L'existentialisme : Une très courte introduction
الوجودية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
ما نفهمه من مفهوم الأعراف هو تلك الأحداث التي تمنح التجربة أبعادا ثابتة في علاقتها بسلسلة كاملة من التجارب الأخرى التي تكتسب معنى أو تبني سلسلة مفهومة أو تاريخا، أو مجددا تلك الأحداث التي ترسب في داخلي معنى، ليس فقط كأمور باقية ورواسب، لكن كدعوة إلى تكملة لاحقة؛ ضرورة المستقبل.
بعبارة أخرى: الأعراف هي مجموعة من الأحداث التي «تبني » تجربتي، لكن تعدلها تجربتي بدورها وتعيد صياغتها. فالأعراف كهياكل بنيوية - بدلا من أن تكون مجموعة منغلقة من جميع التركيبات الممكنة كتلك التي يجدها ميرلوبونتي في «لغة» سوسور، أو هياكل النسب في أنثروبولوجيا كلود ليفي شتراوس - هي قوائم من «الاحتمالات المعقدة والمتنوعة والمقيدة دائما بالظروف المحيطة»؛ وبالتالي فهي منفتحة على «مغامرات التجربة». هذا تعديل وجودي ومساهمة للاعتبارات البنيوية.
باعترافه الشخصي، لم يصغ سارتر فلسفة للغة، لكنه أصر على أن عناصرها منتشرة في جميع أعماله. كانت اللغة - في نظره - ظاهرة تعبيرية تتجاوز الكلمات إلى الرموز والإيماءات غير اللفظية. ومثل ميرلوبونتي، يرى سارتر أن مشكلة اللغة مطابقة تماما لمشكلة الأجسام؛ فأنا لا أستطيع أن أسمع نفسي أتكلم ولا أن أرى نفسي أبتسم.
من منظور أنطولوجي، تنتمي اللغة إلى تصنيف «الوجود من أجل الآخرين» في كتابه «الوجود والعدم» وإلى نطاق «الجامد العملي» في كتابه «نقد المنطق الجدلي». لكن في كلتا الحالتين، يفسر سارتر الانتقال من اللغة بصفة عامة إلى اللغات الطبيعية كالفرنسية والألمانية ثم إلى اللهجات المحلية واللغة العامية، وانتهاء بفعل التحدث الفردي باعتباره انتقالا من المجرد إلى الملموس أكثر فأكثر. سيصبح فعل التحدث الذي يقوم به الفرد الكائن أكثر ظاهرة لغوية ملموسة. واللغة، في هذا السياق، هي تقنية أساسية لتخصيص العالم وليست وسيلة لتشكيله، مثلما يصر ما بعد البنيويين. يبين هذا قول سارتر بأن «الحرية هي الأساس الممكن الوحيد لقوانين اللغة»، وهو ادعاء ينكره البنيويون إنكارا قاطعا. بعبارة أخرى: تمتد حريتنا ومسئوليتنا إلى اختيارنا للكلمات؛ وبالتالي إلى نظام اللغة نفسه (على سبيل المثال: صفتا العنصري والمتحيز لجنسه) الذي نسانده بهذه الاختيارات. هذا فهم وجودي نمطي للغة في مراعاتها للدلالة الأخلاقية الضمنية التي تتسم بها أفعالنا التعبيرية والتواصلية الملموسة. ومع هذا فهو يقيد - بشكل ملحوظ - قدرة اللغة على تشكيل المعنى إلى جانب ادعاءات ما سمي ب «المثالية اللغوية»؛ أي إنكار وجود واقع خارجي ومستقل عن اللغة التي من المفترض أن يعتمد عليها استخدامنا للكلمات.
لكن هذه العلاقة المجردة الملموسة أرخت في كتاب سارتر «نقد المنطق الجدلي» (1958). الآن حل «التطبيق العملي» (النشاط الإنساني في سياقه الاجتماعي التاريخي) محل الوجود من أجل الوجود أو الوعي، وتولى «الجامد العملي» (التطبيقات العملية السابقة المترسبة التي تقيد وتسهل في نفس الوقت التطبيقات العملية الحالية بنفس الأسلوب الذي تقيد به اللغة أفعال التحدث وتسهلها في نفس الوقت) وظيفتي الوجود في حد ذاته أو اللاوعي في كتاب «الوجود والعدم». على عكس الوجود في حد ذاته، فالجامد العملي هو مصدر الغائية المضادة، أو العواقب غير المقصودة لقراراتنا العملية. فمثلا: يمكن أن تؤدي ممارسة إزالة الغابات بغية زيادة مساحة الأراضي الصالحة للزراعة إلى تأثير مضاد عن طريق تسببها في فيضانات. يستشهد سارتر بهذا باعتباره دورا للجامد «العملي»؛ أي، كمثال لتطبيقاتنا العملية السابقة التي تعود لتنتقص من قيمة مشروعاتنا الحالية. مثل السابق، فالعلاقة بين اللغة وأفعال التحدث الخاصة تجريدية أكثر منها ملموسة. لكن الإمكانيات الموضوعية والغائيات المضادة في اللغة التي تقوم بدور الجامد العملي تطور - بشكل ملحوظ - التضاد الغامض إلى حد ما بين التجريدي والملموس في موقف سارتر السابق. ثمة ثقل كبير منسوب الآن إلى قوة اللغة من حيث إنها تمارس ما سماه الماركسي البنيوي لوي ألتوسر نوعا من «السببية البنيوية» على أفعال التحدث التي نقوم بها. من خلال مفهومه عن الجامد العملي، يعترف سارتر في الواقع بصحة علم اللغة السوسوري كما فسره ميرلوبونتي، وفي نفس الوقت يواصل إصراره على الأولوية الوجودية لتطبيقات الفرد العملية في فهمه للظواهر اللغوية.
