L'ère du renouveau : Histoire de la nation arabe (Partie 8)
عصر الانبعاث: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثامن)
Genres
وأما الجزيرة العربية فلم تكن الأوضاع فيها مستقرة، ولم تتمكن الدولة العثمانية من فرض سيطرتها عليها تماما إلا في سنة 1841م حينما سمت الدولة واليا على الحجاز خولته سلطة السيطرة على الجزيرة كلها، ومنحت أشراف مكة نوعا من السلطان الروحي والنفوذ التقليدي في ربوع الحرمين: مكة والمدينة. ولم يخرج عن سلطان الوالي إلا اليمن الذي كان دائم الثورات، وقد استطاع قائد إحدى الحملات العسكرية العثمانية على بلاد اليمن في سنة 1849م أن يخضع البلاد للخليفة العثماني، ولكنها ما لبثت أن انتقضت عليه، ثم اضطرت إلى أن تخضع ثانية في سنة 1865م، ثم ثارت إلى أن خضعت نهائيا في سنة 1872م بعد تعدد الحملات عليها عن طريق قناة السويس البحري، وطريق الحجاز البري.
وأما بقية أجزاء الجزيرة العربية، وهي: مقاطعتا هضبة نجد وبلاد شمر، فكانتا خاضعتين لنفوذ الأسرتين العربيتين القويتين: أسرة «آل سعود»، وأسرة «آل رشيد»؛ اللذين كانا يتنازعان السلطة في تلك الديار، ولا تستطيع يد الدولة العثمانية أن تمتد إليهما، وكانت ثمة بعض البقاع امتدت إليها يد دولة أجنبية مغتصبة، هي: دولة بريطانية؛ فإنها احتلت منطقة عدن في سنة 1839م، ثم احتلت جزيرة بريم الواقعة عند مدخل البحر الأحمر في سنة 1857م وأخذ سلطانها يقوى شيئا فشيئا في المناطق العربية الواقعة في الخليج العربي على طريق الهند.
أما بقية أجزاء العالم العربي، وهي: مصر والسودان وطرابلس الغرب والجزائر وتونس ومراكش، فلم تكن ترتبط بالخلافة العثمانية ارتباطا سياسيا قويا ولا سلطان لها عليها؛ فبلاد مراكش لم تطأها قدم الغزاة العثمانيين، ولم تمتد إليها يد سلطانهم أصلا. وبلاد تونس فقد انقطعت صلتها بدولة الخلافة وخضعت للسلطان الفرنسي منذ سنة 1881م، وبلاد الجزائر رزحت تحت قوى الاستعمار الفرنسي منذ سنة 1830م، وانقطعت الصلات نهائيا بينها وبين الدولة العثمانية. وبلاد طرابلس الغرب هي وحدها التي ظلت تحت النفوذ العثماني، وكانت مقسمة إلى ولايتين، هما: طرابلس، وبنغازي. وفي سنة 1912م استولت عليهما الدولة الإيطالية وطردت القوات العثمانية منهما. ومصر والسودان خضعتا للتاج البريطاني في سنة 1882م، ولم يبق للباب العالي عليهما إلا شبه نفوذ روحي.
هكذا كانت أوضاع البلاد العربية حين اعتلى السلطان عبد الحميد الثاني عرش الباب العالي، وقد ظل ثلاثا وثلاثين سنة يحكم إمبراطوريته الواسعة، ومن ضمنها البلاد العربية، بطريقة تغلب عليها روح الفوضى والرشوة والفساد، وأخذت أصوات التذمر ترتفع في أنحاء الإمبراطورية، وتألفت الجمعيات السرية تعمل على التخلص من ذلك العهد السيئ، وكان السلطان يصم أذنيه عنها حينا أو يتصامم حينا آخر؛ إلى أن يتمكن من القبض على أفرادها فيفتك بهم. وكانت أقوى تلك الجمعيات
2
وأكثرها نشاطا جمعية تركيا الفتاة «جون تورك»، فإن الأحرار العثمانيين من عسكريين ومدنيين أخذوا يضيقون ذرعا بالفساد المستشري بالبلاد، وبخاصة بعد الضربات العسكرية التي تلقتها الدولة في حروبها مع الغرب، فاجتمع نفر من ضباط الجيش واعتنقوا مبادئ جمعية «تركيا الفتاة»، وآلوا على أنفسهم أن يعملوا لتخليص البلاد من الحكم الاستبدادي. وكان في طليعة هؤلاء الضباط: أنور بك، ونيازي بك، اللذان آليا على نفسيهما أن يجهرا بالدعوة ويعملا على إعادة الدستور، الذي كان المصلح مدحت باشا قد وضعه، وانضم إلى هذين الضابطين رجل مدني كان يشغل منصبا حساسا في إدارة البريد، هو: طلعت أفندي. وأخذ الثلاثة يدأبون على العمل ويتصلون ببعض البيوتات المالية في منطقة سلانيك لتغذية حركتهم ماليا، واستطاعوا أن يجدوا من تجار الدونمة - وهم يهود سلانيك المتظاهرون بالإسلام - عونا ماديا كبيرا مكنهم من تأليف جمعية كبيرة انتشرت في كافة أنحاء الإمبراطورية العثمانية، ومن بينها البلاد العربية، ألا وهي: جمعية «الاتحاد والترقي».
