263

La médecine prophétique

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Maison d'édition

دار الهلال

Numéro d'édition

-

Lieu d'édition

بيروت

الْمَجَالِسِ، لَا تُغْلَقُ دُونَهُ الْأَبْوَابُ، وَلَا تُمَلُّ مُجَالَسَتُهُ، وَلَا مُعَاشَرَتُهُ، وَلَا يُسْتَثْقَلُ مَكَانُهُ، تُشِيرُ الْأَصَابِعُ إِلَيْهِ، وَتَعْقِدُ الْعُيُونُ نِطَاقَهَا عَلَيْهِ، إِنْ قَالَ، سُمِعَ قَوْلُهُ، وَإِنْ شَفَعَ، قُبِلَتْ شَفَاعَتُهُ، وَإِنْ شَهِدَ، زُكِّيَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ خَطَبَ فَكُفْءٌ لَا يُعَابُ، وَإِنْ كَانَ ذَا شَيْبَةٍ بَيْضَاءَ، فَهِيَ أَجْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ حِلْيَةِ الشَّبَابِ.
وَهِيَ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الْمُفْرِحَةِ النَّافِعَةِ مِنَ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْحَزَنِ، وَضَعْفِ الْقَلْبِ وَخَفَقَانِهِ، وَتَدْخُلُ فِي الْمَعَاجِينِ الْكِبَارِ، وَتَجْتَذِبُ بِخَاصِّيَّتِهَا مَا يَتَوَلَّدُ فِي الْقَلْبِ مِنَ الْأَخْلَاطِ الْفَاسِدَةِ، خُصُوصًا إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى العسل المصفى، والزغفران.
وَمِزَاجُهَا إِلَى الْيُبُوسَةِ وَالْبُرُودَةِ، وَيَتَوَلَّدُ عَنْهَا مِنَ الْحَرَارَةِ وَالرُّطُوبَةِ مَا يَتَوَلَّدُ، وَالْجِنَانُ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ ﷿ لِأَوْلِيَائِهِ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ أَرْبَعٌ: جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَحِلْيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ ﷺ فِي «الصَّحِيحُ» مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ: «الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» «١» .
وَصَحَّ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» «٢» .
فَقِيلَ: عِلَّةُ التَّحْرِيمِ تَضْيِيقُ النُّقُودِ، فَإِنَّهَا إِذَا اتُّخِذَتْ أَوَانِيَ فَاتَتِ الْحِكْمَةُ الَّتِي وُضِعَتْ لِأَجْلِهَا مِنْ قِيَامِ مَصَالِحِ بَنِي آدَمَ، وَقِيلَ: الْعِلَّةُ الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ.
وَقِيلَ: الْعِلَّةُ كَسْرُ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إِذَا رَأَوْهَا وَعَايَنُوهَا.
وَهَذِهِ الْعِلَلُ فِيهَا مَا فِيهَا، فَإِنَّ التَّعْلِيلَ بِتَضْيِيقِ النُّقُودِ يَمْنَعُ مِنَ التَّحَلِّي بِهَا وَجَعْلِهَا سَبَائِكَ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَيْسَ بِآنِيَةٍ وَلَا نَقْدٍ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ حَرَامٌ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَكَسْرُ قُلُوبِ الْمَسَاكِينِ لَا ضَابِطَ لَهُ، فَإِنَّ قُلُوبَهُمْ تَنْكَسِرُ بِالدُّورِ الْوَاسِعَةِ، وَالْحَدَائِقِ الْمُعْجِبَةِ، وَالْمَرَاكِبِ الْفَارِهَةِ، وَالْمَلَابِسِ الْفَاخِرَةِ، وَالْأَطْعِمَةِ اللَّذِيذَةِ،

(١) أخرجه البخاري في الأشربة، ومسلم في اللباس والزينة.
(٢) أخرجه البخاري في الأطعمة.

1 / 265