وما ذكرُه متعقّبٌ؛ فليسَ النسخُ مختصًا بالكتابِ الكريمِ، بلْ يقع في الكتابِ، وفي السنةِ النبويةِ، أيضًا (^١).
دليلُ اشتراطِ معرفةِ الناسخِ والمنسوخِ: أنَّ الحُكمَ المنسوخَ بَطَلَ العملُ به بنسخِه، وصارَ العملُ بالناسخ، وقد تُفْضِي عدمُ معرفةِ المجتهدِ بالناسخِ من المنسوخِ إلى العملِ بالحُكمِ المنسوخِ، وتركِ الناسخِ (^٢).
الشرط الرابع: معرفةُ سببِ نزولِ الآيةِ، وسببِ ورودِ الحديثِ.
مِن الشروطِ المعتبرةِ في المجتهدِ: معرفةُ سببِ نزولِ الآيةِ، وسببِ ورودِ الحديثِ (^٣).
إذا نَظَرَ المجتهدُ في آيةٍ مِنْ آياتِ الأحكامِ، لزمه العلمُ بسببِ نزولها، إنْ كانَ لها سببُ نزولٍ (^٤)؛ لما في معرفةِ سببِ النزولِ مِنْ أثرٍ في معرفةِ المرادِ بالآيةِ، وما يتعلق بها مِنْ تخصيصٍ أو تعميمٍ (^٥).
ويؤكِّدُ أبو إسحاقَ الشاطبي على أهميةِ معرفةِ أسبابِ النزولِ لمَنْ أرادَ فهمَ القرآنِ على الوجهِ الصحيحِ، فيقول: "الجهلُ بأسبابِ التنزيلِ مُوقعٌ في الشبهِ والإشكالاتِ، ومُوْرِدٌ للنصوص الظاهرةِ مَوْرِد الإجمالِ حتى يقعَ الاختلافُ، وذلك مظنّة وقوعِ النزاعِ" (^٦).
وإذا نَظَرَ المجتهدُ في حديثٍ مِنْ أحاديثِ الأحكام، لزمه معرفةُ سببِ ورودِه، إنْ كانَ له سببُ ورودٍ (^٧)؛ للعلةِ ذاتِها المذكورةِ في معرفةِ سببِ نزولِ الآيةِ.
(^١) انظر: نفائس الأصول (٩/ ٤٠١٧)، ونهاية الوصول للهندي (٨/ ٣٨٢٩).
(^٢) انظر: شرح مختصر الروضة (٣/ ٥٨٠)، والإبهاج في شرح المنهاج (٧/ ٢٩٠٠)، والبحر المحيط (٦/ ٢٠٣)، ونهاية السول (٤/ ٥٥٣).
(^٣) انظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (٤/ ١٦٣)، وشرح الكوكب الساطع للسيوطي (٤/ ١٢٢).
(^٤) انظر: نهاية الوصول للهندي (٨/ ٣٨٣٠).
(^٥) انظر: تشنيف المسامع (٤/ ٥٧١)، والتحبير (٨/ ٣٨٧٥).
(^٦) الموافقات (٤/ ١٤٦).
(^٧) انظر: التحبير (٨/ ٣٨٧٥).