مقدمة
حصون مدينة الإسكندرية
موازنة بين هذه الحصون والأسطول البريطاني
مقدمة
حصون مدينة الإسكندرية
موازنة بين هذه الحصون والأسطول البريطاني
يوم 11 يوليه سنة 1882
يوم 11 يوليه سنة 1882
تأليف
عمر طوسون
Page inconnue
مقدمة
يقبل علينا شهر يوليه من كل سنة فيذكرنا باليوم الأسود يوم 11 منه، ذلك اليوم الذي داست فيه إنكلترا المعاهدات الدولية وتعلقت بأوهى الأسباب وضربت مدينة الإسكندرية. فاقترفت بذلك سبة الاعتداء على أمة لم يكن بينها وبينها إلا السلام، واجترحت إثم التهجم على بلاد لم تناوئها الحرب ولم تبادئها بالعدوان والخصام.
ومن رأينا أنه لا يجدينا شيء أكثر من ذكريات تاريخنا، وأن الجد لنا كل الجد في استثارة دفائن هذا التاريخ والاعتبار بتلك الذكريات حلوها ومرها. فإذا قلبنا صفحاته ورأينا فيها صفحة مجيدة نشرناها؛ لأنها تحيي فينا روح الأمل بعودة ماضينا، وإن كانت الأخرى وألفيناها صفحة سوداء لم نطو دونها كشحا ولم نضرب عنها صفحا؛ لأننا لو سترناها وأغمضنا الطرف عنها أمسينا في عماية ولم نعرف أخطاءنا، فكان ذلك مدعاة لبقائنا في غفلتنا سادرين، وسببا في جهلنا بعللنا الخلقية وأمراضنا الاجتماعية أبد الآبدين.
نعم ضربت إنكلترا بمدافع أسطولها حصون مدينة الإسكندرية وتغلبت عليها، وترتب على ذلك ما ترتب من الاحتلال وما جره وراءه من النتائج الخطيرة التي لا زلنا نعاني شدائدها ونقاسي أهوالها ونكتوي بنارها. وهذا كله أمر معروف مفروغ منه. ولكن ما هي الأسباب التي حملتها على هذا العدوان؟ وما هي الحالة التي كانت عليها حصون مدينة الإسكندرية؟ وهل كان في إمكانها مقاومة هذا الأسطول؟ وهل كانت قواهما متفاوتة؟ وما مقدار هذا التفاوت، وهل قام الجيش المصري المرابط في هذه الحصون بواجبه الوطني في الذود عن البلاد والدفاع عن هذه الحصون حتى النفس الأخير؟ وهل كان في مقدور ساستنا وأولي الرأي والأمر فينا تغيير موقف إنجلترا العدائي؟ وما الذي حال بينهم وبين هذه السياسة القويمة الحكيمة؟ ثم على من تقع بعد ذلك تبعة تخريب هذه الحصون وقتل هذه الأنفس العزيزة وضياع البلاد؟ هذه كلها أمور تمر بخواطر الناس وخواطر المصريين خاصة، ولكنهم لا يجدون عنها جوابا، فأردنا أن نكتب هذه الرسالة في هذا الموضوع لندعو بها المصرين إلى تذكر يوم 11 يوليه سنة 1882 حتى يخطر دائما ببالهم ويمتزج بأنفسهم ويكون نصب أعينهم في ليلهم ونهارهم، ثم لنجلو هذه الأمور الغامضة ولنكون على بينة من الأسباب والنتائج ولنستخلص من كل ذلك العبرة التاريخية؛ لتكون لنا تذكرة ننتفع بها في حاضرنا ومستقبلنا، وإنما يتذكر أولو الألباب.
عمر طوسون
حصون مدينة الإسكندرية
(1) الحصون من قبل الفتح الإسلامي إلى حكم المماليك
كانت مدينة الإسكندرية أوسع رقعة قبل الفتح الإسلامي منها بعد هذا الفتح، وكانت دائرة أسوارها القديمة المحيطة بها أكبر من دائرة سورها في حكم العرب.
ذلك أنها كانت عاصمة المملكة المصرية منذ أسسها الإسكندر الأكبر إلى أن فتحها العرب، فجلت عنها عساكر الرومان وأسرهم وحكامهم وكثيرون من النازلين بها من طوائف الأمم المختلفة، خصوصا بعد أن فتحت الفتح الثاني في عهد خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبعد أن اتخذت مدينة الفسطاط عاصمة للديار المصرية واكتظت بالسكان.
وكانت في عهدها القديم مدينة منيعة حصينة غاية الحصانة مشهورة بأسوارها العديدة وخنادقها العميقة وأبوابها المحكمة وأبراجها الكثيرة الباذخة وحصونها العديدة الشامخة.
