L'ère du renouveau : Histoire de la nation arabe (Partie 8)
عصر الانبعاث: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثامن)
Genres
رأينا في الفصل الخامس بتاريخ شمال أفريقيا من «عصر الانحدار» أن المغرب العربي كان قبل سنة 1261ه تحت سلطان دولة الموحدين القوية التي وحدت بلاد المغرب كلها من حدود برقة إلى المحيط الأطلسي، ولما أن انحلت عراها قام مقامها في المغرب دويلات صغيرة ضعيفة متنابذة في الجزائر وتونس ومراكش وليبيا، وكانت هذه الدول الصغيرة تتناحر تناحرا أطمع دول الاستعمار الغربي فيها. وكان الإسبان والبرتغال أنشط تلك الدول الاستعمارية في مد يدهم إلى المغرب العربي، وقد حاول المغاربة وقف سيل الاستعمار المنحدر نحوهم من الساحل الأوروبي، فلم يستطيعوا وقفه، وتمكن الإسبان من الاستيلاء على أكثر ثغور تونس والجزائر وطرابلس، كما تمكن البرتغال من الاستيلاء على بعض ثغور المغرب الأقصى في مراكش، وأخذ الإسبان والبرتغال يسيئون معاملة الأهلين، فاستغاثوا ولا مغيث، ولمع في تلك الفترة نجم أخوين مغربيين كانا يمتهنان القرصنة في البحر الأبيض المتوسط، وهما خير الدين باربروس (أي ذو اللحية الحمراء) وأخوه عروج، ولما قوي نفوذهما، وكثرت أموالهما من أعمال القرصنة في السواحل الإيطالية والإسبانية والبرتغالية، وقويت شوكتهما عمدا إلى الاستقرار وأسسا إمارة غنية قوية، ثم مات عروج وانفرد باربروس، فالتف الناس من حوله وألف جيشا قويا استطاع أن يهزم به الإسبان من قلاع الجزائر، ووطد ملكه فيها، ثم أخذ يتوسع نحو الشرق والغرب في شمال أفريقية.
ثم رأى أن يتصل بالسلطان سليمان العثماني، ووضع بلاد الجزائر التي كان يسيطر عليها تحت حماية السلطان العثماني، ثم شجعه على الاستيلاء على تونس، وإنقاذها من تخبط الأسرة الحفصية فيها، وتمكن من فتحها بسهولة في سنة 1534م، واستغاث مولاي الحسن الحفصي بالإمبراطور شارل الخامس، فأمده بأسطول إسباني قوي استطاع به أن يفتح مدينة تونس سنة 1535م، وعاد مولاي الحسن الحفصي على العرش التونسي بعد أن وقع مع الإمبراطور شارل الخامس معاهدة كأنها اتفاقية حماية، وغادر الإمبراطور تونس بعد أن ترك فيها ألف جندي إسباني كحامية في البلاد، وفي سنة 1574م تمكن القائد التركي سنان باشا من الاستيلاء على تونس وأدخلها نهائيا في أملاك الدولة العثمانية.
وخضعت الجزائر وتونس للباشاة الأتراك الذين توفدهم الآستانة، ولما وقعت الفتنة بين الأسرة العلوية حاكمة مصر وآل عثمان، انتهز الفرنسيون ضعف الطرفين، فاستولوا على الجزائر أولا ثم على تونس.
وفي شهر نيسان سنة 1827م جرت حادثة تاريخية في قصر القصبة الباشا التركي (الداي) بالجزائر، حين لطم الداي حسين باشا الجزائري وجه المسيو دوفال قنصل فرنسة على أثر مشادة عنيفة جرت بينهما، فغضب القنصل الفرنسي وكتب إلى بلاده فثار ثائرها واتخذت ذلك ذريعة للاحتكاك بالجزائر في سنة 1830م، فجيشت جيشا عظيما، وأسطولا ضخما، واستطاعت أن تنزل في ميناء الجزائر بعد معارك دامية، وقد دار رحى الحرب سنوات عديدة بين الجيش الفرنسي القوي والقادة الجزائريين وفي طليعتهم الأمير عبد القادر الحسيني، الذي ظل يقاومهم سبعة عشر عاما، إلى أن اضطر إلى الاستسلام في سنة 1847م. ولم يقف جهاد الجزائريين لفرنسة طوال فترة احتلالها للبلاد، وكانت أعنف معارك الجهاد هذه معركة سنة 1871م التي قتل فيها الأحرار الجزائريون عددا كبيرا من الفرنسيين؛ لأن فرنسة كانت ضعيفة في تلك الفترة؛ لخروجها هزيلة من الحرب الألمانية، وما إن تمكن الفرنسيون من القضاء على القوى الجزائرية حتى أمعنوا في أهلها ذبحا وتقتيلا، وأدمجوا البلاد نهائيا بالبلاد الفرنسية.
