلقد كان الإنكليز يتخيلون قبل الدخول في هذه الحرب - كما اعترفوا بذلك فيما بعد - أن إسكات الحصون أمر هين لين . وهذا الاعتراف يهدم مخاوفهم على سفنهم من أساسها، تلك المخاوف التي طالما ادعوها وتشبثوا بها، ولكن المقاومة التي لاقوها والثبات الذي أبداه جنود المدفعية المصرية في ملازمة مدافعهم واستماتتهم بجانبها، كل هذا أدهشهم وجعلهم ينطقون بالرغم منهم بالمديح المستطاب والثناء العاطر على هؤلاء الجنود الأبطال.
وأبدأ هذه الشهادات بشهادة الأميرال سيمور نفسه الذي قال في تقريره المؤرخ في يوم 14 يوليه سنة 1882 للأميرالية البريطانية:
لقد قاتل المصريون قتال الأبطال، وثبتوا في مواقفهم ثبات الشجعان، وكانوا يجاوبون النيران الشديدة التي كانت تصبها عليهم مدافعنا الضخمة إلى أن فني بلا شك أكثرهم. ا.ه.
وقال القومندان هنت جرب قائد المدرعة سلطان وقائد الأسطول الخارجي في تقريره للأميرال سيمور:
ولما وجدت أن الحصون أقوى مما كان يظن قبلا، وأن جنود المدفعية المصرية لا يستهان بهم وأنهم في الواقع يحكمون الضرب، رأيت من الصواب أن ألقي المراسي؛ لكي أحصل على المسافة اللازمة بالدقة. ا.ه.
وقال القومندان جودريتش من رجال البحرية الأمريكية الحربية الذي كان على متن السفينة الحربية الأمريكية لانكاستر
Lancaster
ورأى كل ما حدث بعيني رأسه في تقريره ص36:
وجاوب المصريون رغم التفاوت الذي كان بينهما من ناحية العدد ومن ناحية عيار المدافع، على النيران المتدفقة من أفواه مدافع الأسطول الإنكليزي إجابة مدهشة لم تكن متوقعة بتاتا بشجاعة تستوجب الإعجاب. وعندما كانت المدرعة إنفلكسيبل ترسل مقذوفات زنة كل منها 1700 رطل على حصن الفنار وتصيب ساتره فتثير الأنقاض والأتربة إلى علو الفنار نفسه، ويتخيل المرء عندما يرى ذلك أنه ليس في الإمكان أن يعيش أي إنسان تحت نيران كهذه النيران، لا يلبث بعد بضع دقائق عندما ينقشع الغبار أن يرى جنود المدفعية المصرية ملازمين مواقفهم يطلقون قذائفهم على خصمهم الرهيب. ا.ه.
وقال الماجور تلك من رجال قلم المخابرات (وترقى الآن إلى جنرال) وكان على ظهر المدرعة إنفنسيبل في كتابه «ذكريات أربعين عاما في الخدمة» ص286:
وبعد أن نزلت إلى البر بزمن يسير طفت حول البطاريات التي بقرب رأس التين، فوجدت منظر البعض منها ينفطر منه الفؤاد ، وسمعت فيما بعد من مصدر وثيق أن الخسائر في الأرواح من جنود المدفعية ومن جنود البيادة الذين كانوا خلف الحصون بلغت أكثر من ثلاثمائة. وقد وسقت بالقتلى العربات في أثناء القتال. ولكن لما كان عدد القتلى في نهاية الحرب كبيرا جدا فتحت لهم حفرة واسعة في رأس التين وألقيت أجسادهم فيها ثم ووريت في التراب. ومع هذه المواراة يستطيع الإنسان في عدة مواضع من هذه المقبرة أن يرى الطبقة العليا من هذه الأجساد ظاهرة على وجه الأرض. وقد سقط ساتر الحصن على بعض الجنود فأزهق أرواحهم، وبقيت أجسادهم تحت الأنقاض دون أن يستطيع أحد إخراجها. ووجدت جثة ضابط مصري وجثث ستة من الجنود المصرية البواسل تحت مدفع انقلب بقذيفة.