Page inconnue
ولقد عانى العرب في فتحها شدائد وأهوالا وظلوا في حصارها ومهاجمتها أربعة عشر شهرا، يصبحونها ويمسونها بالغارة تلو الغارة حتى فتحها الله عليهم، فهالهم ما رأوه فيها من وثيق البنيان وكثرة السكان، وعظيم الحضارة والعمران، وفسيح الميادين، وعجيب الملاعب والعمد والأساطين، وغرائب المباني والقصور، ووفرة الحوانيت والأسواق والدور، وروائع المسلات والعمارات، والهياكل والكنائس والخانات.
ولما ظنوا أنها دانت لهم اتخذوا بها رابطة وشحنوها بمقاتلتهم، وعاد الفاتحون مع أميرهم عمرو بن العاص إلى داخلية البلاد، وتفرقوا في أنحائها واتخذوا الفسطاط دارا لإمارتهم. وظلت الحال على ذلك ردحا من الزمن.
فلما كانت خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه عزل عنها عمرا، واستعمل عليها بدلا منه عبد الله بن سعيد بن أبي السرح، فلم تمض على ولاية هذا أيام حتى ثارت الإسكندرية على حاميتها فقتلوها واستولوا على مرابطها، وكانوا قد كتبوا بذلك إلى ملك الروم فأرسل إليهم المقاتلة والأمداد فملكوا المدينة وخرجوا منها لقتال المسلمين والاستيلاء على الريف ثم على سائر مصر، وعند ذلك طلب المسلمون من الخليفة أن يعيد إليها عمرا؛ لأن له هيبة في صدورهم ومعرفة بحربهم، فأعاده إليها وعادت الحرب بينه وبينهم وكانت حربا شعواء كتب الله النصر فيها للمسلمين، وقد حلف عمرو لئن فتح الله مدينة الإسكندرية ليهدمن حصونها وأسوارها. فلما فتحها الله عليه بر بقسمه وسواها بالأرض، حتى لا تعود فتنتقض على المسلمين مرة أخرى ويعتصم مقاتلتها بأسوارها وحصونها.
وفي هذا الفتح الثاني استحر القتال بين عمرو والروم بالقرب من باب السدرة، فقتل منهم مقتلة عظيمة، ولما رأى القتل قد استحر فيهم أمر برفع السيف عنهم رحمة بهم، وأسس في هذا المكان مسجدا أسماه «مسجد الرحمة»، وهو المسجد المعروف الآن بمسجد العمري عند تقابل شارع أبي الدرداء بشارع الخديو الأول، وكان هذا المسجد أكبر مما هو عليه الآن كثيرا.
ثم في أثناء ولاية أحمد بن طولون على مصر عندما استقل بها في نحو سنة 265ه (878م) أحاط الإسكندرية بسور جديد؛ خوفا من غارة عسكر الخليفة عليها، ويقال إن هذا السور هو الذي بقي إلى أن دخلها الفرنسيون، كما يقال أيضا إنه تهدم وإنه بني ثانيا في أيام حكم المماليك البحرية، وإن هذا هو الذي بقي عند مجيء الحملة الفرنسية.
وإليك النصوص التي استندنا إليها في هذا الشأن:
قال ابن عبد الحكم المتوفى سنة 257ه (871م) في كتابه «فتوح مصر ص42»:
كانت الإسكندرية ثلاث مدن بعضها إلى جنب بعض - منة وهي موضع المنارة وما والاها، والإسكندرية وهي موضع قصبة الإسكندرية اليوم، ونقيطة. وكان على كل واحدة منهن سور وسور من خلف ذلك على الثلاث مدن يحيط بهن جميعا - ثم نقل عن طريف الهمذاني أنه كان على الإسكندرية سبعة حصون وسبعة خنادق. ا.ه.
وجاء في خطط المقريزي المتوفى سنة 845ه (1441م) ج1 في آخر الكلام على مدينة الإسكندرية ما نصه:
وكان بناء الإسكندرية طبقات وتحتها قناطر مقنطرة عليها دور المدينة يسير تحتها الفارس وبيده رمح لا تضيق به حتى يدور جميع تلك الآزاج والقناطر التي تحت المدينة. وقد عمل لتلك العقود والآزاج مخاريق ومتنفسات للضياء ومنافذ للهواء - إلى أن قال - وكان عليها سبعة أسوار من أنواع الحجارة المختلفة الألوان بينها خنادق، وبين كل خندق وسور فصول. ا.ه.
