المكلفين في الدار الآخرة وطبقاتهم فيها.
وقد تطرّق الكلام في أثناء البابين والقواعد إلى مباحث عظيمة ومسائل مشكلة اقتضت أهميتها إشباع القول فيها، كمبحث القضاء والقدر الذي استغرق أكثر من مائتي صفحة. ولكن أهمّ أقسام الكتاب وأنفسها -وهو من صميم الموضوع فلا يعدّ استطرادًا- هو القسم الذي تكلم فيه المؤلف ﵀ على علل مقامات السلوك. وقد اختار لبيان غلط المشايخ في هذا الباب كتاب محاسن المجالس لأبي العباس ابن العريف الصنهاجي من أكابر صوفية الأندلس. فتناوله فصلًا فصلًا بالنقد والنقض، وبيّن ما له وما عليه، فتكلم على ما قاله في منزلة الإرادة مثلًا، من اثني عشر وجهًا، وعلى التوكل من خمسة عشر وجهًا، وعلى الخوف من ثلاثة عشر وجهًا، وهكذا.
ومما يستغرب أن المستشرق الإسباني الذي نشر محاسن المجالس في باريس سنة ١٩٣٣ م لم يكن على علم بنقد ابن القيم إياه في طريق الهجرتين، مع كونه مطبوعًا قبل المحاسن بأكثر من ثلاثين سنة.
وقد صدرت أول طبعة من كتابنا عن المطبعة الميمنية سنة ١٣٢٠ هـ = ١٩٠٢ م، على حاشية كتاب آخر لابن القيم، وهو إغاثة اللهفان. ثم طبعته إدارة الطباعة المنيرية سنة ١٣٥٨ هـ، وتلتها طبعة المكتبة السلفية سنة ١٣٧٥ هـ. ولكن لم تتهيأ لهذه الطبعات نسخة موثقة عالية من الكتاب، فكثرت فيها الأسقاط والتصحيفات والتحريفات، إلا ما صحح منها باجتهاد المشرفين عليها، غير أن اجتهادهم قد أدّى في أحيان كثيرة إلى مزيد من الأخطاء.
وعن هذه الطبعات الثلاث -وبخاصة طبعة المكتبة السلفية-
المقدمة / 7