وليس الذكر كالأنثى
[آل عمران: 36] فإن قولها، ما فى بطنى، أرادت به الذكر، والمراد بها شدة الصوت، والأكثر فى الصاعقة صوت مع نار، أو نار بلا صوت، لا تمر على شىء إلا أحرقته، وذلك من الجو، وقد يكون معها حجر أو حديد، ويجوز حمل الآية على الصوت مع النار، على أنهم توهموا أن عدم سماع ذلك الصوت منج لهم من أن تصيبهم نار، فيكون الكلام تمثيلا بقوم شأنهم التوهم، فجعلوا أصابعهم فى آذانهم لئلا يسمعوا . ولا يصح ما قيل، إن المشهور أن الصاعقة لرعد الشديد معه قطعة نار، بل هى قطعة النار سواء مع صوت أو دونه وهو فى الأصل صفة من الصعق، بمعنى الصراخ وتاؤه للتأنيث صفة لمؤنث، أو للمبالغة، كراوية لكثير رواية الشعر، وليس قولهم للنقل من الوصفية إلى الاسمية خارجا عن ذلك لأن حاصله أنه كان وصفا مؤنثا بالتاء، ثم صار اسما وقيل مصدر كالعافية والعاقبة { حذر الموت } لأجل حذر الموت بالسمع، وهو تعليل للعلة الأولى التى هى قوله من الصواعق مع معلله، وإنما الممنوع ترادف علل على معلول مجرد بلا تبعية، أو يقدر حاذر بن الموت. أو ذى حذر الموت، أو يجدونها حذر الموت وحاصل الشبه بالصيب المذكور أن القرآن شبيه بالمطر، إذ هو سبب لحياة الدنيا، والقرآن سبب لحياة القلوب، وأن الكفر شبيه بالظلمات فى مطلق الإهلاك وعدم الاهتداء، وفى مطلق الحيرة، والوعيد عليه شبيه بالرعد فى الإرهاب، والحجج شبيهة بالبرق فى الظهور والحسن. وسد آذانهم عن سماع القرآن شبيه بسدها عن الصواعق، وترك دينهم شبيه بالموت عندهم، وذلك تشبيه مفردات بمفردات، وإن شئت فتشبيه مجموع بمجموع تمثيلى { والله محيط بالكفرين } بأجسامهم واعتقادهم وأقوالهم وأفعالهم، ولا يخفى عنه ما يعاقبهم عليه، أو قل، وعقاب الله محيط بالكافرين، شبه قدرته بإحاطة المحيط بالشىء، تشبيه الكامل بالناقص على الاستعارة الأصلية، واشتق منه محيط على التبعية، أو الاستعارة تمثيلية، أو الإحاطة الإهلاك ون معناه، أحاطت به خطيئته، أو عالم علم مجازاة، ومن معناه، وأحاط بما لديهم.
[2.20]
{ يكاد البرق } المعهود فى الآية قبل { يخطف أبصرهم } أبصار أهل الصيب، يقرب أن يأخذها بسرعة، وإسناد الخطف إلى البرق مجاز للسببية ونفى كاد نفى، وإثباتها إثبات كسائر الأفعال، وغير هذا تخليط، وإذا قلت، كاد يقوم فمعناه قرب، وإذا قلت، لم يكد يقوم فمعناه لم يقرب، وإذا قيل، لم يكد يقوم مع أنه قام فمعناه أنه لم يقرب للقيام، ثم قرب وقام { كلما أضاء } ظهر البرق أو أظهر البرق الطريق { لهم مشوا فيه } يمشون فى ضوئه كل إضاءة أى كل وقت إضاءة، أو فى الطريق المدلول عليه بالشىء، كما قدر بعض، كلما أضاء لهم ممشى مشوا فيه، وذلك أن المشى فى مطرح البرق لا فى البرق، والهاء للبرق، وكل ظرف لإضافته إلى المصدر المنسبك بما المصدرية المستعمل ظرفا، كجئت طلوع الشمس، ويجوز أن يكون لازما