Page inconnue
وقال ابن عبد الحكم في كتابه الآنف الذكر ص80:
لما هزم الله تبارك وتعالى الروم وفتح الإسكندرية وهرب الروم في البر والبحر خلف عمرو بن العاص بالإسكندرية ألف رجل من أصحابه، ومضى عمرو ومن معه في طلب من هرب من الروم في البر. فرجع من كان هرب من الروم في البحر إلى الإسكندرية فقتلوا من كان فيها من المسلمين إلا من هرب منهم. وبلغ ذلك عمرو بن العاص فكر راجعا ففتحها. ا.ه.
وهذا النص يتعلق بفتحها الأول.
وجاء في الصفحة 82 منه:
وكتب عمرو بن العاص بعد ذلك إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أما بعد، فإني فتحت مدينة لا أصف ما فيها، غير أني أصبت فيها أربعة آلاف بنية بأربعة آلاف حمام وأربعين ألف يهودي عليهم الجزية، وأربعمائة ملهى للملوك.
وعن أبي قبيل أن عمرا لما فتح الإسكندرية وجد فيها اثني عشر ألف بقال يبيعون البقل الأخضر. وعن محمد ابن سعيد الهاشمي قال: ترحل من الإسكندرية في الليلة التي دخلها عمرو بن العاص أو في الليلة التي خافوا فيها دخول عمرو سبعون ألف يهودي - إلى أن قال - وكان عدة من بالإسكندرية من الروم مائتي ألف من الرجال، فلحق بأرض الروم أهل القوة وركبوا السفن، وكان بها مائة مركب من المراكب الكبار، فحمل فيها ثلاثون ألفا مع ما قدروا عليه من المال والمتاع والأهل وبقي من بقي من الأسارى ممن بلغ الخراج فأحصي يومئذ ستمائة ألف سوى النساء والصبيان. ا.ه.
وجاء في الصفحة 130 منه:
لما استقامت للمسلمين البلاد قطع عمرو بن العاص من أصحابه لرباط الإسكندرية ربع الناس، وربع في السواحل والنصف مقيمون معه. وكان يصير بالإسكندرية خاصة الربع في الصيف بقدر ستة أشهر، ويعقب بعدهم شاتية ستة أشهر. وكان لكل عريف قصر ينزل فيه بمن معه من أصحابه واتخذوا فيها أخائذ. ا.ه.
وجاء في الصفحتين 175 و176 منه:
كانت الإسكندرية انتفضت وجاءت الروم عليهم منويل الخصي في المراكب حتى أرسوا بالإسكندرية، فأجابهم من بها من الروم ولم يكن المقوقس تحرك ولا نكث. وقد كان عثمان بن عفان عزل عمرو بن العاص وولى عبد الله بن سعد. فلما نزلت الروم الإسكندرية سأل أهل مصر عثمان أن يقر عمرا حتى يفرغ من قتال الروم؛ فإن له معرفة بالحرب وهيبة في العدو ففعل. وكان على الإسكندرية سورها فحلف عمرو بن العاص لئن أظهره الله عليهم ليهدمن سورها حتى تؤتى من كل مكان - إلى أن قال - وقتلهم عمرو حتى أمعن في مدينتهم فكلم في ذلك فأمر برفع السيف عنهم وبني في ذلك الموضع الذي رفع فيه السيف مسجد، وهو المسجد الذي بالإسكندرية الذي يقال له مسجد الرحمة، وإنما سمي مسجد الرحمة لرفع عمرو السيف هنالك، وهدم سورها كله. ا.ه.
Page inconnue
وهذا النص يتعلق بفتحها الثاني.
وقال علي باشا مبارك في خططه (ج7 ص43):
وفي القرن التاسع من الميلاد - أعني بعد فتح مصر بقرنين أيام خلافة المتوكل وهو العاشر من بني العباس والثاني والثلاثون من الخلفاء بعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم - هدم أحمد بن طولون الأسوار القديمة
1
وبنى غيرها فما كان جهة البحر والغرب بقي على ما كان عليه مع بعض تغيير. وأما ما كان من الجهة الشرقية والجهة القبلية فقد دخل كثيرا لخراب هاتين الجهتين، وذكر بعضهم أن ابن طولون إنما عمر الأسوار القديمة فقط، ثم في سنة 1212م اعترى المدينة والأسوار تخرب فاحش، فبنى أحد من تولى على تخت الديار المصرية بعد صلاح الدين أسوارا أخر وهي التي بقيت إلى دخول الفرنساوية.
