L'ère du renouveau : Histoire de la nation arabe (Partie 8)
عصر الانبعاث: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثامن)
Genres
3
ولا شك في أن الحركة الوهابية كانت بذرة من بذرات القومية العربية، وعاملا من عوامل إيقاظ الوعي الوطني الديني الساعي إلى تطهير النفس العربية مما علق بها من أوضار الماضي وجهالات الاستعمار الأجنبي الذي أفسد كل شيء في دنيا العرب، وحاول أن يطمس نور الحقيقة والإيمان، ويقضي على الحيوية العربية، في البلاد العربية عامة وجزيرة العرب خاصة. ولكن ظهور الدعوة الوهابية بما اشتملت عليه من تحريض على الجهاد، وتطهير للنفوس، وإذكاء للوعي بصفة عامة، قد أيقظ العرب من سباتهم، وأثار فيهم الوعي القومي العربي وإن لم تكن هذه الإثارة مقصودة بذاتها.
الفصل الرابع
حركات الإصلاح في الآستانة وآثارها
في العراق والشام
لقد أحس حكام الآستانة بعد توقيع مندوبهم على معاهدة «كوتاهية» يوم 18 نيسان سنة 1833م في مقر إبراهيم باشا ابن محمد علي، أن إمبراطوريتهم العظمى آخذة في الانحلال فالاندثار، إن لم تتخذ خطة جديدة في سيرها وتعمل على الإصلاح والأخذ بأسباب الحضارة الجديدة؛ ولذلك أصدر السلطان محمود الثاني سنة 1255ه/1839م فرمانات بتنظيم الجيش تنظيما صحيحا، وبإصلاح شئون البلاد، وبعقد المعاهدات مع الدول العظمى، وبالأخذ بأسباب الحضارة الجديدة؛
1
فإنه بعد أن نظم الجيش تنظيما صحيحا بوساطة المدربين الأوروبيين، عمد إلى الإصلاح الإداري؛ ففي سنة 1253ه/1837م ألغى لقب «الصدر الأعظم» وأحدث لقب «الباش وكيل»؛ أي رئيس الوزراء، وأحدث منصب وزارة الداخلية والوزارات الأخرى، وبعد سنة نظم أمر رواتب الموظفين، فصاروا يأخذونها آخر كل شهر من خزينة الدولة بعد أن كانوا قبل ذلك يأخذون منحا أو تعويضات من الأهلين.
ولم يمت السلطان محمود في 19 ربيع الثاني سنة 1255ه 1 تموز سنة 1839م إلا بعد أن وضع أسس الإصلاح، حتى عده المؤرخون بمثابة الملك بطرس الأكبر الذي نظم شئون القيصرية الروسية.
ولما مات محمود خلفه ابنه السلطان عبد المجيد خان وله من العمر نحو 18 سنة، وفي عهده تولى وزارة الخارجية رشيد باشا، وكان رجلا مصلحا تقلب في عدة من وظائف الدولة الكبرى، ومن بينها سفارة بلاده في لندن، فأعجب أشد الإعجاب بالنظام البرلماني والأسلوب الدستوري، فلما تولى منصبه السياسي ببلده عزم على أن يطبق تلك الأنظمة ويجعل لبلاده دستورا عصريا، ويسمو ببلاده في نظر الأوروبيين الذين أخذوا ينظرون إلى محمد علي صاحب مصر نظرة إكبار على عكس نظرتهم إلى دولة الخلافة العثمانية، وقد حبذ العمل كل من بريطانية وفرنسة. ونورد فيما يلي خلاصة ذلك الدستور المعروف باسم: «فرمان كل خانه»، الذي تلي علنا على جمهور كبير من الوزراء والأعيان يوم 26 شعبان سنة 1255ه 3 تشرين الثاني سنة 1839م:
Page inconnue