أتأذنين للعبد المذنب أن يحاسب سيدته الكريمة بعض الحساب؟ إن أذنت فأنا أسأل: كيف جاز لك أن تدافعي عن الأستاذ محمد؟ ألم تقرئي ما كتب في الصباح؟ ألم تنظري كيف أهان الحب فجعله ضربا من اللهو والمجون؟
أنا يا سيدتي لا أجهل فضل هذا الصديق، ولن أنسى مروؤته ما حييت، ولكني أراه في حاجة إلى تقويم وتثقيف، وسأدخل في دمه شيئا من الحديد، وسيذكرني بالخير يوم يعرف أني أنشأته خلقا جديدا.
ما هذا؟ أراني أخطو إلى مكاشفته بما في نفسي، لا، اسمحي لي أن أحبس قلمي، فعندي صواعق سأصبها فوق رأسه إن حدثته النفس بمصاولتي، وأرجوك أن تأذني بطرده نهائيا من جنة الحب، فلا يعود إليها إلا إن تاب وأناب، ولست باليائس من أن يتوب وينيب، فعطفك عليه خليق بأن يغمر قلبه في كوثر الصفاء.
لا تؤاخذيني يا سيدتي، فقد امتلأ قلبي بالحقد على هذا الصديق، لا تؤاخذيني فقد كنت أظن أنني رفعت قدر الحب بعد أن شغلت قلبي وقلمي بالحديث عنه عشرين عاما أو تزيد، ثم عرفت واأسفاه أن في مصر كاتبا اسمه الأستاذ محمد يستبيح لنفسه أن يقول إنه زار معشوقة الدكتور زكي مبارك وإنها أطلعته على الخطابات المعطرة التي يرسلها من بغداد.
ألم تقرئي هذا الكلام يا سيدتي؟ ألم تعجبي من الجرأة التي زينت له أن يكتب خطابا على لساني ليزعم أنه خطاب كتبته في بغداد إلى ليلاي في الزمالك؟
أرجو أن تعرفي أن هذا المزاح لا يضايقني لأنه لا يفضحني أمام أحد، فكل كاتب يمكن أن تزور باسمه رسائل الحب، إلا زكي مبارك؛ لأن لي أنفاسا حرارا يعرف الناس بها أدبي، ولا يستطيع الأستاذ محمد ولا ألف من أمثاله أن يلفقوا على حسابي ما يشتهون.
ولكن لا بأس، فهذا صديق يثق بالسلامة من شر غضبي، ولو كنت في القاهرة لأدبته بيدي، فإن سمعت في الصيف المقبل أنني قتلت رجلا فسيكون ذلك الأفاك الأثيم.
أما الدكتور سعيد عبده فلا يهمني من أمره غير الاطمئنان على صحته الغالية، فقد رأيته يتوكأ على عصا، والدنيا سخيفة كل السخف حين تسمح بأن يتوكأ الدكتور سعيد عبده على عصا، ذلك الفتى البسام الذي جاد قلمه بأجود الرسائل وأطيب الأقاصيص.
ثم ماذا يا سيدتي؟
ثم تدلينني على منزلك في الزمالك فتقولين: «فإذا سرت يمينا ثم شمالا تجد بيتي في مواجهتك ينهض على أعمدة من البلور وتصعد إليه على درجات من المرمر، فإذا سرت في أبهائه فأنت مسحور مأخوذ مبهور الأنفاس».
Page inconnue