Histoire de Napoléon Bonaparte
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
Genres
أترى رغب مجلس الشعب في عودة بونابرت إلى فرنسا بعد أن أبصره ذاهبا منها بغبطة سرية لم يجهلها المحارب نفسه؟ إن من الصعب أن يدرك سبب هذا الرجوع الفجائي بعد أن تناقضت الآراء فيه، إلا أن الحقيقة التي نراها هي أنه بعد أن سئم الشرق لما لقيه من المعاكسات في سوريا، وبعد أن تناهت إليه الحالة الفكرية في فرنسا شخص إليه أن الوقت قد حان ليظهر أفكاره الطماعة ويحولها إلى الغرب، قال في نشرة أصدرها في الإسكندرية ما يلي: «إن أنباء أوروبا حتمت علي الذهاب إلى فرنسا؛ فإني أترك قيادة الجيش إلى الجنرال كليبر، سيطلع الجيش على أخباري عما قريب، إنني آسف جدا على تركي جنودا أجدني كثير التعلق بهم، ولكن لن يطول غيابي، والقائد الذي أتركه يحمل ثقتي وثقة الحكومة.»
أبحر نابوليون في أواخر آب صاحبا معه برتيه، ومارمون، ومورات، ولان، وأندريوسي، ومونج، وبرتولله، وغيرهم، وتحايد مراقبي الإنكليز الذين يجولون في البحر؛ إذ كانوا قد ابتعدوا على الشواطئ الأفريقية واتجهوا إلى مرفأ في قبرص ليذخروا مؤنة لهم، وصل بونابرت إلى فريجوس في السادس من شهر تشرين الأول.
لقد تخلل السفر من الإسكندرية إلى فريجوس أخطار وعوائق عديدة؛ فإن المراكب اضطرت لتخرج من مياه مصر، أن تقاوم رياحا معاكسة أجبرت الأميرال أن يلجأ إلى المرفأ، ولولا عزم بونابرت الراسخ الذي وطن النفس على اقتحام جميع المخاطر لتحقيق حظوظه العلياء التي تنتظره في أوروبا، لما وجد الجنود مفيضا من البقاء في المرفأ، ولقد صادف عند رحيله من أجاكسيو عوائق شديدة كالتي صادفها بين الإسكندرية وفريجوس إلا أنه أصر على مواصلة السير كما أصر هناك، هذا العزم الثابت القوي والدليل الرهيب الذي رسمه بونابرت للأميرال غانتوم، على طول شواطئ أفريقيا؛ ليجيء عقيب ذلك فيدخل إلى رأس سردينيا، كانا السبب في تملصه من رقباء الإنكليز.
كان منظر المحجوزين «المكرتنين» يكدره جدا، كما أنه إنما كان يحزن لرؤية أصغر مركب في البحر. تناهى إليه وهو في أجاكسيو خبر عاقبة موقعة نوفي المشئومة، فكان لا يفتأ يردد قوله: «لولا هذا الحجر الملعون لما ترددت عن قيادة جيش إيطاليا، فهناك وسائل لا أزال أراها.»
كان بونابرت يشعر بحاجة إلى إضعاف التأثيرات المؤسفة التي قد يسببها سفره من مصر، ذلك السفر الفجائي الشاذ الذي سيعرض القائد للتوبيخ على هجر جيشه، ولكن، عندما أدرك مدى النكبات التي قاساها الجند الفرنسي ما وراء الجبال، فقد الأمل بتحقيق الانتصارات السريعة التي حلم بها، وأسقط في يده، حتى إن حزنه جعل القائلين يقولون: إنه يحمل حزن إيطاليا. عدا عن ذلك؛ فإن تهافت سكان فريجوس إليه وقاه من غموم الحجر وضجره، لم يكد هؤلاء يعلمون بدخول القائد بونابرت إلى مرفئهم، حتى ملئوا البحر بالمراكب، واتجهوا جماعات حول المركب الكبير الذي يقل الرجل العظيم وهم يصرخون: «إننا لنؤثر الطاعون على النمسويين.» عند هذا أصبحت الاحتياطات الصحية صعبة مراعاتها، فاغتنم بونابرت هذه الفرصة لتعجيل عودته إلى باريس.
