ثم وليها عبد الله بن عبد الملك من قبل أبيه على صلاتها وخراجها، فدخلها يوم الإثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ست وثمانين، وهو يومئذ ابن سبع وعشرين سنة، وقد تقدم إليه أبوه أن يعفي آثار عمه عبد العزيز لمكانه من ولاية العهد، واستبدل بالعمال عمالا، وبالأصحاب أصحابا، وأراد عبد الله بن عبد الملك عزل عبد الرحمن بن معاوية بن حديج عن الشرط فلم يجد عليه مقالا ولا متعلقا، فولاه مرابطة الإسكندرية، وجعل على الشرط عمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة حليف بني زهرة، وجمع له القضاء والشرط، وتوفي أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان يوم الخميس لأربع عشرة ليلة خلت من شوال سنة ست وثمانين.
وبويع الوليد بن عبد الملك، فخرج عبد الرحمن بن معاوية بن حديج وأخذ له بيعة أهل مصر، فأقر الوليد أخاه عبد الله على صلاة مصر وخراجها، وأمر عبد الله بن عبد الملك بالدواوين، فنسخت بالعربية وكانت قبل ذلك تكتب بالقبطية، وصرف عبد الله أشناس عن الديوان وجعل عليه ابن يربوع الفزاري من أهل حمص، ومنع عبد الله من لباس البرانس وذلك في سنة سبع وثمانين، وابتنى عبد الله المسجد المعروف اليوم بمسجد عبد الله.
وفي ولايته غلت الأسعار بمصر وترعت، فتشاءم به المصريون، وهي أول شدة رأوها وزعموا أنه ارتشى، وكثروا عليه وسموه مكيسا، ثم قدم عبد الله إلى أخيه الوليد في صفر سنة ثمان وثمانين واستخلف عليها عبد الرحمن بن عمرو بن قحزم الخولاني، وأهل مصر إذ ذاك في شدة عظيمة، فقال زرعة بن سعد الله بن أبي زمزمة الحشني:
إذا سار عبد الله من مصر خارجا ... فلا رجعت تلك البغال الخوارج
أتى مصر والمكيال واف مغربل ... فما سار حتى سار والمد فالج.
فأهدر عبد الله بن عبد الملك دمه، فهرب إلى المغرب وكتب إلى الوليد بن عبد الملك: ألا لا تنه عبد الله عني كما قد قال يجعلني نكالا
ولم أشتم لعبد الله عرضا ... ولم آكل لعبد الله مالا
وسخط عبد الله بن عبد الملك على عمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة، فصرفه عن الشرط والقضاء وسجنه وذلك في صفر سنة تسع وثمانين، وجعل مكانه على الشرط عبد الأعلى بن خالد بن ثابت بن ظاعن الفهمي، وعلى القضاء عبد الواحد بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج، وأمر عبد الله بسقف المسجد الجامع أن يرفع سمكه، وكان سفقه مطأطئا وذلك في سنة تسع وثمانين.
Page 46