أما تونس، فإنها بعد أن خضعت للدولة العثمانية وتعاقب على الحكم فيها جماعة من الحامية الانكشارية التركية إلى أن ظهر من بينهم حسن بن علي، فاتخذ لنفسه لقب «باي تونس» وتعاقب أبناؤه على البلاد من بعده.
وحدث في سنة 1881م أن اعتدت بعض القبائل التونسية على أجزاء من بلاد الجزائر، فاتخذت فرنسة ذلك ذريعة لإرسال حملة عبرت بها الحدود وحاصرت العاصمة التونسية، ولم تفك الحصار عنها إلا بعد أن أملت على الباي محمد الصادق شروط معاهدة الحماية (معاهدة باردو)، فوقعها الباي مرغما، ولكن الشعب التونسي ظل يقاوم الحماية الفرنسية، وكانت أولى الحركات الوطنية القوية في مقاومة الاحتلال الفرنسي حركة سنة 1905م، ثم حركة «علي باش حميه» في سنة 1908م.
ولما انتهت الحرب العالمية الأولى ظن أحرار تونس أن الحكومة الفرنسية ستنصفهم وتقدر الجهود التي بذلوها في هذه الحرب، وظنوا كما ظن المصريون والسوريون والعراقيون أن الحلفاء قوم يعرفون معنى الوجدان والحرية والعدالة، ولكن خاب ظنهم، وكان نصيب عبد العزيز الثعالبي زعيم حزب الدستور التونسي النفي والتشريد، كما نفي وسجن عدد كبير من أحرار البلاد وفي طليعتهم الحبيب بورقيبة رئيس الجمهورية التونسية الحالي. •••
وأما مراكش، فهي الدولة المغربية الوحيدة التي استطاعت - على الرغم من ضعفها - أن تحافظ على استقلالها، وتنجو من الحكم التركي، كما نجت من الضغط الإسباني والبرتغالي طوال القرن التاسع عشر. فلما كان القرن العشرون، أخذت فرنسة تتقرب من سلاطين مراكش زاعمة أنها تريد تدريب جيشها وتقويته، وانخدع مولاي الحسن 1873-1894 بذلك، فسمى بعض الفرنسيين مدربين في جيشه. وفي سنة 1904م اتفقت بريطانية وفرنسة على أن تترك الأولى للثانية حرية التصرف في مراكش بشرطين: أولهما؛ أن تكون المنطقة الشمالية الغربية المواجهة لجبل طارق تحت حكم إسبانية، والثاني؛ أن تكون طنجة ميناء دوليا محايدا. وفي سنة 1908م اتفقت فرنسة وإسبانية على اقتسام النفوذ في مراكش، وجعلت منطقة الريف تحت النفوذ الإسباني، وقد شجعت هذه الاتفاقات فرنسة على أن تتجاهل احتجاجات ألمانية، إلى أن تولى السلطنة مولاي عبد الحفيظ سنة 1908م، فثارت عليه القبائل، فاستعان بفرنسة على إخماد ثورتهم. ولكن الجنود الفرنسيين كانوا جنود احتلال لا جنود نجدة، ودخلت قواتهم مدينة فاس سنة 1911م، وقامت أزمة عنيفة بعدئذ انتهت بتسليم ألمانية مركز فرنسة في مراكش.
وفي سنة 1912 اضطر مولاي عبد الحفيظ إلى أن يوقع معاهدة حماية مع فرنسة، فرضت فرنسة بموجبها سلطانها على البلاد وسمت الجنرال ليوتي مقيما عاما، وظلت البلاد تقاسي ويلات الاستعمار الفرنسي إلى أن تولى السلطنة مولاي محمد بن يوسف بن عبد الحفيظ، فأخذ يناوئ الاستعمار الفرنسي إلى أن اعترفت فرنسة باستقلال البلاد.
وأما المنطقة التي تحتلها إسبانية من مراكش، فقد ظهر فيها المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، وقاد ثورة ضد الإسبان في سنة 1923م، وأوقع بالعدو خسائر عظيمة حتى كاد أن يجلوه عن البلاد، ولكن الفرنسيين خافوا أن يصل حد سيفه إلى رقابهم، فتعاونوا والإسبان على سحق قواه، واضطروه إلى الاستسلام، فاستسلم ونفوه إلى جزيرة «رينيون» في المحيط الهندي ثم لجأ إلى مصر. •••
Page inconnue