ثم قال:
وبهذا الانتقال كانت مساحة المدينة في زمن ابن طولون أقل من نصف مساحتها في زمن الرومانيين، وبقيت على ما وضعها عليه ابن طولون إلى زمن دخول الفرنساوية لكنها على حسب الأزمان والأحوال كانت أخذت في التخرب. وفي سنة 1718م بناء على ما ذكره مابي قنصل فرنسا في ذلك الوقت في وصف إسكندرية، كان التخرب قد اعتراها وغير معالمها حتى صار لا يوجد في مدينة العرب أكثر من مائة بيت، وتحول غالب الناس إلى ساحل الميناء وبنوا منازلهم فوق الأرض التي حدثت من انحسار البحر في محل السبع غلوات، وهجرت مدينة العرب بالكلية فكانت خرابا بلقعا لا يأوي إليها إلا أشقياء الناس. وتلك البلد التي حدثت بنيت بأنقاض مدينة الأروام. وعلى هذا كان الخراب ممتدا من مكان مدينة كانوب (أبو قير) إلى باب العرب (بالمكس) على ساحل البحر، ومن جهة الأرض إلى ساحل البحيرة وخليج إسكندرية. وكان لا يزيد عدد أهل البلد الجديد عن أربعة آلاف نفس. ا.ه. (2) الحصون في أواخر حكم المماليك الجراكسة
قال خليل بن شاهين الظاهري حاكم الإسكندرية في عهد السلطان الأشرف برسباي من سلاطين دولة المماليك الجراكسة والمتوفى سنة 850ه (1468م) في كتابه «زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك» ص39 في الكلام على ثغر الإسكندرية وحصونه ما نصه:
فصل في ذكر ثغر الإسكندرية
Page inconnue
وهو أجل ثغور الإسلام وأعظمه، يشتمل على سورين محكمين بهما عدة أبراج يحيط بها خندق يطلق فيه الماء من البحر المحيط عند وقت الضرورة، وللثغر عدة أبواب محكمة حتى إن على كل باب منها ثلاثة أبواب من حديد، وبأعلى الأبراج مناجيق ومكاحل. وفي وقت الضرورة يعلق على كل شرافة قنديل. وهذا الثغر في غاية التحصين وعلى كل برج منه أعلام وطبلخاناه وأبواق وحرسية يشهر ذلك وقت الضرورة. ا.ه. (3) الحصون قبل حكم محمد علي
كانت حصون مدينة الإسكندرية عند قدوم الحملة الفرنسية عبارة عن سور محيط بها فيه أبراج ومزاغل ومرامي للنار، وحوله خندق يصل إليه ماء البحر الملح. وهذا السور كان يسمى سور العرب؛ لأنه بني في زمن حكمهم، وهذه حقيقة لا ريب فيها لأن دائرة هذا السور كانت أضيق كثيرا من دائرة مدينة البطالسة - أي الإسكندرية القديمة - عند استيلاء العرب عليها.
وإليك تخطيط سور العرب المذكور :
الجهة الشمالية منه
كان السور يبتدئ في هذه الجهة من موقع الباب رقم 10 من أبواب مخازن الجمارك الحالية أمام شارع البحرية ويمتد في استدارته إلى ناحية الشرق مسافة قدرها 340 مترا؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يدعى «باب البحر الغربي» - الباب الأخضر - وموقعه الآن عند تقابل شارع الطوبجية بشارع الباب الأخضر، ثم يمتد في استدارته أيضا إلى ناحية الشرق مسافة أخرى قدرها 350 مترا إلى أن يقطع شارع دانسطاسي، ثم ينحرف إلى الجنوب قليلا ممتدا مسافة قدرها 100 متر، ثم ينكسر متجها إلى ناحية الشمال ممتدا مسافة قدرها 150 مترا حتى يصل إلى نقطة موقعها الآن وراء المحكمة المختلطة بقدر 60 مترا تقريبا. ثم يعتدل مشرقا مسافة قدرها 100 متر؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يدعى «باب البحر الشرقي» كان موقعه بالقرب من تقاطع شارعي مسجد العطارين والسبع بنات الآن، ويمتد مسافة أخرى في هذا الاتجاه قدرها 220 مترا؛ حيث موقع البورصة الآن، ثم ينكسر مرة أخرى متجها إلى الشمال مسافة قدرها 180 مترا مخترقا شارع البورصة القديمة إلى نقطة تقابله بشارع سعد زغلول، ثم يعود فيعتدل إلى ناحية الشرق الشمالي ممتدا مسافة قدرها 580 مترا تقريبا حتى يصل إلى موقع محطة الرمل الآن، ثم يرجع فينكسر إلى ناحية الجنوب ممتدا مسافة قدرها 320 مترا غربي شارع المسلة بمقدار 30 مترا، ثم يعتدل مرة أخرى إلى ناحية الشرق ويكون حينئذ في شمال شارع السلطان حسين كامل الآن وعلى بعد 30 مترا منه ممتدا مسافة قدرها 1100 متر حتى يصل إلى موضع حداق البلدية الآن من شارع بلجيكا.
