L'ère du renouveau : Histoire de la nation arabe (Partie 8)
عصر الانبعاث: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثامن)
Genres
تولى السلطان محمد رشاد السلطنة بعد أخيه عبد الحميد سنة 1333ه/1915م، وكان ملكا ضعيف الإرادة، سيئ الإدارة، محدود التفكير، قليل الثقافة، ما عدا شيئا من الآداب الفارسية. وقد عظم سلطان «الاتحاديين» عليه فاستسلم لهم، وأخذوا يفتكون بالناس من خصومهم وبخاصة الحزب المناوئ لهم، وهو حزب «الائتلافيين»، فاغتالوا منهم نفرا في الولايات التركية والعربية، واصطرعت الإمبراطورية، وتنافس الحزبان للسيطرة على الحكم.
وفي هذه الفترة انتهز الأحرار العرب اليمانيون الفرصة، وأعلنوها حربا على دولة الخلافة العثمانية سنة 1329ه، فجهز السلطان جيشا من العرب أكثره من الشاميين، وبعث به إلى اليمن للفتك بإخوانهم هناك، وكانت مجازر بين الفريقين ذهب فيها ألوف من الجند الشامي، حتى اضطرت دولة الخلافة إلى الاعتراف بكيان الدولة العربية في اليمن وعقدت معاهدة صلح بينها وبين الإمام يحيى بن محمد حميد الدين، وبذلك غدت دولة اليمن أول دولة عربية نالت استقلالها الذاتي وتخلصت من نير السلطة العثمانية.
وآلى أحرار العرب في الشام والعراق والجزيرة على التخلص من نير العبودية العثمانية، وكانت حركة أحرار اليمن حافزا لهم، وخصوصا حين رأى العرب ضعف الدولة، وتقلص ظلها عن الولايات التي كانت خاضعة لها في أوروبا كولاية «قوصوه» و«أشقودره» و«يانيه» و«مناستر» و«سلانيك».
وكان لبنان أكثر البلاد وعيا وأعمقها ثقافة، فتداعى أحراره مع نفر من السوريين إلى العمل وتخليص البلاد من الفوضى والفساد؛ ففي سنة 1877م اجتمع نفر من المثقفين العرب في بيروت، وألفوا من بينهم جماعة تسعى بإصلاح الأحوال العامة في البلاد، وكان ممثل الدولة في بيروت وقتئذ رجلا عاقلا، فكتب إلى الصدر الأعظم في الآستانة تقريرا يقول له فيه: «إن البلاد السورية تتجاذبها تيارات مختلفة، فقد اتجه نفر من شبيبة هذه البلاد ورجالاتها بأنظارهم نحو دول الغرب، وبخاصة نحو إنكلترة وفرنسة، يحاولون التشبه بهم، واقتباس حضارتهم، والاستعانة بهم لإصلاح حالة بلادهم، فإذا لم تأخذ الدولة العلية العثمانية بأسباب الإصلاح الحقيقي خرجت هذه البلاد عن الطوق.»
ولما قرأ الصدر الأعظم هذا التقرير اهتم بالأمر، فعرضه على السلطان، ولكن هذا كان لا يأبه لحركات الأحرار، فاستهان بأمرهم وأرسل إلى جواسيسه في الديار الشامية أن يضيقوا الخناق عليهم. ولكنهم لم يأبهوا له وزاد نشاطهم، فاتصلوا ببعض الأحرار العرب في حلب ودمشق وطرابلس وصيدا، واقتبسوا من الماسونية السرية نظمها في الدعاية، كما استعانوا بمحافلها لبث حركتهم، وأخذوا يكتبون نشرات يعلقونها ليلا في الشوارع والساحات يدعون الناس فيها إلى الثورة على الظلم، وطلب الاستقلال الذاتي، حتى قلقت الآستانة لهذا الأمر، وبعث السلطان عيونه إلى سورية يتحسسون الأخبار ليضعوا أيديهم على زعماء الحركة، فلقيت البلاد منهم عنتا شديدا، واعتقل عدد كبير من الأبرياء، وانتشرت شائعة تقول: إن حاكم الشام آنئذ - وهو الوزير مدحت باشا الصدر الأعظم السابق ومنشئ الدستور - هو على اتصال برجال هذه الحركة، وأنه يحميهم؛ طمعا في الاستيلاء على البلاد والاستقلال بها لنفسه وأولاده من بعده، كما فعل محمد علي في مصر. ومهما يكن من أمر فإن العيون قد باءوا بالفشل ولم يستطيعوا معرفة القادة الحقيقيين للحركة، فرجعوا إلى السلطان في الآستانة وجعبتهم خاوية إلا من بعض التكهنات الخيالية، والتهم الباطلة والتقارير الكاذبة، فلما رأى السلطان هذا الأمر رأى أن يتلافى الأمر بحكمته، فكتب إلى الوالي أن يجمع رجالات البلد ويتفهم مطاليبهم، فجمع نحو مائة رجل من أعيان المسلمين والنصارى في لبنان، وعقد عدة جلسات في كانون الثاني سنة 1913م أقروا فيها مطاليبهم الإصلاحية، ثم اختاروا من بينهم لجنة خماسية لرفع تلك المطاليب إلى السدة السلطانية والعمل على تنفيذها، وتنحصر تلك المطاليب في النقاط الآتية:
أن تهتم الدولة بشئون البلاد المالية، وتعنى بتوسيع سلطة المجالس العمومية، وتعين مستشارين أجانب في دوائر الدولة يعملون على السير بالبلاد في سبيل الحضارة الأوروبية.
ولكن الدولة لم تهتم بهذه المطالب، فاضطر نفر من الأحرار أن يغادروا لبنان إلى مصر أو فرنسة، ثم عقدوا مؤتمرا بباريس في 21 حزيران سنة 1913م، وانتهوا فيه إلى مطالبة الدولة بالقيام بالإصلاح، وبمنح العرب حقوقهم السياسية، وأن يشتركوا في المساهمة بإدارة بلادهم، اشتراكا حقيقيا يضمن لأرباب الكفايات مناصب رفيعة بلا تفريق بين الأديان والمذاهب، وأن تنشأ في كل ولاية عربية إدارة مركزية تهتم بشئونها، وأن تنفذ مقررات مؤتمر بيروت، وأن تعتبر الدولة العثمانية اللغة العربية لغة رسمية في مجلس المبعوثان العثماني «النواب»، وأن تكون هي اللغة الرسمية للولايات العربية، وأن تكون الخدمة العسكرية محلية، ولا يقذف بالشبان العرب في أقاصي البلاد، وأن تهتم الدولة بشئون التعليم اهتماما جديا.
ولما رأى الاتحاديون أن العرب جادون في مطالبهم اتصلوا ببعض رجالات مؤتمر باريس، وأعلنوا أنهم سيلبون مطاليبهم فيجعلونهم يشاركون في الأعمال العامة ببلادهم وإدارتها، ويجعلون التعليم الثانوي والابتدائي بالعربية، ويبيحون استعمال العربية في المعاملات الحكومية ويعينون نفرا منهم في مناصب رفيعة في مجلسي الأعيان وشورى الدولة، وفي محكمة التمييز، ودائرتي: المشيخة الإسلامية، والفتوى. وشرع الاتحاديون بتنفيذ بعض هذه المطاليب فعلا.
ومما هو جدير بالذكر أن فكرة تهويد فلسطين العربية والدعاية للصهيونية العالمية
1
Page inconnue