============================================================
الوحيد في سلوك أهل التوحيد وهذه هي حقيقة الاستسلام والتسليم لله تعالى فيما هو له من غير ترو ولا تثبط ولا سؤال ولا اعتراض ولا اختيار في هذا الموطن العظيم، وهو ذبح الوالد لولده بيده، ورضا الولد بالذبح لنفسة، وهذا موطن يتحقق فيه الاختيار وتظهر فيه حقائق الخلة، وتقوم به الحجة على كل ملة، وإن كان المرئي المذبوح- وهو الكبش- مستعذا في صورة إسماعيل لموقع الاختيار، فقد عزم الخليل القلية على ذبح ولده إسماعيل، وكان المراد العزم على الذبح لا وقوع الذبح، وحصل الذبح للكبش لقوله تعالى: قد صدقت الرويا [الصافات: 105]، ولم يقل المرئي، وثبت المقام للخليل ولولده إسماعيل فما أسعدهم لا جرم، أتاه النداء بالتصديق، وعجل له بالفداء على التحقيق، وقيل له: {إنا كذلك نجزي المحسنين [الصافات: 105] وكان ذلك هو البلاء المبين.
ولم يكن ذلك لأحد قبل إبراهيم القليه، وقد أقيما في درحة الإحسان؛ لأنه محل العبادة على الشهود ودرحة الإسلام، كما تقدم عن نبيك سيدنا محمد في سؤال السيد جبريل الليل عن الإسلام والإيمان والإحسان فقال في الإحسان: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك(1)،.
وقد قيل في ذلك: أراك بعين القلب في مضمر الحشا وليس على عين الفؤاد رقيب خيالك في عيني وذكرك في فمي وحيك في قلبي فكيف تغيب وقد تقدم للسيد إبراهيم الليه فيما نقله الأخيار حديث كثرة غنمه.
وأنه كان له خمسة آلاف كلب مطوقة بالذهب لحراسة الغنم، فسمع اثنين يقولان: لا إله إلا الله فأهاج بلبابه ذكر الحبيب حين ذكراه، فقال هماء أعيدا علي هذا الصوت، فقالاء بنصف غنمك يا إبراهيم، فقال لهماء ولكما النصف، فأعاداه، فقال لهما أعيداه ثانيا فقالاء بنصف غنمك الآخر، فقال هما: ولكما النصف، فأعاداه، فقال لهما: أعيدا علي ثالثا وخذاني لكما عبدا أخدمكما، فرجعا عن حالهما وقالا له: (1) رواه البخاري (27/1)، ومسلم (37/1).
Page 46