L'âge des Califes bien guidés : histoire de la nation arabe (troisième partie)
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Genres
ولم يستقبل المسلمون خلافة الإمام علي بمثل ما استقبلوا به خلافة عثمان؛ فقد كان عثمان سمحا سهلا معهم، أما الإمام فكان شديدا عنيفا.
وليس غريبا ألا يستقبل جمهور الناس خلافة الإمام عليه السلام إلا قلقين عابسين، وزاد في هذا القلق والعبوس أن الثوار الذين قتلوا الخليفة عثمان ما زالوا في المدينة، بل إنهم هم أصحاب السلطان الفعلي في عاصمة الخلافة، وكذلك كان الحال في بعض الأمصار وبخاصة الشام، فإنهم كانوا يؤمنون بأن الخليفة الجديد مقدم على مشاكل، وأنه يجب عليه القضاء على الفتنة وتنفيذ حكم الشرع في قتلة الخليفة السابق، ولكنه لن يستطيع ذلك، الآن على الأقل.
بايع الناس عليا إلا أهل الشام ونفر من كبار الصحابة المهاجرين والأنصار، فإنهم تخلفوا عن بيعته، ويروي الطبري بسنده إلى عبد الله بن الحسن أنه قال: بايعت الأنصار والمهاجرون عليا إلا نفر منهم: عبد الله بن عمر، وحسان بن ثابت، وسعد بن أبي وقاص، وكعب بن مالك، ومسلمة بن مخلد، وأبو سعيد الخدري، ومحمد بن مسلمة، والنعمان بن بشير، وقدامة بن مظعون، وزيد بن ثابت، ورافع بن خديج، وأسامة بن زيد، وفضالة بن عبيد، وعبد الله بن سلام، والمغيرة بن شعبة، وصهيب بن سنان، وكعب بني عجرة؛ فقد كان هواهم مع عثمان، وأخذ النعمان بن بشير أصابع السيدة نائلة - امرأة عثمان - التي قطعت يوم مقتله، كما أخذ قميص عثمان الذي قتل فيه، وهرب إلى الشام وأعطاه لمعاوية، فعلقه على المنبر، كما علق الأصابع، فلما رأى أهل الشام ذلك المنظر ازدادوا غيظا على قتلة عثمان، ثم رفع معاوية القميص والأصابع، وكان كلما أحس منهم بفتور أخرجه مع الأصابع وعلقه على المنبر ليثير صدورهم، ويحرك كوامن حقدهم، ومما زاد الأمر اضطرابا أن عمرو بن العاص كان يسير بين بلاد الشام محرضا على قتلة عثمان، وهرب كثير من بني أمية الذين كانوا في المدينة إلى مكة.
ولما تمت بيعة من بايع وقف الإمام فخطب الناس وقال: أيها الناس، إنكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، وإنما الخيار للناس قبل أن يبايعوا، فإذا بايعوا فلا خيار لهم، وإن على الإمام الاستقامة، وعلى الرعية التسليم، وهذه بيعة عامة، من رغب عنها رغب عن دين الإسلام، واتبع غير سبيل أهله، ولم تكن بيعتكم إياي فلتة، وليس أمري وأمركم واحدا، وإني أريدكم لله، وأنتم تريدونني لأنفسكم، وايم الله لأنصحن للخصم، ولأنصفن المظلوم، وقد بلغني عن سعد وابن مسلمة وأسامة وعبد الله وحسان أمور كرهتها، والحق بيني وبينهم، والسلام.
ولم يكن تخلف هؤلاء النفر عن بيعة الإمام لأنهم كانوا يعتقدون عدم أهليته للخلافة، بل لشبهة دخلت عليهم، يقول العلامة المرحوم السيد محسن الأمين: «إن امتناع من امتنع عن بيعته عليه السلام ليس لاعتقادهم عدم أهليته للخلافة ولا عنادا، بل لشبهة دخلت عليهم، فابن عمر وسعد ظنا أنها فتنة والأرجح عدم الدخول فيها، ثم بان لهما خطؤهما وندما على ترك القتال، وعدا أنفسهما مذنبين، وأسامة دخلت عليه شبهة عدم جواز قتل من أظهر الإسلام، ولم يتفطن للفرق بين المقامين وأنها شبهة واهية.»
1
والحق أن الموقف قد كان حرجا، ولولا أن عليا ساس الأمور بحكمته لوقع المسلمون يومئذ في فتنة سوداء، ولاندك صرح الإسلام.
استقبل علي عليه السلام عام 36 للهجرة، وقد سمى عماله على الأمصار، فبعث عثمان بن حنيف إلى البصرة، وعمارة بن شهاب إلى الكوفة، وعبيد الله بن عباس إلى اليمن، وقيس بن سعد بن عبادة إلى مصر، وسهل بن حنيف إلى الشام، ومخنف بن سليم إلى أصفهان وهمذان؛ فأما سهل فإنه خرج حتى إذا كان في تبوك لقيته خيول أهل الشام، فقالوا له: من أنت؟ قال لهم: أنا أمير الشام بعثني علي أميرا، فقالوا له: ارجع إلى المدينة سالما بنفسك وإلا قتلت ومن معك، ورأى كثرة عددهم فرجع إلى المدينة.
وأما قيس بن سعد فإنه لما انتهى إلى أيلة لقيته خيل، فقالوا له: من أنت؟ قال: بعثني علي أميرا على مصر، فأدخلوه إليها، وافترق أهل مصر إلى ثلاث فرق: فرقة دخلت في الجماعة وبايعت عليا، وفرقة اعتزلت وقالت: إن قتل علي قتلة عثمان كنا معه وإلا فلا، وفرقة قالوا: نحن مع علي ما لم يقد إخواننا الذين اشتركوا في قتل عثمان.
وأما عثمان بن حنيف فإنه سار حتى دخل البصرة، فرأى الناس منقسمين إلى أقسام: قسم مع الجماعة، وقسم قال: نحن مع أهل المدينة نفعل ما يفعلون.
Page inconnue