Tawilat
التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
Genres
والإشارة في تحقيق الآية: أن أول نبت مطرت أمطار الربانية من حبة المحبة في قلب آدم، وطينة الإنسان كان نبات:
ربنا ظلمنآ أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
[الأعراف: 23]؛ لأنه أبصر بنور الإيمان أنه ظالم لنفسه إذا أكل حبة المحبة، ووقع في شبكة المحنة والذلة، وإن لم يعنه ربه بمغفرته، ويفنه برحمته لم يتخلص من حضيض بشريته الذي أهبط إليه، ويخسر رأس مال استعداد السعادات الأزلية، ولم يمكنه الرجوع إلى ذروة مقام القربة فاستغاث إلى ربه وقال مضطرا، وكانت الحكمة في إبعاده بالهبوط والاضطرار، فإنه يجيب المضطر إذا دعاه، فبسابقة العناية أخذ بيده وأفاض عليه بحال رحمته: { فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم } [البقرة: 37]، للتائبين فأخرج من آيات الكلمات شجرة الاجتباء، وأظهر على دوحتها زهرة التوبة، وأثمر منها ثمرة الهداية، وهي المعرفة كما قال تعالى:
ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى
[طه: 122].
ثم أخبر عن سر الهبوط مشروطا بالشروط لقوله تعالى: { قلنا اهبطوا منها جميعا } [البقرة: 38]، الآيتين والإشارة فيهما: أن الله تعالى لما ابتلى آدم بالهبوط إلى الأرض بشر بأن إلهامه ووحيه بالهدى لا ينقطع عن ذريته هداهم بواسطة أنبيائه ووحيه، وإنزال كتبه { فإما يأتينكم مني هدى } [البقرة: 38]، فمن آتاه منك ومنهم من إلهامي ووحيي ورسولي وكتابي { فمن تبع هداي } [البقرة: 38]، كمن اتبع آدم بالتوبة، والنوح بالبكاء، والاستغفار، وتربية بذر المحبة بالطاعة، والعبودية حتى يثمر التوحيد والرفعة { فلا خوف عليهم } [البقرة: 38]، في المستقبل من وبال إفساد بذر المحبة من طينة الصفات الحيوانية والسبعية، وإبطال استعداد السعادات أبدية باستيفاء التمتعات الدنياوية { ولا هم يحزنون } [البقرة: 38]، على هبوطهم إلى الأرض لتربية بذر المحبة؛ إذ هم راجعوا بتتبع الهداية وجذبات العناية إلى أعلى ذروة حظائر القدس كما قال تعالى:
إن إلى ربك الرجعى
[العلق: 8]، ثم ذكر من كفر بهداه وجعل النار سواه، وقال { الذين كفروا } [البقرة: 39]، أي: ستروا بذر المحبة بتعلقات الشهوات النفسانية، وظلموا أنفسهم بتكذيب الآيات البينات من الجهالة الإنسانية متى أفسدوا الاستعداد الفطري { وكذبوا بآيتنآ } [البقرة: 39]، على معجزات أنبيائنا بالوحي والإلهام والرشد في تربية بذر المحبة، وتثمير الشجرة الإنسانية بثمار التوحيد والمعرفة والبلوغ إلى درجات القربات، ونعيم الجنان والغرفات { أولئك أصحب النار } [البقرة: 39]، نار جهنم ونار القطيعة { هم فيها خلدون } [البقرة: 39]؛ لأنهم خلدوا في أرض الطبيعة، واتبعوا أهواءهم فما نبت بذر محبتهم بماء الشريعة؛ فبقوا بإفساد استعدادهم في دركات نار الجحيم وخسران النعيم خالدين مخلدين.
ثم أخبر عن اختصاص بني إسرائيل ووعودهم بلسان النعيم وعهودهم بقوله تعالى: { يبني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } [البقرة: 40]، من النعمة الظاهرة والباطنة.
فالظاهرة: نعمة الوجود والصحة والرزق وبعثة الأنبياء، وإنزال الكتب، وإظهار الدلائل والمعجزات.
Page inconnue