الجهة الشرقية منه
هذه الجهة تبتدئ عند تقاطع شارع بلجيكا والسلطان حسين كامل في موضع حدائق البلدية الآن، ويتجه السور من هذه الجهة نحو الجنوب ممتدا مسافة قدرها 230 مترا تقريبا؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يدعى «باب رشيد» أو الباب الشرقي، ثم يمتد مسافة أخرى في هذا الاتجاه قدرها 300 متر تقريبا حتى يصل إلى موقع شارع الأمير عبد القادر الحالي.
الجهة الجنوبية منه
هذه الجهة من السور كانت تبتدئ من الجهة الشرقية الجنوبية، ثم يمتد السور منها ناحية الغرب مسافة قدرها 1000 متر تقريبا حتى يصل إلى موقع محكمة العطارين الجزئية الآن، ثم يميل إلى ناحية الشمال قليلا ممتدا مسافة 100 متر حتى يصل إلى جنوب كوم الدكة، ثم ينحرف إلى ناحية الجنوب قليلا ممتدا مسافة قدرها 270 مترا إلى أن يصل إلى موقع محطة مصر القديمة؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يدعى قديما باسم «باب الصوري»، ثم دعي بعد ذلك باسم «الباب الجديد» و«باب محرم بك»، ثم يمتد مسافة أخرى في هذا الاتجاه قدرها 350 مترا إلى أن يصل إلى مبتدأ موقع شارع الخديو الأول، ثم يعتدل إلى ناحية الغرب ممتدا مسافة قدرها 350 مترا في امتداد شارع الخديو الأول؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يدعى «باب سدرة» أو «باب العمود» وموقعه الآن عند تقاطع شارعي عمود السواري والخديو الأول، ثم يمتد في هذا الاتجاه مسافة أخرى قدرها 970 مترا إلى أن يصل إلى موقع بورصة ميناء البصل الحالية، ويدور حولها ممتدا في استدارته مسافة قدرها 240 مترا تقريبا إلى أن يصل إلى ترعة المحمودية.
الجهة الغربية منه
Page inconnue
تبتدئ هذه الجهة من السور المذكور من جنوبي هويس ترعة المحمودية الواقع أمام شون الأقطان، ويمتد السور منها متجها إلى الشمال مسافة قدرها 350 مترا؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يدعى «باب المغارات» وموقعه الآن بشارع الكوبري القديم أمام مكابس الأقطان، ثم يمتد في هذا الاتجاه مسافة قدرها 80 مترا، ثم ينكسر متجها قليلا إلى ناحية الشمال الغربي ممتدا في هذا الاتجاه مسافة قدرها 300 متر؛ حيث موقع رصيف جمرك المحمودية الآن، ثم يعتدل إلى ناحية الشمال ممتدا مسافة قدرها 100 متر، مارا بموقع مخازن الجمرك الآن، ثم يستدير نحو الشرق قليلا مع اتجاهه إلى ناحية الشمال ممتدا في هذا الاتجاه مسافة قدرها 650 مترا، مارا بمواقع مخازن جمرك الإسكندرية ومكتب البريد؛ حيث ينتهي بالقرب من مواقع مخازن الدخان الآن غربي شارع البحرية؛ أي عند بدايته في موقع الباب رقم 10 الآنف الذكر.
ومن هذا الوصف يعرف أن جزءا من مدينة الإسكندرية الحالية كان موجودا وقت مجيء الحملة الفرنسية، ولم يكن داخل هذا السور وهذا الجزء هو الواقع شمال هذا السور بين الميناء الشرقية والميناء الغربية، ويشتمل على قسم رأس التين وقسم الجمرك وجزء من قسم المنشية، ولا بد أن يكون السبب في ذلك يرجع إلى أن هذا الجزء كان في قديم الزمان مغمورا بالماء، وكانت الميناءان متصلتين ببعضهما، وكانت المدينة متصلة بجزيرة فاروس بواسطة جسر من الأحجار، وكان هذا الجسر هو الخط الفاصل بين الميناءين المذكورتين، وكان حد الإسكندرية الشمالي ينتهي بسور العرب ولا يجاوزه.
والنتيجة المترتبة على ذلك هي أن هذا الجزء لم يشيد، ولم يصبح في هذه الحالة التي وجدته عليها الحملة الفرنسية إلا بعد أن ردم هذا الجسر وطمر واتصلت الميناءان ببعضهما ثم اتصلتا بجزيرة فاروس.