بمعنى وقع، كما فسرته أولا، كلما لمع مشوا فى مطرح ضوئه { وإذا أظلم } الطريق المسدود عليه، أو أظلم البرق، أى زال، أو الجو { عليهم قاموا } أمسكوا عن الشىء { ولو شاء الله } أى لو شاء إذهاب أسماعهم وأبصارهم { لذهب بسمعهم } أى بسمع المنافقين، الإضاءة للحقيقة أو الاستغراق، وكأنه قيل، بأسماعهم، كما قال { وأبصرهم } عيون المنافقين الظاهرة كما ذهب ببصائر قلوبهم الباطنة فلا تقبل الحق، ويجوز عود الهاءين لأصحاب الصيب، لأن بصائرهم ولو كانت لا تعمى بالظلمات لكن المراد التنوية للصيب وشأنه المشبه بهما حال المنافقين، فإن تقويتهما تقوية لحالهم فى الهول، فيكون شبههم بالمستوقد، ثم بالصيب الموصوف بما ذكر، وبأنه لولا أن الله حفظ سمع أهله وأبصارهم لذهبت بالبرق والرعد، ومشيهم فى البرق تشبيه لميلهم إلى بلاغة القرآن، وصدقه، ووعده بالخير، وإمساكهم عن المشى عند ذهاب البرق، وتشبيه لوقوفهم عما يكرهون من تسفيه دينهم، ورفض آلهتهم، والمشيئة والإرادة بمعنى، ولا يصح ما قيل إن أصل لمشيئة لإيجاد واستعمل بمعنى الإرادة، والباء للتعدية، أى أذهب أسماعهم، وقيل، ذهبت بكذا ذهبت معه، وإذا لم يذهب فللتعدية، أو مجاز فى المعية { إن الله على كل شيء قدير } أى على كل شىء ممكن وأما المستحيل فى حقه، كاتخاذ الصاحبة والولد فلا تقل هو قادر عليه، لأن الاتصاف بالقدرة عليه اتصاف بجوازه، ولا غير قادر عليه، لأن هذه صبغه عجز، تعالى عنها، ولأنها فرع عن تقرره هكذا فى الجملة، وهو غير متقرر، تعالى عنه، أو المعنى على كل شىء شاءه هؤلاء لا يرده عما أراد وقوعه، ومع ذلك هو قادر على إيقاع لم يسبق قضاؤه بوقوعه من الممكنات إجماعا، وما لم يكن ولا يكون لا يسمى شيئا، ونسبه بعض أصحابنا، وقيل شىء، وهو الصحيح عندى، وأما المستحيل فلا يسمى شيئا، والآية ونحوها من الآى والحديث تدل على جوازه فى كل معلوم ممكن، ويطلق على المحال بمعنى ملاحظته، ولا يقال قادر عليه ولا غير قادر، ومعنى: وقد خلقك من قبل ولم تك شيئا: لم تكن شيئا موجودا، بل شيئا معدوما.
[2.21]
{ يأيها الناس } لم يقع النداء فى القرآن بغير يا، وهى الأصل، فما حذف منه حرف النداء، مثل: { ربنا لا تؤاخذنا } ، وآية المؤمنون قدر فيه ياء، لذكرها فى غيره ولأصالتها، ويأيها الناس مكى، وقل مدنيا، كما فى هذه السورة والنساء والحجرات، فإنهن مدنيات، والنداء هنا، وفى قوله: { يأيها الإنسان } ، ونحوهما للتنبيه على ما يصلح، ويأتى للمدح، نحو، { يأيها الرسول } ، و، { يأيها النبي } ، و، { يأيها الذين آمنوا } ، وللذم نحو، قل يأيها الكافرون، وليس منه، يأيها الذين هادوا، لأن المعنى الذين ادعوا أنهم تابوا إلى الله. إلا أن يدعى خروجه عن معناه الأصلى إلى معنى الذين بقوا على اليهوديه مع بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون