ثم صمتت حينا وعادت تقول: ولكن لا بد أن تترك هذا البيت، كيف؟ أأخبر وفية؟ وماذا ستفعل؟ إذا طلبت هي طردها عرف الجميع، لا بد أن تطلب هي الخروج، واحد فقط يستطيع أن يقول لها اطلبي ترك البيت، هو يسري، ولكن لن أخبره، ماذا أفعل؟ لمن أقول؟ نعم هناك حل.
وخرجت فايزة من الحجرة في خفة وسعت على أطراف أصابعها ونزلت إلى الطابق الأسفل ودخلت إلى مكتب أبيها، وجلست حتى ليظن من يراها أنها جاءت إلى هذا الحجرة من الخارج مباشرة، فكأنها ما صعدت، وكأنها ما رأت، وكأنها ما زالت تحيا في تلك الفرحة المنتشية التي صحبتها من عند الطبيب، والتي فقدتها عند دولت.
دقت فايزة الجرس وكتبت على ورقة كلاما، وحين جاء الخادم قالت له: خذ سيارة أجرة واذهب بها إلى بيت خيري بك، أعطه هذه الورقة وارجه أن يأتي معك في السيارة، وإذا لم تجده فانتظره حتى يعود، لا تعد من غيره.
وأومأ الخادم أن نعم، وخرج في طريقه إلى خيري، والتقى في فناء الدار بوفية وجميل. وكانت وفية تحث الخطى في سعادة متوثبة ضاحكة، استخفها الفرح حتى لم تملك نفسها أن تسأل الخادم: هل جاء الباشا والست؟
مع أنها تعلم أنهما لن يعودا قبل المساء. ولم تنتظر الإجابة، بل واصلت سيرها الحثيث حتى بلغت البهو الداخلي تريد أن تواصل سيرها إلى الطابق الأعلى حيث تتوقع أن تجد فايزة. ولكن مكتب أبيها ذا الباب المفتوح استرعى انتباهها فالتفتت فوجدت فايزة جالسة، فذهبت إليها ودون أن تلحظ ما بها كتبت لها: «هل أخبرت يسري؟»
فقالت فايزة في جفاء وإصرار وألم ومرارة: لم أره.
وأحست وفية ما في صوت أختها، فكتبت وهي تعجب في نفسها: «أن لم يأت؟»
وأجابت فايزة في نفس النغمة المريرة: لا أعرف.
وكتبت وفية: «ألم تصعدي إلى الطابق الأعلى؟»
وقالت فايزة في حزم وتماسك وقد أوشكت أن تنهار: لا.
Page inconnue