أما بناء هذا السور الحربي فإنه كان على ما يلوح من البناء الفاخر كما تدل على ذلك صوره ورسومه المخططة في كتاب «وصف مصر» لعلماء الحملة الفرنسية.
ومما يؤسف له أشد الأسف عدم الاحتفاظ بهذا السور الأثري القيم الذي هدم جانب منه، وهو الجزء الواقع بالقرب من الميناءين في عهد حكم محمد علي، ثم تهدم جزء آخر منه في حكم الخديو إسماعيل، وباقيه هدم في عهد الاحتلال الإنكليزي.
وإليك وصف هذا السور وقت مجيء الحملة الفرنسية كما جاء في كتاب «وصف مصر» بالجزء الخاص بمدينة الإسكندرية الحديثة:
لا يحتوي سور هذه المدينة المهجور، الذي بعض أجزائه محصن بأكثر من 100 برج مختلفة الأشكال، إلا على جزء من مدينة الإسكندرية اليونانية الرومانية القديمة. ويسمى هذا السور من زمن بعيد بسور مدينة العرب؛ لأنه يظن أن أمراء الأمة العربية الذين دام لهم حكم الإسكندرية ومصر نحو 1200 سنة هم الذين بنوه.
ويبدو لنا أن الواقع هو أن هذا السور الذي يبلغ امتداده 7893 مترا قد شيد العرب أكبر جزء منه في القرن التاسع الميلادي (القرن الرابع الهجري) وحالة حيطانه الآن التي يحميها خندق ضيق، سيئة على وجه العموم، وبين أبراجه الكثيرة الشاهقة التي أكثرها رحب وبنيانها فخم، يشاهد بعض أبراج واقعة على الميناءين وعلى أطراف المدينة الحديثة يرجع تاريخ إقامتها إلى القرون الأولى التي أنشئت فيها مدينة الإسكندرية القديمة؛ فقد نقل الخلف عن السلف أن واحدا من هذه الأبراج، وهو الذي يشرف على الفرضة الجديدة (الميناء الشرقية) من صنع يد الرومانيين، وهذا البرج ما زال إلى الآن يسمى «البرج الروماني»، وهو البرج القائم قرب مسلات كليوبطرة وعلى الشمال منها.
وهنالك برجان آخران يلفتان النظر بضخامتهما ولونهما العتيق: أحدهما قائم على الميناء الجديدة ومطل على مدخل الساحة التي عندها تنتهي قناطر المجرى المائي، والثاني يشرف على الميناء القديمة وبداخله برج آخر قائم في وسطه. وهذا البرج المزدوج المتصلة حيطانه من الداخل بقبو مستدير، رحب جدا وبناؤه أنيق. كما أن بعض أبراج أخرى كانت أجزاؤها السفلى تستخدم ولا بد لخزن الماء.
ويوجد صهريج فخم في برج من الأبراج المطلة على واجهة المدينة الحديثة الجنوبية.
Page inconnue
وقد رمم الحصن القائم في الزاوية البارزة الواقعة جنوب غربي السور حتى أصبح في حالة صالحة جدا للدفاع، ويقال له نظرا لشكله «الحصن المثلث»، ولكنه أبيد بالنيران التي اشتعلت في مستودع باروده قبيل آخر عام 1801م.
وتنتصب أبراج هذا السور المشيدة حسب مستلزمات الحرب في الأزمنة الغابرة، شامخة فوق مبانيها التي أعدت لإقامتها عليها، وجميعها منتهية بمماشي بارزة عن قواعدها، وبهذه المماشي شرفات بها كوى وثقوب بواسطتها يمكن منع من يريد الدنو من هذا السور. وكافة الأبراج التي في الخط الخارجي لها أبواب سرية أو أبواب للخروج تطل على الخنادق، وأغلب هذه الأبواب مرتفعة العتبات مترا أو مترين عن قاع الخنادق، ويحجبها الآن ساتر من البناء.
ويشاهد في صلب بناء حيطان الأسوار وبالأخص في أساس أغلب الأبراج كثير من أعمدة الرخام والصوان مندمجة اندماجا أفقيا فيها، ويرى أحد طرفيها من الخارج . وبعض أجزاء وجهات هذه الحيطان مطلية بالمرمر؛ لوقاية جوانبها من تأثير رطوبة البحر الملح التي تحدثها أنداء الليل الكثيفة المنتشرة على ساحل مصر. ويعاين الإنسان تأثير الرطوبة الشديد في الحجر الجيري ويرى كيف تحلله هذه الرطوبة بدرجة كبيرة متى تأمل في حيطان السور القريبة من باب رشيد وفي الزاوية البارزة القائمة عنده.