وقد استطاع الضابط نيازي بك أن يفر من الجيش مع بعض إخوانه من أعضاء الجمعية؛ الضباط والمدنيين، فيلجئون إلى جبال «رسنه» في ولاية مقدونية، وأخذوا ينظمون الحملة على «الخليفة الطاغية»، معطل الدستور، ويؤلبون الجيش عليه، ويحرضون المدنيين على العصيان المدني. وكان أول النذر أن أعلن رجال الفيلقين الأول والثاني في بلاد «الروم أيلي» والفيلق الرابع في بلاد «كردستان» انضمامهم إلى الحركة الإصلاحية، وأبرق نيازي بك إلى الخليفة برقية يطلب فيها أن يعيد العمل بالدستور وإلا فإن الفيالق ستزحف على دار الخلافة وتقصي الخليفة السلطان عن عرشه. فاستهان هذا بهم أول الأمر ، ولكنه لما رأى أن الأمر جد أصدر «إرادة شاهانية» بإعادة الدستور العثماني، وكان ذلك يوم الجمعة في 25 جمادى الآخرة سنة 1326ه/1908م، فتنفس الأحرار في البلاد، وأطلقت حرية الكتابة والنشر، وألغيت الجاسوسية المخيفة المنتشرة في شتى أنحاء البلاد.
وكانت البلاد العربية، وبخاصة العراق وسورية، قد ابتهجت ابتهاجا عظيما، وأخذ الأحرار ينخرطون في سلك «جمعية الاتحاد والترقي»، ولكن هؤلاء الأحرار فوجئوا بظهور نوايا سيئة لدى «الاتحاديين» الأتراك؛ لأنهم كانوا ميالين إلى تتريك البلاد العربية ودمجها في العنصر التركي، فأخذوا ينظرون إلى حركاتها بحذر وانتباه شديدين.
كما أخذ الاتحاديون من جانبهم يعملون على تقوية نفوذهم والقضاء على خصومهم. ثم رأوا أن الحل الجذري هو في خلع السلطان، فاستصدروا فتوى بخلعه لقتله الأبرياء وتعذيبهم وإحراق الكتب والإسراف في تبذير أموال الأمة، وبايعوا ولي عهده رشاد أفندي باسم: محمد رشاد الخامس. •••
ساءت الإدارة العامة في العهد الحميدي بشكل واضح، وبخاصة في البلاد العربية؛ لأن السلطان عبد الحميد الثاني كان سيئ الإدارة كما رأيت، تسيطر عليه الأفكار الرجعية ويطغى عليه حب الطمع والخوف من أن تتفتح عيون الشعب عليه. وكان يحكم البلاد بشبكة من الجواسيس والإرهابيين، وقد حظر تعليم التاريخ الصحيح في المدارس، وحرم تدريس العلوم السياسية والاجتماعية، وبخاصة في البلاد العربية. وكان يهتم بنفسه في تسمية الأساتذة والمدرسين، ممن يطمئن إليهم على تنفيذ خطته، وكان يوعز إليهم من وراء ستار بأن يعملوا على نشر الجهالة ويعرقلوا سير ركب العلم، وكان من جهة ثانية يسعى عن طريق بعض ضعفاء النفوس من رجالات الدين وأرباب الطرق الصوفية ليعملوا على نشر الأباطيل والخرافات والجهل، كما كان لا يسمح بطبع الكتب إلا بعد تدقيقها؛ فإن وافق عليها المدققون من جماعته نشرت، وإلا طويت وأحرقت. يقول الأستاذ المرحوم محمد كرد علي: «اشتد ضغط عبد الحميد على المدارس حتى حظر أن يعلم فيها التاريخ الصحيح وعلوم السياسة والاجتماع؛ لأنها ترقي العقول وتلقح الأذهان، وأصدر إدارته السرية إلى مديري المعارف في بعض الولايات ومنها الشام: أن يوقفوا سير المعارف عند الحد الذي وصلت إليه؛ لأن في انتشار المعارف انتشار المفاسد وتمزيق شمل الأمة.
Page inconnue