109

Tawilat

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

Genres

إلا ما رحم ربي

[يوسف: 53].

ومنها: لنعلم أن الله تعالى من كمال فضله وكرمه قد قبلنا بالعبودية والخلافة وقال من حسن عنايته في حقنا مع الملائكة المقربين: { إني أعلم ما لا تعلمون } [البقرة: 30]، من رحمته والتقطع عن خدمته.

ومنها: لنعلم أن فينا استعداد أمر عظيم وبناء جسيم ليس للملائكة به علم وهو سر الخلافة فلا نتغافل عن هذه السعادة ونتقاعد عن هذه السيادة ونسعى في طلبها حق السعي.

ومنها: أن الملائكة إنما { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء } [البقرة: 30]، لأنهم نظروا إلى جسد آدم قبل نفخ الروح، فشاهدوا بالنظر الملكي في ملكوت جسده المخلوق من العناصر الأربعة المتضادة صفات البشرية والبهيمية والسبعية التي تتولد من تركيب أضداد العناصر كما شاهدوها في أجساد الحيوانات والسباع الضاريات؛ بل عاينوها فإنها خلقت قبل آدم عليه السلام، فقاسوا عليها أحواله بعد أن شاهدوها وحققوها، وهذا لا يكون غيبا في حقهم، وإنما يكون غيبا لنا لأننا ننظر بالحس، والملكوت يكون لأهل الحس غيبا، ومنا من ينظر بالنظر الملكوتي فيشاهد الملائكة والملكوتيات بالنظر الروحاني كما قال تعالى:

وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموت والأرض

[الأنعام: 75]، وقال تعالى:

أولم ينظروا في ملكوت السموت والأرض

[الأعراف: 185]، فحينئذ لا يكون غيبا، فالغيب ما غاب عنك وما شاهدته فهو شهادة، فالملكوت للملائكة شهادة والحضرة الإلهية لهم غيب، وليس لهم الترقي إلى تلك الحضرة، وإن في الإنسان صورة من عالم الشهادة المحسوسة، وروحا من عالم الغيب الملكوتي المنزه عن المحسوس، وسرا مستعدا لقبول فيض النور الإلهي، بالترقية يترقى من عالم الشهادات إلى عالم الغيب وهو الملكوت، وبسر المتابعة ومخصوصيتها يترقى من عالم الملكوت إلى عالم الجبروت والعظمة وهو غيب الغيب، ويشاهد بنور الله تعالى المستفاد من سر المتابعة أنوار الجمال والجلال في خلافة الحق عالم الغيب، كما أن الله تعالى هو عالم الغيب والشهادة

فلا يظهر على غيبه أحدا

Page inconnue