وفي هذا السور خمسة أبواب، منها اثنان في واجهة المدينة الحديثة، واحد في الشرق يسمى «باب رشيد»، والآخر في الجنوب يسمى «باب العمود» - عمود السواري - ثم الباب الذي في الغرب، وهو الذي يطل من البرج الهائل على المرفأ القديم «الميناء الغربية»، وهذا البرج هو آخر الأبراج غربا. وهذه الأبواب مفتوحة في الأبراج الراكبة فوق السور وفتحاتها تواريها من الخارج حيطان الأبراج. وتستخدم هذه الأبواب للاستكشاف وللدفاع عن الحامية على النمط الذي تستخدم فيه الأبواب السرية التي في جوانب أبراج حصون فرنسا. ومصاريع هذه الأبواب من النجائر المتينة المصنوعة من خشب الجميز، ووجهاتها الخارجية مكسوة بصفائح من الحديد مثبتة بمسامير ذات رءوس بارزة مشطوفة، ولكن هذا الحديد أكله الصدأ. أما خشبها الذي انحلت قشوره قليلا فهذا لم يزد على مرور الأيام وكرور الأعوام إلا متانة. ويوجد على وجهات هذه الأبواب كتابة عربية كوفية وغير كوفية، منها يعلم زمن إنشائها. ا.ه.
والحقيقة أن عدد الأبواب لا بد أن يكون ستة لا خمسة؛ لأنه كان يوجد في الجنوب بابان لا باب واحد كما قالوا. ومما يؤسف له أشد الأسف أن الكتابة المنوه عنها في هذا الوصف التي كانت على أبواب هذا السور لم تنقل مع أنها كانت تنبئنا على الأقل عن اسم منشئ هذه المباني العظيمة.
وعدا أبراج سور العرب المذكورة كان يوجد من الحصون عند مجيء الحملة الفرنسية قلعة فاروس أو قايتباي التي هي عبارة عن سور محصن على طراز العصر الذي بنيت فيه وتحتوي على برج مربع الشكل مشيد في أركانه أربعة أبراج صغيرة، وبمماشيه شرفة فيها مصباح يضاء في الليل. وكان في غرف هذا البرج العليا أكداس من الأسلحة المختلفة تراكم فوقها الصدأ، وتدل حليها وأشكالها على أن بعضها من أسلحة الصليبيين والبعض الآخر من أسلحة حملة لويس السادس عشر المنكودة، كما كان يوجد حصن آخر يقال له طابية فاروس الصغيرة لوقوعه إزاء القلعة السابقة، وهو الطابية المعروفة بطابية السلسلة الحالية. وهذه الطابية كانت مشيدة في نهاية خط الصخور التي هي نهاية الميناء الشرقية من جهة الشرق، وقد بنيت هذه الطابية للدفاع عن هذه الميناء. والصخور الموصلة لهذه الطابية الصغيرة مرتفعة عن منسوب ماء البحر، ولكنها كانت تغمر به عند اشتداد الأنواء.
وعند قدوم الفرنسيين لم يكن يوجد من هذه الطابية الصغيرة إلا برج مربع الشغل متخرب، به بعض أجزاء من مدافع برى الصدأ حديدها من جراء رطوبة البحر الملح التي حللت هذا الحديد وصيرته شرائح ونفايات معدنية.
ثم كان يوجد في موضع مدرسة رأس التين الأميرية الآن حصن ثالث يشرف على الميناء الغربية.
ولما احتل الفرنسيون المدينة شيدوا حصونا لحمايتها من الاعتداء عليها من الخارج، وهذا بيانها: (1) «حصن كوم الدكة»: وهو الحصن الباقي إلى الآن وسموه حصن كريتان
Fort Crétin
Page inconnue
تخليدا لذكرى المهندس الحربي الفرنسي القائمقام كريتان الذي أشرف على بنائه ثم قتل في موقعة أبي قير التي نشبت بين الفرنسيين والجنود التركية في ذلك الحين. (2) «حصن كوم الناظورة»: وهو أيضا لا يزال باقيا إلى الآن. وسموه حصن كافاريللي
Fort Cafarelli
باسم الجنرال الذي كان مشرفا على الأعمال الهندسية الحربية في جيشهم. وهذا الجنرال فقد إحدى ساقيه قبل مجيئه إلى مصر واستعاض عنها بساق خشبية، فكناه المصريون بأبي خشبة، ثم قتل في حصار عكاء. (3) «حصن لوتورك
Fort Leteruce »: وهو حصن أقاموه غربي الحصن السابق على شاطئ البحر في الموضع الذي به طابية صالح الحالية. ولوتورك اسم أحد قوادهم. (4) «حصن كليوبطرة»: وهو حصن شيدوه على المرتفعات القائم عليها الآن المستشفى الأميري، وسموه بهذا الاسم لمجاورته للمسلة المسماة بمسلة كليوبطرة.
