362

Tawilat

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

Genres

ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا

[البقرة: 269]، فالخير الكثير مزيل صفات البشر ورعونة النفس وشرها، وصدك لها بالصفات الروحانية والأخلاق الربانية، { ولكن } [آل عمران: 79]، يقول لهم { كونوا ربنيين } [آل عمران: 79]؛ يعني: من دأب القوم وهجراهم تربية الإتباع والمريدين؛ ليكونوا ربانيين متخلقين بأخلاق الروحانية عالمين { بما كنتم تعلمون الكتب وبما كنتم تدرسون } [آل عمران: 79]، من العلوم، ولا يطلبون عن دراستها، ولا يفترون بمقالات أخذوها من أفواه القوم، وفيه إشارة أخرى وهي: أن بعض مدعي هذا الشأن الذين غلبت عليهم أهواءهم وصفات بشريتهم، يدعون الشيخوخة من رعونة النفس قبل أوانها، ويخدعون الخلق بأنواع الحيل، ويستتبعون بعض الجهلة، ويعبدونهم بكلمات أخذوها من الأفواه، ويمكرون بعض أهل الصدق من الطلبة ويقيدونهم بالإرادة، ويقطعون عليهم طريق الحق بأن منعوا من صحبة أهل ومشايخ الطريق، ويأمرونهم بالتسليم والرضا فيما يعاملونهم، ولا يعرفون غيرهم فيعبدون من دون الله كما هو دأب أكثر أهالي مشايخ زماننا هذا، فإنه ليس من دأب من يؤت الحكمة والكتاب والنبوة.

ثم قال: { ولا يأمركم } [آل عمران: 80]؛ يعني: من يؤت الكتاب والحكمة والنبوة { أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا } [آل عمران: 80]، فضلا عن أنفسهم { أيأمركم بالكفر } [آل عمران: 80]؛ وهو التثبت بما يصدكم عن السبيل { بعد إذ أنتم مسلمون } [آل عمران: 80] لرب العالمين في الطلب .

[3.81-84]

ثم أخبر عن أخذ الميثاق لنصرة أهل الوفاق بقوله تعالى: { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لمآ آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جآءكم رسول مصدق لما معكم } [آل عمران: 81]، إشارة في الآيات: إن الله تعالى لما أخرج ذرية آدم عليه السلام من صلبه كما أخذ الميثاق عليهم بالوحدانية لنفسه، فكذلك أخذ الميثاق عليهم بالرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم فاستوى فيه الأنبياء والأمم، وإن قال: { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين } [آل عمران: 81]، فإن الخطاب مع الأنبياء وأممهم يدل عليه قوله: { فمن تولى بعد ذلك } [آل عمران: 82]، بعض الأمم { فأولئك هم الفاسقون } [آل عمران: 82]، وفي قوله تعالى: { ثم جآءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه } [آل عمران: 81]، فالخطاب مع أمة النبي بالإيمان به والنصر له، وإن ناصر كل نبي أمته بالإيمان والنصر له بأن يؤمنوا به وإن لم يدركوا زمانه ويواصوا أولادهم بأن يؤمنوا به، إن أدركوه فإن لم يدركوه فينصرونه نية في الغيبة والحضور، كقوله تعالى:

ووصى بهآ إبراهيم بنيه ويعقوب

[البقرة: 132]، فلما أخذ الله تعالى على جميعهم الميثاق لمحمد صلى الله عليه وسلم { قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا } [آل عمران: 81]؛ يعني: الأنبياء والأمم { أقررنا } [آل عمران: 81]؛ يعني للأنبياء على أنفسكم وعلى بعضكم بعضا وعلى الأمم كلها ولهذه الأمة خاصة وعلى الناس كافة، وللنبي صلى الله عليه وسلم أنتم شهداء لله في أرضه { قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين } [آل عمران: 81]؛ يعني: مع كل طائفة منكم في كل زمان من الحاضرين معكم، أسمع وأرى ما تقولون فيه وتفطنون معه، { فمن تولى بعد ذلك } [آل عمران: 82]؛ يعني: عن الإيمان، والنصر له منكم معاشر الأمم { فأولئك هم الفاسقون } [آل عمران: 82]، الخارجون عن عهدي والناكثون { أفغير دين الله يبغون } [آل عمران: 83]؛ يعني: الذين يتولون عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وعن دينه الإسلام، فإن دينه هو دين الله كقوله تعالى:

إن الدين عند الله الإسلام

[آل عمران: 19]، فمن تمسك بغير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم فقد ضل عن طريق الحق وابتغى غير دين الله، فإن الدين هو الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم مع الإسلام لله تعالى بالوحدانية { وله أسلم من في السموت والأرض طوعا وكرها } [آل عمران: 83] يوم الميثاق، فمن شاهد الجمال أسلم له طوعا، ومن شاهد الجلال أسلم له كرها، فليس الاعتبار بذلك الإسلام الفطري، بل الاعتبار بهذا الإسلام الكسبي في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم طوعا وكرها، كما قال تعالى:

فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما

Page inconnue