Le Wafa dans les conditions du Mustafa

Ibn al-Jawzi d. 597 AH
30

Le Wafa dans les conditions du Mustafa

الوفا بأحوال المصطفى

Chercheur

مصطفى عبد القادر عطا

Maison d'édition

دار الكتب العلمية

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

1408هـ-1988م

Lieu d'édition

بيروت / لبنان

قول الله تعالى في السفر الأول من ( التوراة ) لإبراهيم عليه السلام : | ( قد أجبت دعاءك في إسماعيل ، وباركت عليه ، وكثرته وعظمته جدا جدا ، وسيلد اثني عشر عظيما ، وأجعله لأمة عظيمة ) . | ثم أخبر موسى بمثل ذلك في السفر وزاد شيئا . | يقال فلما خرجت هاجر من سارة تراءى لها ملك الله وقال : يا هاجر أمة سارة ، ارجعي إلى سيدتك واخضعي لها ، فإني سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصوا كثرة ، وها أنت تحبلين وتلدين ابنا وتسمينه إسماعيل ، لأن الله تعالى قد سمع خشوعك ، وتكون يده فوق يد الجميع ، ويد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع . | قال ابن قتيبة : فتدبر هذا القول ، فإن فيه دليلا بينا على أن المراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم . | لأن إسماعيل لم تكن يده فوق يد إسحاق ، ولا كانت يد إسحاق مبسوطة إليه بالخضوع ، وكيف يكون ذلك والملك والنبوة في ولد إسرائيل والعيص ، وهما أبناء إسحاق ، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم انتقلت النبوة إلى ولد إسماعيل فدانت له الملوك وخضعت له الأمم ، ونسخ الله به كل شريعة ، وختم به النبيين ، وجعل لهم الخلافة والملك في آخر الزمان ، فصارت أيديهم فوق أيدي الجميع ، وأيدي الجميع بالرغبة إليهم مبسوطة بالخضوع . | ومن أعلامه في ( التوراة ) قال : ( جاء الله من سيناء وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران ) . | وليس بهذا خفاء على من تدبره ولا غموض ؛ لأن مجيء الله من سيناء إنزاله التوراة على موسى بطور سيناء ، هكذا هو عند أهل الكتاب وعندنا وكذلك يجب أن يكون إشراقه من ساعير إنزاله على المسيح الإنجيل ، وكان المسيح يسكن ساعير بأرض الخليل بقرية تدعى ناصرة ، وباسمها سمي من اتبعه نصارى ، وكما وجب أن يكون إشراقه من ساعير بالمسيح فكذلك يجب أن يكون استعلانه من جبال فاران بإنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم في جبال فاران ، وهي جبال مكة ، وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أن فاران هي مكة . فإن ادعوا أنها غير مكة وليس بنكير من تحريفهم وإفكهم قلنا : أليس في التوراة أن إبراهيم أسكن هاجر وإسماعيل فاران ؟ | وقلنا : دلونا على الموضع الذي استعلن الله منه واسمه فاران ، والنبي الذي أنزل عليه كتابا بعد المسيح . | أو ليس استعلن وعلن بمعنى واحد وهما ظهر وانكشف ؟ | فهل تعلمون دينا ظهر ظهور الإسلام وفشا في مشارق الأرض ومغاربها فشوه . | ومن أعلامه في ( التوراة ) : قال الله تعالى لموسى في ( السفر الخامس ) : إني أقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك ، أجعل كلامي على فمه . | فمن ( من ) إخوة بني إسرائيل إلا هو ( ابن ) إسماعيل ، كما تقول : بكر وتغلب أبناء وائل ، ثم تقول تغلب أخو بكر ، وبنو تغلب إخوة بني بكر . يرجع في ذلك إلى أخوة الأبوين . | فإن قالوا : هذا النبي الذي وعد الله أن يقيمه لهم هو أيضا من بني إسرائيل ، لأن بني إسرائيل إخوة بني إسرائيل ، أكذبتهم التوراة وأكذبهم النظر ؛ لأن في التوراة أنه لم يقم في بني إسرائيل مثل موسى . | وأما النظر : فإنه لو أراد أني أقيم لهم نبيا من بني إسرائيل مثل موسى ، لقال : أقيم لهم من أنفسهم مثل موسى . ولم يقل من إخوتهم . كما لو أن رجلا قال لرسوله : ائتني ، برجل من بني تغلب بن وائل . فلا يجب أن يأتيه برجل من بني بكر . | قال ابن قتيبة : ومن قول حبقون المتنبىء في زمان دانيال قال حبقون : جاء الله من التيمن والقديس من جبال فاران ، فامتلأت الأرض من تحميد أحمد وتقديسه ، وملك الأرض بيمينه ورقاب الأمم . | قال : وقال أيضا : تضيء لنوره الأرض وتحمل خيله في البحر . | وزاد في بعض أهل الكتاب : أنه قيل في كلام حبقون : وستترع في قسيك إتراعا وترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء . | وهذا إفصاح باسمه وصفاته . | فإن ادعوا أنه غير نبينا وليس ذلك بنكر من جحدهم وتحريفهم : فمن أحمد الذي امتلأت الأرض من تحميده ، والذي جاء من جبال فاران فملك الأرض ورقاب الأمم . | قال ابن قتيبة : ومن ذكر شعيا له عن الله عز وجل : عبدي الذي سرت به نفسي . | وترجمه آخر فقال : عبدي ، خيرتي ، رضى نفسي ، أفيض عليه روحي . | وترجمه آخر فقال : أنزل عليه وحيي ، فيظهر في الأمم عدله ، ويوصي الأمم بالوصايا ، لا يضحك ولا يسمع صوته في الأسواق ، يفتح العيون العور ، ويسمع الآذان الصم ، ويحيي القلوب الغلف ، وما أعطيته لا أعطي أحدا غيره ، أحمد يحمد الله حمدا حديثا ، يأتي من أقصى الأرض ، يفرح البرية وسكانها ، يهللون الله على كل شرف ، ويكبرونه على كل رابية . | وزاد آخر في الترجمة : لا يضعف ولا يغلب ، ولا يميل إلى الهوى ، ولا يسمع في الأسواق صوته ، ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة ، بل يقوي الصديقين ، وهو ركن المتواضعين ، وهو نور الله الذي لا يطفأ ولا يخصم حتى يثبت في الأرض حجتي وينقطع به العذر ، وإلى توراته تنقاد الجن . | وهذا إفصاح باسمه وبصفاته . | فإن قالوا : أي توراة له ؟ | قلنا : أراد أنه يأتي بكتاب يقوم مقام التوراة لكم . | ومنه قول كعب : شكا بيت المقدس إلى الله تعالى الخراب ، فقيل له : لأبدلنك توراة محدثة ، وعمالا محدثين ، يزفون بالليل زفيف النسور ، ويتحننون عليك كما تتحنن الحمامة على بيضها ، ويملأونك خدودا سجدا . | قال ابن قتيبة : ومن ذكر شعيا له قال : ( أنا الله ، عظمتك بالحق ، وجعلتك نور الأمم وعهد الصيفون ، لتفتح أعين العميان ، وتنقذ الأسرى من الظلمات إلى النور ) . | قال : وقال في الفصل الخامس : ( إيليا من سلطانه على كتفه ) . | يريد : علامة نبوته على كتفه هذا في التفسير السرياني . فأما في العبراني فإنه يقول : على كتفه علامة النبوة . | قال ابن قتيبة : ومن ذكر داود له في الزبور : ( سبحوا الرب تسبيحا حديثا ، سبحوا الذي هيكله الصالحون ، ليفرح إسرائيل بخالقه وبيوت صهيون ، من أجل أن الله اصطفى له أمته وأعطاه النصر وشدد الصالحين منه بالكرامة ، يسبحونه على مضاجعهم ويكبرون الله بأصوات مرتفعة ، بأيديهم سيوف ذات شفرتين ، لينتقموا ( لله ) من الأمم الذين لا يعبدونه ، يوثقون ملوكهم بالقيود وأشرافهم بالأغلال ) . | قال ابن قتيبة : فمن هذه الأمة التي سيوفها ذات شفرتين من غير العرب ؟ | ومن المنتقم بها من الأمم الذين لا يعبدونه ؟ | ومن المبعوث بالسيف من الأنبياء غير نبينا صلى الله عليه وسلم ؟ | قال ابن قتيبة : وفي مزمور آخر : ( تقلد أيها الجبار السيف ، فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك ، وسهامك مسنونة ، والأمم يخرون تحتك ) . | فمن متقلد السيف من الأنبياء غير نبينا صلى الله عليه وسلم ؟ | ومن خرت الأمم تحته غيره صلى الله عليه وسلم ؟ | ومن قرنت شرائعه بالهيبة ، فإما القبول أو الجزية أو السيف ؟ | ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم : ( ونصرت بالرعب ) . | قال : وفي مزمور آخر : ( أن الله أظهره من صيفون إكليلا محمودا . | ضرب الإكليل مثلا للرياسة والإمامة ومحمود : هو محمد صلى الله عليه وسلم . | قال : وفي مزمور آخر : ( أنه يحوز من البحر ( إلى النهر ) ومن لدن الأنهار ( إلى الأنهار ) إلى منقطع الأرض ، وأن تخر أهل الجزائر بين يديه على ركبهم ويلحس أعداؤه التراب ، تأتيه الملوك بالقرابين وتسجد له ، وتدين له الأمم بالطاعة والانقياد ، لأنه يخلص المضطهد البائس ممن هو أقوى منه ، وينقذ الضعيف الذي لا ناصر له ، ويرأف بالضعفاء والمساكين ، وأنه يعطى من ذهب بلاد سبأ ، ويصلى عليه في كل وقت ، ويبارك في كل يوم ، ويدوم ذكره إلى الأبد ) . | قال ابن قتيبة : فمن هذا الذي ملك ما بين البحر والنهر وما بين دجلة والفرات إلى منقطع الأرض ، ومن ذا الذي يصلى عليه ويبارك في كل وقت من الأنبياء غيره ؟ | قال : وفي موضع آخر من ( الزبور ) قال داود : ( اللهم ابعث حامل السنة ، حتى يعلم الناس أنه بشر ) . | وهذا إخبار عن المسيح وعن محمد صلى الله عليه وسلم قبلهما بأحقاب . يريد : ابعث محمدا حتى يعلم الناس أن المسيح بشر . | يعلم داود أنهم سيدعون للمسيح ما ادعوا . | قال : وفي شعيا : ( قيل لي : قم نظارا فانظر ما ترى فخبر به قلت : أرى راكبين مقبلين ، أحدهما على حمار والآخر على جمل ، يقول أحدهما للآخر : سقطت بابل وأصنامها المنجرة ) . | قال : فصاحب الحمار عندنا وعند النصارى هو المسيح ، فإذا كان صاحب الحمار المسيح فلم لا يكون محمد صلى الله عليه وسلم صاحب الجمل ؟ | أو ليس سقوط بابل والأصنام المنجرة به وعلى يديه ، لا بالمسيح ؟ ولم يزل في إقليم بابل ملوك يعبدون الأوثان من لدن إبراهيم عليه السلام . أو ليس هو بركوب الجمل أشهر من المسيح بركوب الحمار ؟ |

( ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في ( الإنجيل ) )

قال ابن قتيبة : فأما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في ( الإنجيل ) : |

Page 61