Histoire de la traduction en Égypte à l'époque de la campagne française
تاريخ الترجمة في مصر في عهد الحملة الفرنسية
Genres
وأخيرا يختم الجبرتي قصة والده وعلماء مصر مع الباشا بجملة لطيفة فيها نقد ساخر لاذع، فيقول: «وكان المرحوم الشيخ عبد الله الشبراوي كلما تلاقى مع المرحوم الوالد يقول له: «سترك الله كما سترتنا عند هذا الباشا، فإنه لولا وجودك كنا جميعا عنده حميرا».»
8
لم تنقطع الصلات بين الشرق والغرب - حربا وسلما - منذ ظهر الإسلام. وكانت الحروب الصليبية أبرز صور هذه الصلات، ولكن معاركها الحربية انتهت بإخراج صليبي أوروبا من بلدان الشرق الإسلامي، فعادوا إلى قارتهم وهم يشيدون بشجاعة الشرق وقوته، ثم شغلت أوروبا منذ ذلك الحين بنهضتها وحروبها القومية قرونا، وشغل الشرق بالمغول حينا وبنفسه حينا آخر، كل ذلك والصلة تضعف شيئا فشيئا، ولكنها لم تنقطع؛ فقد ظلت السفن تنقل التجارة بين الشرق والغرب طول عصر المماليك، فكانت تجلب معها إلى موانئ مصر والشام التجار الغربيين، وكانت تقيم منهم جاليات في هذه الموانئ، وكان يقيم مع هذه الجاليات قناصل يرعون مصالح دولهم التجارية، وكانت تعقد المعاهدات والاتفاقات التجارية بين حكام مصر والشام من المماليك، وبين ملوك ودوقات هذه الدول الأوروبية، وكانت مصر أخيرا حريصة الحرص كله - طول عهد المماليك - على أن تبقي على هذه العلاقة قوية وثيقة، فهي المنبع الذي يدر عليها المال الوفير، ولكننا لا نستطيع أن نؤكد أن الصلة العلمية بين مصر والغرب في ذلك العهد كانت مبتوتة مقطوعة، إذ لم يكن لدى مصر وقتذاك علم جديد تقدمه وتزجيه، ولم يكن الوافدون عليها من تجار أوروبا ممن يعنون بنقل العلوم، ولم تكن أوروبا قد خطت بعد - حتى الفتح العثماني لمصر سنة 1517 - في سبيل نهضتها الجديدة الخطوات المثمرة.
وجاء الفتح العثماني كما قلنا فحجب مصر وبلدان الشرق عن الاتصال بالغرب، وعاصره أيضا كشف الغربيين لطريق رأس الرجاء الصالح، فتحولت التجارة، وتحول الخير معها عن مصر، وهكذا انقطع الخيط الأخير من الصلات التي كانت تربط بين مصر ودول أوروبا، فبدأت عهد رهبنة، أو تصوف، أو دروشة غريب، ساعدها عليه كثرة ما بها من خوانق، وربط، وتكايا، وزوايا، وسيطر على عقول الجماهير جماعات
9
من المشعوذين والمدعين الولاية، فشاعت الخرافات والترهات، وأصبح الإيمان بالمعجزات يقوم عند الشعب، بل وعند العلماء، مقام الدين.
وهكذا تم لمصر - وهي زعيمة الشرق - كل عوامل الضعف، فقد ضعفت حربيا بتملك العثمانيين لها، وضعفت اقتصاديا بتحول التجارة عنها، وضعفت علميا وروحيا بسيطرة أفكار التصوف والدروشة على عقول أهليها.
وكانت أوروبا حتى أواخر القرن الثامن عشر «لا تزال تحفظ للشرق الإسلامي الشيء الكثير من الاحترام؛ لأنها لم تنس بعد بأسه الشديد في الحروب الصليبية وفتوحات الأتراك. ولكن نفرا من السائحين بدأ يدخل الشرق، ويطوف به، ويتأمل أحواله، فيزداد عجبا، ثم يمضي إلى قومه فيتحدث إليهم عما رأى من انحطاط المجموعة الإسلامية، وضعفها البالغ. فبدأ الأوروبيون يشكون في قوة الشرق الإسلامي، وبدأت هيبته تسقط من أعينهم، وفكروا في استعمال طريق البحر الأبيض من جديد.»
10
وفيما نقلناه عن «فولني» تصديق لهذا القول؛ ولهذا بدأت بعض دول أوروبا - وخاصة فرنسا - تفكر تفكيرا جديا في غزو هذا الشرق الضعيف. وكانت نتيجة هذا التفكير الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798 يقودها القائد الشاب المغامر «نابليون بونابرت».
Page inconnue