264

La médecine prophétique

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Maison d'édition

دار الهلال

Numéro d'édition

-

Lieu d'édition

بيروت

وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَكُلُّ هَذِهِ عِلَلٌ مُنْتَقِضَةٌ، إِذْ تُوجَدُ الْعِلَّةُ، وَيَتَخَلَّفُ مَعْلُولُهَا.
فَالصَّوَابُ أَنَّ الْعِلَّةَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- مَا يُكْسِبُ اسْتِعْمَالُهَا الْقَلْبَ مِنَ الْهَيْئَةِ، وَالْحَالَةِ الْمُنَافِيَةِ لِلْعُبُودِيَّةِ مُنَافَاةً ظَاهِرَةً، وَلِهَذَا عَلَّلَ النَّبِيُّ ﷺ بِأَنَّهَا لِلْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا، إِذْ لَيْسَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ الَّتِي يَنَالُونَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ نَعِيمَهَا، فَلَا يَصْلُحُ اسْتِعْمَالُهَا لِعَبِيدِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلُهَا مَنْ خَرَجَ عَنْ عُبُودِيَّتِهِ، وَرَضِيَ بِالدُّنْيَا وَعَاجِلِهَا مِنَ الْآخِرَةِ.
حَرْفُ الْقَافِ
قُرْآنٌ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ «١» وَالصَّحِيحُ: أَنَّ «مِنْ» هَاهُنَا، لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا للتبعيض، وقال تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ «٢»
فَالْقُرْآنُ هُوَ الشِّفَاءُ التَّامُّ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْوَاءِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ، وَأَدْوَاءِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَا كُلُّ أَحَدٍ يُؤَهَّلُ وَلَا يُوَفَّقُ لِلِاسْتِشْفَاءِ بِهِ، وَإِذَا أَحْسَنَ الْعَلِيلُ التَّدَاوِيَ بِهِ، وَوَضَعَهُ عَلَى دَائِهِ بِصِدْقٍ وَإِيمَانٍ، وَقَبُولٍ تَامٍّ، وَاعْتِقَادٍ جَازِمٍ، وَاسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ، لَمْ يُقَاوِمْهُ الدَّاءُ أَبَدًا.
وَكَيْفَ تُقَاوِمُ كَلَامَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ الَّذِي لَوْ نَزَلَ عَلَى الْجِبَالِ، لَصَدَّعَهَا، أَوْ عَلَى الْأَرْضِ، لَقَطَّعَهَا، فَمَا مِنْ مَرَضٍ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ إِلَّا وَفِي الْقُرْآنِ سَبِيلُ الدِّلَالَةِ عَلَى دَوَائِهِ وَسَبَبِهِ، وَالْحَمِيَّةِ مِنْهُ لِمَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ فَهْمًا فِي كِتَابِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى الطِّبِّ بَيَانُ إِرْشَادِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إِلَى أُصُولِهِ وَمَجَامِعِهِ الَّتِي هِيَ حِفْظُ الصِّحَّةِ وَالْحِمْيَةُ، وَاسْتِفْرَاغُ الْمُؤْذِي، وَالِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ أَفْرَادِ هذه الأنواع.

(١) الإسراء- ٨٢.
(٢) يونس- ٥٧.

1 / 266