369

Tawilat

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

Genres

ثم أخبر عن طريق التسليم الذي هو الدين القويم { واعتصموا بحبل الله جميعا } [آل عمران: 103]، إشارة في الآية: إن أهل الاعتصام طائفتان:

أحدهما: أهل الصورة وهم المتعلقون بالأسباب؛ لأن مشربهم الأعمال.

والثانية: أهل المعنى وهم المنقطعون عن الأسباب، لأن مشربهم الأحوال، فقال تعالى:

واعتصموا بالله هو مولاكم

[الحج: 78]؛ أي: متصوركم ومقصودكم، وفيه معنى آخر؛ أي: ناصركم ومعينكم على الاعتصام وقال للمتعلقين بالأسباب الذين مشربهم الأعمال: { واعتصموا بحبل الله جميعا } [آل عمران: 103]؛ وهو كل سبب يتوصل به إلى الله، فالمعتصم بحبل الله: هو المتقرب إلى الله بأعمال البر ووسائط القربة، والمعتصم بالله: هو الفاني عن نفسه الباقي بربه، ثم قال تعالى: { ولا تفرقوا } [آل عمران: 103]؛ لأن ترك الاعتصام بأعمال البر ووسائط القرب موجب للتفرق في الظاهر والباطن.

فأما في الظاهر: فيلزم منه مفارقة الجماعة وقد قال صلى الله عليه وسلم:

" من فارق الجماعة، فاقتلوه كائنا من كان ".

وأما في الباطن: فيظهر منه الأهواء والآراء المختلفة التي توجب تفرق الأمة، كما قال صلى الله عليه وسلم:

" ستفترق أمتي اثنتين وسبعين فرقة، الناجي منهم واحد، قالوا: يا رسول الله ومن الفرقة الناجية، قال: ما أنا عليه وأصحابي "

، ثم قال تعالى: { واذكروا نعمت الله عليكم } [آل عمران: 103]، وبأداء شكرها مع الله وهي نعمة تأليف القلوب { إذ كنتم أعدآء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا } [آل عمران: 103]، بنعمة تأليفه بين قلوبكم وبين نعمة الإيمان الذي كتب في قلوبكم فأصبحتم إخوانا في الدين { وكنتم على شفا حفرة من النار } [آل عمران: 103]؛ وهي عداوة بعضكم لبعض، وعداوتكم لله ولأنفسكم، { فأنقذكم منها } [آل عمران: 103] بالهداية وتأليف القلوب، { كذلك يبين الله لكم آياته } [آل عمران: 103]، مثل ما بين الأوس والخزرج حتى صاروا إخوانا، { يبين الله لكم } [آل عمران: 103] أيها الطلاب { آياته } [آل عمران: 103] التي يهدي بها إليه { لعلكم تهتدون } [آل عمران: 103] بتلك الآيات إليه؛ وهي الجذبات الإلهية وتجلي الصفات الربانية فيكونون المعتصمين بالله فافهم.

Page inconnue