للعقاب، كقوله تعالى: يا أيها المدثر، و: يا أيها المزمل، أو الآيتان للإنشاط والإراحة من صبق المفاكه لغيره، ويكون لغير ذلك، والخطاب فى مثل الآية للموجودين المكلفين والآيتين بعد إلى قيام الساعة، ولو مجانين أو صبيانا يقيد الإفاقة والبلوغ، وذلك تغليب وقيل للمكلفين الموجودين فى مهبط الوحى، وأما غيرهم فبالنص أو القياس أو لإجماع، لا بصيغة الشراء ونحوها، وعلى الأول خوطبوا إذا بلغوا أو أفاقوا من زمان الوحى، قال بعضهم: الأصح أن نحو يأيها الناس يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم ولو قرن بقل، أو اكتب إليهم، أو بلغهم، أو نحو ذلك، وقيل: لا يشمله، لأنه ورد على لسانه للتبليغ لغيره، لأنه إن كان آمرا أو مبلغا فلا يكون مأمورا أو مبلغا إليه لأن الواحد بالخطاب الواحد لا يكون آمرا ومأمورا، ومبلغا ومبلغا إليه للضرورة ولأن الآمر أو المبلغ طالب، والمأمور أو المبلغ إليه مطلوب، وإن قيل: قد يكون آمرا ومأمورا، مبلغا مبلغا إليه من جهتين ، قلت: الآمر أعلى رتبة من المأمور، ولا بد من المغايرة، إلا أنه لا يشترط أن يكون المبلغ أعلى رتبة من المبلغ إليه، لكن الخطاب يصل المبلغ قبل، وقيل: إن قرن بنحو قل لم يشمله صلى الله عليه وسلم لظهوره فى التبليغ. وإلا شمله. والأصح أن نحو، يأيها الناس يشمل العبد المكلف شرعا كما يشمله لغة، وعليه الأكثر، وقيل: لا يشمله لصرف ما معه إلى سيده فى غير أوقات ضيق العبادات وشمل الكافر أيضا، لأنه مخاطب بفروع الشريعة على الصحيح، وشمل الموجودين وقت النزول، وقيل: يتناول من سيوجد أيضا، وفيه أنه لا يظهر أن يقال للمعدوم يا فلان أو نحو ذلك { اعبدوا ربكم } وخذوه لا تجعلوه له شريكا، أو اعملوا الصالحات واجتنبوا المحرمات له، ومن ذلك ترك الأصنام والهوى { الذي خلقكم والذين من قبلكم } وتعليق الحكم بالمشتق أو بما معناه يؤذن بكونه علة، أى اعبدوا الذى هو سيدكم، أو مريبكم، وخلقكم وخلق الذين من قبلكم، أى اعبدوه لسيادته وملكه وخلقه لكم، فما ليس سيدا لكم ولا مالكا ولا خالقا لا يستحق أن يعبد { لعلكم تتقون } قال سيبويه: عسى فى كلامه تعالى للتحقيق، ولا يشكل عليه قوله تعالى { عسى ربه إن طلقكن } لأن تحقيق تبديل أزواج خير معلق بالتطليق، والطليق غير واقع، وأمل سئل عسى، فمعنى الآية تحقق حصول الوقاية عن عقابه بالعبادة، أو اعبدوه راجين حصول الوقاية، فقد لا تكون العبادة وقاية لخلاها، أو إبطالها برياء أو وردة أو نحوهما، أو اعبدوه لتحصلوا الوقاية، أو شبه طلب التقوى منهم بعد اجتماع أسبابها ودواعيها بالترجى فى أن متعلق كل منهما مخير بين أن يفعل وأن لا يفعل، مع رجحان ما بجانب الفعل، فينتقل ذلك إلى كلمة لعل فتكون استعارة تبعية، أو تشبه ذواتهم بمن يرجى منه التقوى فيثبت له بعض لوازمه، وهو الرجاء، فتكون الاستعارة بالكناية.