كان قد بشر إخوته وامرأته بوصوله، فأسرعوا لملاقاته على طريق بورغونيا حسب الدليل الذي أرسله إليهم، إلا أنه ما وصل إلى ليون، حتى غير فكرته وأخذ طريق البوربونه، أما جوزيفين وأسلافها، فعندما لم يجدوه في ليون عادوا بسرعة إلى باريس، إلا أن السواد الأعظم من الشعب، بالرغم من تضارب الآراء في عودة القائد العام الذي ترك جيشه ما وراء البحار، تحت سماء محرقة وفي أرض وبائية، لم يجدوا بدا من استقباله كرجل منقذ. كانت الديموقراطية، بعد أن أعطت فرنسا طرقها العظيمة ضد الخارج، قد أتيح لها أن تسبب في الداخل مللا عموميا من فرط التقلبات والمعاكسات، ولم يبق للثورة التي قيض لها وجود أعضاء جديرين في المجلس الشرعي، والاتفاقية، وجمعية السلام العام، أن تنتظر نظما وولاة من هذا العصر؛ لأنهم أضاعوا احترام السلطة فأفقدوا الحرية منفعتها، واستبدلوا بمظالم الأحزاب المتوالية سلطة الشعب المطلقة، إذا أضفنا على ذلك أن الجمهورية لم تستطع في الشكل الذي اتخذته، أن تبقي النصر تحت الأعلام الفرنسية، وأن النكبات المتتالية قد أضاعت ثمرة أولى الفتوحات الخالدة، يدرك بسهولة أن الأفكار قد أصبحت جميعها مهيأة لانقلاب سياسي كبير، ولكن، من يحقق هذا الانقلاب، وفي أي شكل يكون؟ هذا ما كان الجميع يتساءلون عنه، وهم في تيار من الظنون والآمال والمخاوف. أما الانقلاب في الحكومة فلم يكن من صالح الجمهورية التي تحمل أثقال الذكريات والظنون، تلك الأثقال التي لم تنج منها بعد والتي كان يتذمر منها ويتوقع نهايتها بفارغ صبر. ولم يكن ذلك الانقلاب أيضا ليستطيع أن يتحول إلى جهة الملكية؛ لأن الكتلة الشعبية لم تقف عن رغبتها في نتائج الثورة على ما هي عليه من التعب في تيار السياسة الجمهورية.
كان الرأي العام يظهر ميله نحو التئام السلطات الشعبية في أيد قوية جبارة، ولكن دائما لفائدة الثورة وليس ضدها، في مثل هذا الموقف كانت الضرورة تدعو إلى تولي زمام الأعمال رجلا يستطيع أن يصون تنظيم ثورة 89 الذي حال دون تهيئة الأفكار لفائدة الحزب الملكي من الخطر الذي جشمه إياه فتور مراجع السلطة، فهذا الرجل وجب أن يكون ثوريا صادقا، غيورا على المنافع الجديدة، متشربا روح العصر الذي هو فيه، جالسا على مجد كسبه من وراء الخدم التي أداها إلى فرنسا المجددة، وجديرا بأن يجذب إليه عطف الشعب وثقته بما في دماغه من النبوغ وما له من الشهرة، ووجب أن يكون أيضا ذا ذراع قوية تضمن لفرنسا الدفاع عنها ضد هجمات الدول، وأن لا يكون اسمه بين أسماء رجال الأمة القساة الذين لعبوا دورهم في عهد الهول
7
الذي أنقذ الوطن من غير أن يدع للمنقذين مجازاة سوى عار اسمهم.
إن الذي يتاح له وحده أن يقمع الأسد الشعبي ويقلب القاعدة الجمهورية من غير أن يمس البدع الثورية التي كانت عزيزة على فرنسا، إنما هو جندي من جنود الثورة، كان هذا الجندي منذ زمن طويل يحدث نفسه بهذا العمل العظيم، ويرقب الوقت للاستيلاء عليه؛ لأن فطرته ومركزه وقواه كانت تقول له إنه إنما يستطيع أن يحقق جميع الشروط بنجاح وفوز عظيمين.
Page inconnue