وقد أقاموا عدا هذه الحصون صفوفا من المدافع (بطاريات) في المواضع الآتية: (1)
بطارية في نهاية رأس التين في الموضع الذي صار فيما بعد طابية الفنار. (2)
بطارية في شمال رأس التين في الموضع الذي صار فيما بعد طابية سراي رأس التين. (3)
بطارية في موضع منهد (ميس) ضباط الحرس الملكي الآن، وكان في موضعها قبل ذلك طابية الاسبتالية. (4)
بطارية في موضع طابية الأطة الحالية.
هذه هي كل المنشآت التي أقامها الفرنسيون على شواطئ مدينة الإسكندرية وفي داخلها للدفاع عنها من عدو يهاجمها. وليلاحظ أنه في مواضع البطاريات السالفة الذكر أقيمت طوابي فيما بعد كما سبق. (4) الحصون في حكم محمد علي
Page inconnue
عهد محمد علي إلى جاليس بك تحصين مدينة الإسكندرية، وفي عام 1840م كانت حصونها وأسلحتها كما يؤخذ من رسوم الملازم نيوجنت
Nugent
من رجال البحرية البريطانية كالآتي:
جدول : جدول بيان الحصون وتسليحها في هذا العهد.
الحصون
مدافع
أهوان
الجملة
الجملة العمومية
330
Page inconnue
59
389 (1) طابية السلسلة
6 -
6 (2) طابية قبور اليهود
10 -
10 (3) طابية كوم الدكة
6
3
9 (4) طابية كوم الناظورة
12
Page inconnue
4
16 (5) طابية قايتباي
20
12
32 (6) طابية الأطة
10
1
11 (7) طابية سراي رأس التين
46
17
Page inconnue
63 (8) طابية فنار رأس التين
33
10
43 (9) طابية صالح أغا
15
3
18 (10) طابية أم قبيبة
30 -
30 (11) طابية القمرية
10
Page inconnue
3
13 (12) طابية الملاحة القديمة
10 -
10 (13) طابية الملاحة الجديدة
34 -
34 (14) طابية الدخيلة
10
3
13 (15) طابية جزيرة العجمي أو المرابط
8
Page inconnue
3
11 (16) طوابي دائرة السور
70 -
70
وبعد سنة 1840م وفي أواخر حكم محمد علي زاد عدد هذه الحصون كما يؤخذ من القائمة المؤرخة بعام 1264ه (1848م) التي وضعها حسن باشا الإسكندراني ناظر البحرية المصرية الذي أدركته المنية سنة 1855م، فغرق مع من غرق في سفينة القيادة (مفتاح جهاد) في حرب القرم التي اشترك فيها الأسطول المصري.
وهذه القائمة نقلها إسماعيل سرهنك باشا في كتابه «حقائق الأخبار عن دول البحار» ج2 ص259، ومنها يتبين أن عدد هذه الحصون ومدافعها كان كالآتي:
جدول : زيادة هذه الحصون في أواخر عهد محمد علي وقائمة بأسمائها وبالمدافع التي سلحت بها.
الحصون
مدافع
أهوان
Page inconnue
الجملة
الجملة العمومية
617
69
686 (1) طابية الفنار
57
6
63 (2) طابية الفنار الصغيرة
1 -
1 (3) طابية التراب
Page inconnue
61
12
73 (4) طابية الاسبتالية الجديدة
13
10
23 (5) طابية الاسبتالية القديمة
25 -
25 (6) طابة الأطة
57
7
Page inconnue
64 (7) قلعة برج الظفر
110
6
116 (8) طابية ظهر منزل الفرنسيس
6
6
12 (9) طابية المفحمة
8 -
8 (10) طابية مسلة فرعون
9 -
Page inconnue
9 (11) طابية قبور اليهود القديمة
10 -
10 (12) طابية قبور اليهود الجديدة
20 -
20 (13) طابية برج السلسلة
18
1
19 (14) طابية باب شرقي
6 -
6 (15) طابية كوم الناظورة
Page inconnue
10
1
11 (16) طابية الدخيلة
3 -
3 (17) طابية السلية
20
2
22 (18) طابية المكس
40
9
Page inconnue