[2.22]
{ الذي جعل لكم } فى جملة من سواكم { الأرض فرشا } بساطا خارجا عن الماء مع ثقلها، ينتفع به لا صلبا ضارا، ولا رخوا مفرقا، وسماها بساطا ولو قيل: إنها كرية الشكل؛ لأن الكرة إذا عظمت كان كل قطعة سطحا، وكانت قبل خلق السماء كرية، وبعد خلق السماء دحيت، أى بسطت { والسماء بناء } من فوقكم كالسقف، كما جاء فى آية أخرى، أنها كسقف للأرض أو كقبة مضروبة على الأرض، لتقدم خلقها، ولأنهم فيها، ولأن انتفاعهم بها أكثر، ولأنها ما يحتاج إليه بعد الوجود، إذ لا بد من مكان يستقر فيه، أو لأنها أفضل من السماء، لأن الأنبياء منها وفيها، وهذا قول { وأنزل من السماء } أى من جهتها، أو من السحاب سماه سماء { مآء } والله قادر أن ينزل من السماء إحدى السبع ماء فى سرعة { فأخرج به من الثمرت } أخرج به { رزقا } من الثمرات { لكم } تأكلونه، وتعلفون دوابكم وتلبسونه كالقطن والكتان، وما لدواب الناس هو لهم، من الثمرات حال من رزقا، ومن للتبيعيض أو للبيان، ورزقا مفعول به، أو من اسم بمعنى بعض، مفعول به ورزقا حال من من، والثمرات جميع ما تخرج الأرض حتى الحشيش، أو الثمار، ونواها داخل فيها علف، وذلك أسباب ألا تجعلوا له أندادا، كما قال { فلا تجعلوا لله أندادا } شركاء فى العبادة، مقاومين لله تعالى عن ذلك، فإن كل ما سواه عاجز ذليل، خلقه الله وملكه، وذلك أن ما يصنعون بأصنامهم، وما يعبدونه فى صورة المقاومة، قالوا بها أو لم يقولوا، والند المقاوم مثلا، أو خلافا، أو ضدا، وهم لا يقولون بالمناداة، أو الند الكف، أو المثل، وإذا جمع مع غير كالكف، والضدو المثل والشبيه كان كل بمعناه على حدة، الند مثل الشىء الذى يضاده ويخالفه فى أموره، وينافره، من ند البعير إذا نقر، وقيل: الند المشارك فى الجوهرية، والشكل المشارك فى القدر والمساحة والشبه المشارك فى الكيفية والمساوى فى الكمية، والمثل عام. وفى تسمية الأصنام أندادا استعارة تهكمية. لأنهم علموا أنها عاجزة لا فعل لها، ولا تشارك الله تعالى فى شىء، كما يستعار أسد للجبان، والتبشير للوعيد، وحكمه ذلك الإشارة إلى أن عليهم ذنب من اعتقدها مشاركة له فى صفاته وأفعاله { وأنتم تعلمون } أنه ليس فى كتاب من كتب الله ثبوته الند له تعالى، وتعلمون أنه الخالق، وغيره ليس خالقا، فكيف يصح لكم جعل من لا يخلق شيئا إلها مع ما تشاهدون من حديث غيره وعجز غيره، هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شىء، أو تعلمون من أهل التوراة والإنجيل أنه ليس فيها جواز اتخاذ الأنداد، بل النهى.
[2.23]
{ وإن } جريان مع تحقق ارتيابهم إشارة إلى أنه بعيد جدا حتى إنه يشك فى وقوعه، وذلك توبيخ، أو لأن فيهم من لم يتحقق ارتيابه، فغلب على غيره ممن تحقق ارتيابه، ولما اختلفوا جعلوا كأنه لا قطع بارتيابهم { كنتم في ريب } شك { مما نزلنا على عبدنا } محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن، أهو من الله، أو من عنده، أو غيره من الناس، ومقتضى الظاهر الغيبة فى، وإن كنتم فى ريب مما نزل على عبده، ولكن عدله إلى التكلم تفخيما للقرآن ورسوله صلى الله عليه وسلم، قالوا ما يقول محمد لا يشبه الوحى، وإنا لفى شك منه، فنزلت الآية { فأتوا بسورة من مثله } أى سورة هى مثل ما أنزلنا فى البلاغة، وحسن التأليف، والإخبار بالغيب مع الصدق، أو، فأتوا بسورة صدرت، أو كانت من مثل عبدنا من فصحاء العرب وبلغائها، ولو كان يقرأ الكتب والأخبار ويسمعها.
Page inconnue