وأما حقيقة الذم فهو كل قول يبنى على انطباع احتراز من أن يبنى عن ارتفاع، وقلنا حال المذكور؛ لأنه قد يذم نفسه، وقلنا مع القصد إلى الاستحقاق به احتراز من الحكاية والتعريف، فالحكاية مثل قوله تعالى: {أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين} فلم يرد الله تعالى بذلك ذم موسى (عليه السلام)، وإنما أراد الحكاية والتعريف مثل قوله تعالى{وعصى آدم ربه فغوى} فلم يرد الله ذم آدم (عليه السلام) وإنما أراد تعريفنا بحاله، وحقيقة الاستحقاق هو كل قول أو فعل أو ترك يبنى عن إنطباع حال من وجه إليه مع القصد إلى الوضع منه والاحترازات هاهنا نقيض احتراز في التعظيم.
وحقيقة التبجيل هو رفع منزلة الغير مع قبوله لتلك المنزلة.
وأما الموضع الثاني: وهو في حقيقة الواجب وقسمته وبيان وجه الاحتراز فيها وأسمائه، أما حقيقته فهو يستعمل في أصل اللغة وفي الاصطلاح، أما في أصل اللغة ففي [26ب] معنيين:
أحدهما بمعنى الثبوت، وثانيهما بمعنى الوجوب، وهو السقوط، يقال: وجبت الشمس إذا سقطت عند الغروب، وعليه قوله تعالى{فإذا وجبت جنوبها}أي سقطت، والوجوب هو الساقط، وقال الشاعر:
أطاعت بنو عوف أميرا نهاهم ... عن السلم حتى كان أول واجب
وأما الواجب في اصطلاح المتكلمين فهو يستعمل في معان:
أحدها: الوجوب في الأفعال، وهو ما يستحق الذم بتركه، وهو المقصود هاهنا.
وثانيها: واجب بمعنى أنه يستحيل خلافه عند إمكانه، وهو يستعمل في الصفات، يقال هذه الصفة واجبة ونقيضها في الحال.
وثالثها: بمعنى الوجوب الذي هو يقتضي الاختيار، كما يقال أن معلول العلة واجب حصوله عند حصولها، بخلاف فعل الفاعل فإنه يقع على سبيل الاختيار.
Page 45