فإن قيل كيف قابل اتقى باستغنى وهل يمكن العبد أن يستغني عن ربه طرفة عين
قيل هذا من أحسن المقابلة فإن المتقي لما استشعر فقره وفاقته وشدة حاجته إلى ربه اتقاه ولم يتعرض لسخطه وغضبه ومقته بارتكاب ما نهاه عنه فإن من كان شديد الحاجة والضرورة إلى شخص فإنه يتقي غضبه وسخطه عليه غاية الإتقاء ويجانب ما يكرهه غاية المجانبة ويعتمد فعل ما يحبه ويؤثره فقابل التقوى بالإستغناء تبشيعًا لحال تارك التقوى ومبالغة في ذمه بأن فعل فعل المستغني عن ربه لا فعل الفقير المضطر إليه الذي لا ملجأ له إلا إليه ولا غنى له عن فضله وجوده وبره طرفة عين فلله ما أحلى هذه المقابلة وما أجمع هاتين الآيتين للخيرات كلها وأسبابها والشرور كلها وأسبابها فسبحان من تعرف إلى خصائص عباده بكلامه وتجلى لهم فيه فهم لا يطلبون أثرًا بعد عين ولا يستبدلون الحق بالباطل والصدق بالمين
وقد تضمنت هاتان الآيتان فصل الخطاب في مسألة القدر وإزالة كل لبس وإشكال فيها وذلك بين بحمد الله لمن وفق لفهمه ولهذا أجاب بها النبي من أورد عليه السؤال الذي لا يزال الناس يلهجون به في القدر فأجاب بفصل الخطاب وأزال الأشكال ففي الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب ﵁ عن النبي أنه قال " ما منكم من أحد إلا وقد علم
1 / 63