خفت على ليلاي الباريسية من أن تمتد إليها أيديهم، فأخذتها بعيدا عنهم، وكنت لا أتردد عليهم إلا غرارا، ووحدي.
وكنت ذات مرة أسير معها على شاطئ السين، وكان الغروب يخامر السماء، وكنا على وشك قبلة تتبادل، وإذا برجل لا أعرفه ولا يعرفني، يقترب مني ويسألني عن الساعة، والسؤال عن الساعة هو أول درس يتعلمه المراهقون في عالم «البصبصة»، والحق أقول إنني ظننت الرجل لأول وهلة من سكان جزيرة تقع بين الهند وحضرموت والحبشة، فقلت لعله ساذج ، ولعله لا يقصد «البصبصة»، فأجبته إلى سؤاله، بيد أنه لم ينصرف، وسألني بنفس اللغة: أأنت شرقي أم، فقلت له: بل باريسي، وأردت أن أمعن في إبعاده، فقلت له: وهذه زوجتي.
ولكنه بعد كل هذا، وبعد غير هذا لم ينصرف، بل نظر إليها هي - لا أنا - في نهم عجيب وقال إن قسماتها تشبه قسمات فتاة يعرفها في مصر - الجديدة أو القديمة - لا أذكر.
وكنت كلما حاولت اختصار الحديث أطاله، حتى ضقت به ذرعا، ولم يبق في جعبة الصبر سهم فانطلقت على سجيتي أودعه ببعض المنتقى من قواميس بولاق وعشش الترجمان.
فقال وهو يبتسم ابتسامة أوكتافيوس إذ دخل مصر ظافرا: لقد كنت واثقا من مصريتك، فحملتك بسياستي على الإقرار، ألا تعرفني؟ أنا زكي مبارك، الذي لم تخف عليه خافية في الوجود.
ووجه ناظريه الأخضرين إلى ليلاي، وأخذ يتأمل عينيها تارة، وساقيها أخرى.
فلم أجد بدا من تركه والمضي بفتاتي إلى حيث لم أره حتى الساعة، ولما عدنا إلى البنسيون وكنا أنا وهي لا أنا وهو - نقيم في نزل واحد، سألتني: أكل المصريين زكيون مباركون؟.
فقلت: حاشا، وإنما ليس في مصر غير زكي مبارك واحد ... والحمد لله.
فقالت: سي دوماچ (أي يا خسارة)، وفسرت عبارتها بقولها إن مصر لو انطوت على كثير من أمثال الدكتور زكي، لما بقى فيها الانجليز يوما واحدا، فقلت لها: وهل تدرين أن جد الدكتور زكي هو الذي أخرج نابليون - بنفس الطريقة - من مصر؟
والعجب العاجب - يا سيدي صاحب الصباح - أنني لم أترك كتابا ولا مقالا لعدوي زكي مبارك إلا وقرأته!
Page inconnue