وعندي أنه لا يستطيع إلا القليل من الناس أن يؤدوا واجباتهم مثل ما أداها أولئك الجنود الذين كانوا في الحصون في ذلك اليوم. وليس في مقدور الإنسان أن يخفي دهشته وإعجابه من أن هؤلاء الجنود في الحالة التي كانت فيها النيران تتحيفهم من كل جهة أرادوا أن يرفعوا أحد المدافع من سقطته التي سقطها. وفي حالة أخرى وهم في معمعة القتال حاولوا أن يرجعوا مدفعا إلى موضعه وهم تحت وابل من النيران.
وفي المكس كان يوجد ساتر من الرمال سميك تتوارى خلفه جنود المدفعية، ولكن على طول امتداد البطاريات الشرقية لم يكن يوجد إلا ستائر عتيقة من الأحجار في قليل من المواضع، والأنقاض التي تقوضت منها لا بد أن تكون قد أحدثت خسائر جسيمة في الأرواح. ا.ه.
وقال البارون دكيوزل بك
Le Baron De Kusel Bey
وكيل مصلحة الجمارك المصرية الذي كان على السفينة تنجور أمام الإسكندرية في كتابه «ذكريات رجل إنكليزي عن مصر» ص200:
لقد ثبت جنود المدفعية المصرية في مواقفهم أمام نيران المدرعات الإنكليزية الهائلة الفتاكة ثباتا دل على بسالتهم وبطولتهم، وظلوا يلقون القنابل باستمرار فتصيب أهدافها من هذه البوارج - إلى أن قال في هذه الصفحة أيضا - وليست المسألة مسألة ريبة في بطولة الجنود المصرية؛ فلقد قاتلوا مستبسلين، ولكن لم يكن لهم الإلمام التام بسلاحهم ليجنوا من دفاعهم ولو بعض النجاح.
ولم ينقض الضرب إلا في منتصف الساعة الثانية عشرة صباحا (أي من يوم 12 يوليه)؛ لأن المصريين إذا كان لديهم مدفع في أي موضع لم يكن قد سقط، استعملوه إلى أن يكره هذا المدفع على السكوت إكراها. ا.ه.
وقال مسيو سكوتيدس
Scotidis
وكيل قنصل اليونان في الإسكندرية في كتابه «مصر المعاصرة وعرابي باشا» ص168 و169:
وعند الطلقة الخامسة جاوبت بطاريات البر بنشاط وإحكام أدهشا الإنكليز. وتقدمت البوارج الإنكليزية، تلك المدرعات الضخمة، تسير ببطء واتخذت لها موقفا أمام الحصون، وصوبت إليها نيران مدافعها في مركز واحد. وقد كانت قذائفها الهائلة تدعو إلى الظن بأنها ستدمرها تدميرا. ولقد كانت هذه القذائف تحطم المدافع الضخمة وتقلب قواعدها وتنسف مستودعات البارود وتحفر حفرا يقع فيها المصريون التعساء. وعندئذ تقترب شيئا فشيئا لتضعف قوة هؤلاء المصريين بتقويض حصونهم بطوفان من قذائف مدافع السربند المقامة على ساريات السفن.
وكانت قذائف المدافع المصرية تسقط في البحر وهي في منتصف الطريق فتثير عجاج الماء، والبعض الآخر يصطدم بمدرعات الإنكليز الضخمة فيرتد عنها كأنها جسم من المطاط ويغوص في البحر. ومع هذا فلا ينبغي إلا الإعجاب بما أبداه جنود المدفعية المصرية من البطولة والبسالة والثبات في مواقفهم، ورثاء أولئك الضحايا الذين راحوا طعمة للنار بطيش عرابي ورعونته وبجرأته التي أظهرها عبثا. وكان معظم الحصون بلا ساتر فقلبت القنابل من مدافعها ما كان أكثر قوة وأعظم خطرا وأحاطتها بالمئات من جثث القتلى. وفي خلال انتشار الدخان الكثيف الذي يسوقه النسيم في بعض الأوقات كان هؤلاء الجنود الشجعان الذين كانوا يستطيعون أن يخدموا وطنهم في ظروف أخرى، يمثلون بحق الأبطال الذين يدفعون غارات الجبابرة. ا.ه.
هذه شهادات كلها صادرة من شهود عيان معظمهم من الخصوم، وإنها لأقوى برهان على أن ضباط وجنود 1 جي ألاي طوبجية سواحل قاموا في ذلك اليوم الأسود المشئوم بما هو فوق الواجب، فاستحقوا بذلك أكبر التقدير مع تخليد الذكر وعظيم الشكر. رحمهم الله وعزانا وعزى هذا الوطن الأسيف فيهم.
