Histoire de la traduction et du mouvement culturel à l'époque de Mohammed Ali
تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
Genres
195
وبهذا استطاع أن يعهد لبعض النابغين من تلاميذه بترجمة الكتب في السنوات الأولى من إنشاء المدرسة، ومن عجب أن نرى بعض الكتب قد ترجمت وطبعت قبل أن تخرج المدرسة دفعتها الأولى؛ ففي سنة 1252 - أي بعد إنشاء المدرسة بسنة واحدة - ظهر كتاب تاريخ الفلاسفة اليونانيين مترجما بقلم عبد الله أفندي حسين الذي يقول في مقدمته: «وكنت وقت ترجمته بمدرسة الألسنة بالأزبكية»، أي كان لا يزال تلميذا بها.
وبعد نحو 3 سنوات من إنشاء المدرسة (1254) أخرجت كتابين آخرين وهما «تنوير المشرق بعلم المنطق»، ترجمة خليفة محمود، و«بداية القدماء وهداية الحكماء»، وقد اشترك في ترجمته مصطفى الزرابي ومحمد عبد الرازق وأبو السعود، وهم جميعا من تلاميذ المدرسة.
ثانيا: وأخذ رفاعة تلاميذه أيضا - بما أخذ به نفسه من قبل - من إقبال على الترجمة في مختلف العلوم والفنون، فلم تعرف المدرسة ولم يعرف خريجوها التخصص
196
في ترجمة علم بعينه، وإنما كان يفرغ أحدهم من ترجمة كتاب في التاريخ فيعهد إليه بترجمة آخر في الطب، ثم ثالث في الكيمياء، أو في الجغرافيا، وهكذا، ولكننا نلاحظ أن ميول الخريجين الخاصة، ووظائف الترجمة التي تولوها بعد تخرجهم قد وجهت كلا منهم إلى نوع من التخصص في الترجمة، أو التأليف في علم من العلوم، فاتجه محمود خليفة وأبو السعود، ومصطفى الزرابي، ومحمد مصطفى البياع إلى ترجمة الكتب التاريخية، واتجه صالح مجدي وأحمد عبيد الطهطاوي إلى ترجمة الكتب الهندسية والحربية، ومحمد الشيمي، والسيد عمارة وحسين علي الديك إلى ترجمة الكتب الرياضية، وعبد الله بك السيد، ومحمد قدري باشا إلى ترجمة الكتب القانونية، والتأليف فيها، وهكذا.
ورغبة في ترجمة أكبر عدد ممكن من الكتب، وإنجاز الترجمة في أسرع وقت، كانت الكتب توزع على المترجمين أجزاء إذا كان الكتاب يتكون من أجزاء كثيرة، أو فصولا إذا كان الكتاب جزءا واحدا، وكان يحدد لكل مترجم وقت معين لإنجاز الترجمة حسب كبر الجزء أو الفصل أو صغره، وكانت تتراوح هذه المدة بين أربعة عشر شهرا وخمسة أشهر.
وكان رفاعة يشرف بنفسه على مراجعة وتصحيح معظم الكتب، إن لم يكن كلها، يشهد بذلك المترجمون من تلاميذه جميعا في مقدمات كتبهم، فهذا عبد الله حسين يقول في مقدمة تاريخ الفلاسفة: «فاستعنت في مشكلات الكتاب، وتحرير ترجمته بمدير تلك المدرسة البهية.» وهذا خليفة محمود يقول في مقدمة «إتحاف الملوك الألبا بتقدم الجمعيات في بلاد أوروبا»: «وحيث إنها باللغة الفرنساوية من مستصعبات التآليف، ومختصرات التصانيف، استعنت في تذليل صعابها، وكشف نقابها بمراجعة من لسان القلم في مدحه ووصفه قصير، ومن أتى في مدحه بأبدع مقال فإنما هو آت بيسير من كثير، حضرة رفاعة أفندي مدير مدرسة الألسن، حين التوقف والحاجة إلى ذلك، وهو أيضا صححها على أصلها، وقابلها كل المقابلة، فبهذا كانت خير ترجمة لا سيما من أمثالي، حيث إنه لم يكن لي في مدرسة الألسن غير سنتين، في اشتغالي بهاتين اللغتين، إلخ.» وقال في مقدمة «إتحاف ملوك الزمان بتاريخ الإمبراطور شارلكان»: «بذلت الهمة في تعريبه، وتنقيحه وتهذيبه، وازداد تهذيبا بمقابلته مع رب البلاغة والتدقيق، من أوتي في هذا الفن مفاتيح كنوز الحقيقة والتحقيق، حضرة رفاعة أفندي ناظر قلم الترجمة، إلخ.»
ولم يكن من المستطاع أن يقوم رفاعة بمراجعة وتصحيح كل الكتب المترجمة - على كثرتها واختلافها - بنفسه؛ ولهذا أخذ - بعد حين - يشرك معه في هذا العمل بعض مدرسي المدرسة ومصححيها، وخاصة الشيخ محمد قطة العدوي. قال أحمد عبيد الطهطاوي في خاتمة كتاب «الروض الأزهر في تاريخ بطرس الأكبر»: «يقول مترجمه، قد صرفت في ترجمته على صعوبته الهمة، وسهرت في مطالعته وفهمه الليالي المدلهمة، واستعنت فيما حواه من المشكلات، وما اشتمل عليه من المعضلات، بمراجعة صاحب الرفعة رفاعة بك ناظر قلم الترجمة، وتصحيح غالبه بمعرفة العلامة الشيخ محمد قطة العدوي.»
197
Page inconnue