يتمثل الهدف من هذه الدراسة المختصرة للمقاربات الوجودية للغة في الإشارة إلى الدرجة التي تصبح بها التجربة المعاشة - وليست اللغة - هي أساس المناقشات. اللغة مهمة، لكن فقط من حيث تعبيرها أو صياغتها للتجربة في علاقة متبادلة وإن كانت غالبا متوترة.
نادرا ما يمثل التهديد بالاحتجاز فيما سماه فريدريك جيمسون «سجن اللغة» مشكلة في نظر الوجوديين، بقدر ما كان كذلك في نظر العديد من المثاليين اللغويين في كل من القارة الأوروبية والعالم الناطق بالإنجليزية. بفضل نظرية القصدية لهوسرل، كان الوعي دائما «في العالم» بالفعل. وحتى عندما اتسعت دائرة اهتمام الوجوديين من الوعي إلى التجربة المعاشة ، فإن تجربة اللغة ولغة التجربة - بدلا من اللغة في حد ذاتها - هما أكثر ما أثار اهتمامهم. ومع أن تناول كتابات ميرلوبونتي الأولي للغة كان ذرائعيا على الأرجح، حسبما يتمثل في تمييز سارتر الخاطئ في كتاب «ما الأدب؟» بين الشعر والنثر من حيث قدرتهما الخاصة على الالتزام، فقد كان يتجاوز بالفعل هذه النظرة المبالغ في بساطتها إلى حد ما وصولا إلى مفهوم للغة أكثر بنيوية وقت موته. سيطور سارتر أيضا فرضيته الأولى ليكيف الجانب اللغوي وغيره من الهياكل البنيوية تحت مفهوم الجامد العملي في كتابه «نقد المنطق الجدلي». (2) البنيوية وما بعد البنيوية
ذكرت أن «الحركة» الوجودية قد انطمست بمدرستين فكريتين متعاقبتين؛ هما البنيوية وما بعد البنيوية على التوالي، ووجودهما لم يزل ملموسا حتى يومنا هذا. وسواء اتفق أعضاء المدرسة الفكرية البنيوية البارزون على هذا التحديد أم لا، فقد كان أبرز هؤلاء الأعضاء هم: عالم الأنثروبولوجيا كلود ليفي شتراوس، والمنظر الماركسي لوي ألتوسر، والمحلل النفسي جاك لاكان، والناقد الأدبي والسيميولوجي رولان بارت، وطبعا عالم اللغويات البنيوي فرديناند دي سوسور الذي وضعت أعماله في علم اللغة الأساس النظري للحركة كما رأينا في الجزء السابق. مرة أخرى، كما يوحي الاسم، فالبنيوية هي مقاربة أفلاطونية إلى حد ما للظواهر الاجتماعية تبحث عن الهياكل الموضوعية والضرورية التي توجه وتقيد بشكل واع عملياتنا وممارساتنا الفكرية. من هذا المنطلق، تعتبر عمليات التفكير التي يقوم بها «البدائيون» منطقية كتلك التي يقوم بها الأفراد العصريون. يفرق هذا المنهج بين الاعتبارات غير الزمنية للممارسة الحضارية، مثل قواعد تشكيل اللغة أو قوانين النسب لقبيلة ما، وبين جانبيه التطويري أو التاريخي، مثل الأسلوب الملموس الذي تطبق به هذه القواعد عمليا. يوجه البنيويون مزيدا من الاهتمام إلى البعد غير الزمني في هذه الظواهر خلال بحثهم عن قواعد عامة تكسب دراساتهم الخاصة وضعا علميا عاما. وهكذا يمكن توضيح علاقات النسب داخل مجتمع «بدائي» - مثلا - بأنها تتبع «منطقا» غير واع للعلاقات الثنائية (الدمج والإقصاء) التي تحدد مقدما من مسموح له بالزواج ممن، ومن ممنوع عنه عمل ذلك. في معظم الأنظمة القانونية الغربية - على سبيل المثال - ممنوع زواج الأقارب من درجة العمومة الأولى أو أقرب. لكن في المجتمعات الموصوفة بأنها «بدائية»، كما يبين ليفي شتراوس، يتبع هذا النظام للزيجات المحرمة والمباحة قواعد أكثر تعقيدا من مجرد منع زواج الأقارب. بشكل نظري، يمكن رسم هذه الأنماط أو الهياكل البنيوية حسب «رموز» معينة يفكها الباحث البنيوي. وبأسلوب مماثل، يمكن ملاحظة منطق غير واع مشابه يطبق في الأعمال الأدبية (بارت)، وفي اشتراكية ماركس العلمية (ألتوسر)، وفي إعلان لاكان الشهير بأن اللاوعي «مبني مثل اللغة»، وهي صياغة انجذب إليها سارتر برغم أنه ظل معترضا على مفهوم اللاوعي.
شكل 6-1: البنيويون البارزون يستخدمون التفكير «البدائي».
1
Page inconnue