وإزاء ما قام به هذا الألاي من ضروب الشجاعة والإقدام والإخلاص للوطن لدرجة التضحية بآخر أنفاسه في سبيل الذود عن حياضه، رأينا تخليدا لذكرى أعمال ضباطه وجنوده المجيدة أن نثبت أسماء من عثرنا على أسمائهم منهم، مع ذكر عددهم جميعا في الجدول الآتي، وها هو كما استخرجناه من دفاتر دار المحفوظات المصرية:
جدول : اثبات أسماء من عثرنا على أسمائهم من ضباط وجنود: 1 جي ألاي طوبجية سواحل.
المجموع
عدد
الأسماء
الرتب
1762
المجموع الكلي
1
إسماعيل بك صبري
أمير الألاي
1
محمد بك نسيم
قائمقام الألاي
8
1
عبد العال أفندي أبو العلا
1 جي بكباشي
1
سيف النصر أفندي
2 جي بكباشي
1
محمد أفندي شرمي
3 جي بكباشي
1
رأفت أفندي سري
1 جي صاغ
1
صبحي أفندي هاشم
2 جي صاغ
1
محمد أفندي رفعت
3 جي صاغ
أركان حرب وأطباء وكتاب وغيرهم
15
1
محمد أفندي سيد أحمد
صاغ
1
إبراهيم أفندي كامل
صاغ
1
محمد أفندي نافعي
حكيمباشي الألاي
1
محمد أفندي لمعي
ملازم أول أجزجي
1
محمد أفندي حسب الله
ملازم ثان تعليمجي الإشارة
1
محمد أفندي محمد
كاتب أول الألاي
1
رضوان أفندي رضوان
كاتب ثاني الألاي
1
مصطفى أفندي الخولي
كاتب ثالث الألاي
1
موسى أفندي الورداني
كاتب رابع الألاي
1
فرج أفندي عوض
كاتب الأشغال المتأخرة
1
الشيخ محمد عبد العال
إمام وخوجه
1
الشيخ عبد الله إبراهيم
إمام
3
توفتجية
129
1
مصطفى أفندي مختار
يوزباشي
1
أحمد أفندي قنديل
ملازم أول
1
حسن أفندي مكي
ملازم ثان
1
إسماعيل أفندي صبري
ملازم ثالث
125
صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
84
84
صف ضباط وعساكر
132
1
علي أفندي بهجت
يوزباشي
1
محمد أفندي حامد
ملازم أول
1
محمود أفندي خليل
ملازم ثان
1
محمد أفندي حلمي
ملازم ثالث
1
محمد أفندي عبد الخالق
صول
127
صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
99
99
صف ضباط وعساكر
181
1
أحمد أفندي فهمي
يوزباشي
1
محمد أفندي الموجي
يوزباشي
1
دهشان أفندي عزمي
ملازم أول
1
سليم أفندي صائب
ملازم ثان
1
غنيم أفندي هدهد
ملازم ثان
176
صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
52
52
عدد أنفار
117
1
عبد الحميد أفندي الجندي
يوزباشي
1
محمد أفندي أمين
ملازم أول
1
أحمد أفندي هادي
ملازم أول
1
سليمان أفندي بهجت
ملازم ثان
113
صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
76
76
عدد أنفار
141
1
عبد الرحمن أفندي نجيب
يوزباشي
1
محمد أفندي نايل
ملازم أول
1
عبد الرحمن أفندي الشافعي
ملازم أول
1
محمود أفندي رضى
ملازم ثان
1
أحمد أفندي كامل
ملازم ثان
1
علي أفندي خضر
صول
135
صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
80
80
عدد أنفار
107
1
يوسف أفندي صفوت
يوزباشي
1
حسانين أفندي زغلول
يوزباشي
1
عرفة أفندي أحمد
ملازم أول
1
إبراهيم أفندي مسلم
ملازم أول
1
عبد القادر أفندي خيري
ملازم ثان
102
صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
94
94
صف ضباط وعساكر
155
1
علي أفندي فهمي
يوزباشي
1
عمار أفندي عوني
ملازم أول
1
يوسف أفندي سري
ملازم أول
1
أحمد أفندي فضل
ملازم ثان
1
محمد أفندي علي
ملازم ثان
150
صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
31
31
عدد أنفار
166
1
مصطفى أفندي حسين
يوزباشي
1
حسانين أفندي زغلول
ملازم أول
1
إبراهيم أفندي مسلم
ملازم أول
1
عدوي أفندي حلمي
ملازم أول
1
حسن أفندي أنيس
ملازم ثان
161
صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
63
63
صف ضباط وعساكر صنايعية ببلوك العمارة
32
32
صف ضباط وعساكر
وإليك نبذا صغيرة عن بعض ضباط هذا الألاي الذين أمكننا معرفة شيء عنهم نثبتها هنا؛ طمعا في أن يطلع عليها المطلعون فيوافونا بما يكمل تاريخ حياتهم وتاريخ حياة من لم نعرف عنهم شيئا ولم نذكر عنهم نبذا: (1) أمير الألاي إسماعيل بك صبري:
حضر حرب الحبشة سنة 1875م، وحرب الروسيا سنة 1877م وسنة 1878م. ثم حضر ضرب مدينة الإسكندرية في 11 يوليه سنة 1882م. (2) القائمقام محمد بك نسيم:
هو والد صاحب الدولة توفيق باشا نسيم . حضر حرب الحبشة سنة 1875م، وحرب الروسيا سنة 1877 وسنة 1878م، ثم حضر ضرب مدينة الإسكندرية في 11 يوليه سنة 1882م. وترقى بعد الاحتلال إلى رتبة أمير ألاي، وأحيل إلى المعاش بناء على طلبه، ثم أنعم عليه برتبة الباشوية. (3) البكباشي سيف النصر أفندي:
هو والد صاحب العزة حمدي بك سيف النصر. حضر ضرب مدينة الإسكندرية في 11 يوليه سنة 1882م، وترقى بعد الاحتلال إلى رتبة قائمقام. وتوفي في الخدمة وهو رئيس قرعة مدينة الإسكندرية. (4) الملازم الثاني أحمد أفندي فضلي:
كان من أنجب تلاميذ المدرسة الحربية التي كانت تحت إدارة الجنرال لارمي باشا الفرنسي في عهد الخديو إسماعيل، وحضر ضرب مدينة الإسكندرية في 11 يوليه سنة 1882، وبعد الضرب وانسحاب جنود عرابي منها، عين في فرقة كفر الدوار، فنصب الجنود الإنكليزية مدافعهم فوق الجبل المجاور لخزان الماء بالقرب من أبي النواتير، ويقال إن الخديو توفيق كان قد توجه إلى تلك الجهة ليرى من فوق هذا الجبل خط نار العرابيين الذي كان بجهة عزبة خورشيد، فعندما أبصر أحمد أفندي فضلي بمنظاره تجمعهم فوق الجبل المذكور، وكان لا يعلم بوجود الخديو معهم، أطلق عليهم قنبلة من مدفع كروب وقعت بجوار الخديو توفيق ولكنها لم تنفجر. وقد ترقى بعد الاحتلال إلى رتبة لواء ثم أحيل إلى المعاش وهو في منصب مدير عموم القرعة. (5) الملازم الأول محمد أفندي لمعي:
هو ابن الشيخ عبد الله البوهي ابن الشيخ إبراهيم البوهي إمام المغفور له سعيد باشا والي مصر. تعلم بقسم الصيدلة بمدرسة الطب بقصر العيني وتخرج منه والتحق صيدليا بالجيش إلى أن جاءت الحوادث العرابية، فكان ملازما أول وصيدليا أول في 1 جي ألاي طوبجية سواحل الذي دافع عن حصون الإسكندرية يوم 11 يوليه سنة 1882م. وقد نجا من الموت وبقي بالجيش إلى أن كانت حوادث السودان وثورة المهدي، فأرسل إلى السودان صيدليا بإحدى الألايات المصرية. ولما تغلب المهدي على السودان انقطعت أخباره عن ذويه. ومن ذلك الحين لم يتلقوا عنه خبرا إلى أن فتح السودان، وقد تحققوا بعد ذلك أنه قتل مع من قتل من المصريين بعد تغلب المهديين على السودان. وقد ترك من الذرية ولدا واحدا كان يسمى إبراهيم محمد لمعي توفي وهو فتى لم يبلغ مبلغ الرجال.
Page inconnue