Histoire de Napoléon Bonaparte
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
Genres
إن الذي تنبأ بونابرت عنه ورغب فيه إنما كان يتفق اتفاقا عظيما مع تمنيات الجمهور وحاجاته، فعندما شعر القوم بعودته، فكرت الأحزاب جميعها في أن تتألب حوله وتتخذ شهرته ونبوغه عضدا لها مكينا، وأن تستخدمه لتحقيق خططها وتدبيراتها.
أرادت أكثرية مجلس الشعب المؤلفة من باراس وكوهيه ومولين أن تحتفظ بنظام عام 3 لأن باراس كان يجد فيه وسيلة تضمن له استمراره في رئاسة السلطة؛ ولأن كوهيه ومولين كانا يثقان ثقة أكيدة بالقبض على زمام القاعدة الجمهورية بشكلها الحالي، أما سياييس الذي كان دائما يغذي في أعماق قلبه ميلا ملكيا وكراهة للصيغ الشعبية، فقد كان ينتظر بفارغ صبر فرصة سانحة ليظهر ميله السري، حتى شكي أنه فكر في خيانة الجمهورية لفائدة أمير من أمراء برونسويك، كما اتهموا باراس بأنه فتح علاقات مع البوربونيين.
كان سياييس موقوفا لكل من يجرؤ على تسويل انقلاب ضد الجمهوريين ونظمهم، وكان روجير ديكو، رفيقه لا يفكر ولا يعمل إلا على يده، على أن بونابرت أنكر بادئ ذي بدء هذه المشاركة في الجريمة، حتى إنه أظهر نحو سياييس احتقارا مهينا في وليمة له أقامها كوهيه ثاني يوم المقابلة التي جرت بين القائد ومجلس الشعب، قال سياييس بشراسة عقيب تلك الوليمة: «انظروا كيف أن هذا المتغطرس يعامل عضوا في سلطة كان من حقها أن تعدمه رميا بالرصاص!»
إلا أن هذا التباعد الذي تبادله العالم الطبيعي
8
والمحارب أذعن فيما بعد للرغبة المشتركة في إبدال النظام السياسي في فرنسا، قال أحدهم أمام بونابرت ذات يوم: «فتشوا عن مساعد في الأشخاص الذين يعاملون أصدقاء الجمهورية معاملة الجاكوبيين، وثقوا بأن سياييس إنما هو في مقدمة هؤلاء.» فشعر القائد بأن مقته يضعف أو أنه عمل على تبديده ليتاح له أن يشرك في تنفيذ نواياه الرجل الذي احتقره بادئ ذي بدء والذي - بدون شك - لم يكن يحبه، أما مجلس الشعب، فلكي يتملص من جوار خطر، أراد أن ينفي بونابرت إلى قيادة الجيش التي تصلح له أكثر من غيرها، إلا أن هذا العرض وإن كان يستهوي أي قائد كان، إلا أنه لم يكن ليستهوي سيد فرنسا المزمع، قال: «لم أكن أريد أن أرفض، إلا أني سألتهم أن يفسحوا لي في الوقت لتعود إلي صحتي، ولكي أتجنب عرضا آخر كهذا العرض آثرت الانزواء. إنني لن أعود إلى مجالسهم، ولقد وقفت نفسي لحزب سياييس؛ إنه لينطوي على آراء أفضل مما ينطوي عليها حزب باراس الفاسد.»
إن التدبيرات التي سببت 18 برومير إنما دبرت في المجالس على يد لوسيان بونابرت وسياييس، وتالليران، وفوشه، وريال، ورينيول ده سن جان دانجلي وغيرهم. أما فوشه، فقد أظهر خاصة، فراغ صبر في إتلاف القاعدة الجمهورية التي خدم في الماضي مطاليبها الصارمة، قال لكاتم أسرار بونابرت: «قل لقائدك ليسرع؛ فإذا تأخر هلك!» وأما كامباسيريس ولوبرون فقد كانا بطيئين في عزمهما؛ فإن دور المتآمر لم يتفق مع احتراس الأول واعتدال الآخر. فلما أخبر بونابرت بترددهما، صرخ كمن ملك التصرف في مقدرات فرنسا قائلا: «لا أريد ترددا ومحاولة، ألا فليعلما أنني لست بحاجة إليهما، وليعزما اليوم إذا شاءا وإلا فغدا يفوت الحين؛ إنني لأشعر بقوة في نفسي تسمح لي أن أعمل وحدي!»
إن جميع القواد المشهورين الذين كانوا في باريس وافقوا على نظريات بونابرت، حتى إن مورو نفسه انضم تحت لوائه، وسنرى فيما بعد أي عمل رضي القيام به في الموقعة التي كانت تتهيأ، ولكن هذا المتآمر العظيم إنما كان بحاجة إلى مساعدة ذلك الرفيق المحارب الذي كان يخشى مقاومته وذكاءه؛ كان بونادوت يصر على الدفاع عن الجمهورية وتنظيمات عام 3. عند هذا ذهب به جوزيف بونابرت، وهو قريب له، إلى أخيه في صبيحة 18 برومير، كان هناك جميع القواد بلباسهم الرسمي، أما برنادوت فقد حضر بلباسه المدني، فتكدر بونابرت من ذلك وأظهر له دهشته، ثم انحدر به إلى غرفة منفردة حيث تكلم عن مقاصده بأبعد ما يكون من الحرية، قال: «إن مجلسك الشعبي هذا لمجلس ممقوت، ومجلسك التشريعي بال، فيجب أن يعزل هؤلاء الموظفون وينتخب مجلس آخر للحكومة. اذهب وارتد لباسك الرسمي، فلا أستطيع أن أنتظرك أكثر من ذلك؛ ستجدني في التويلري بين رفاقنا جميعهم، لا تعتمد لا على مورو ولا على بورنونفيل، ولا على القواد الذين هم من رأيك، وعندما تختبر الرجال أكثر من ذلك يتضح لك أنهم يعدون كثيرا ويفون قليلا.» فأجابه برنادوت أنه لا يريد أن يسبب عصيانا، فطلب منه نابوليون أن يعده إذن بتجرد تام، فقال له الجمهوري الصارم الذي صار ملكا فيما بعد:
9 «إنني سأبقى هادئا كمواطن، ولكن إذا فوض إلي مجلس الشعب الأوامر للعمل فإني أمشى ضد المقلقين جميعهم.» أما بونابرت فبدل أن يستسلم لصاعقة طبعه لدى هذه الكلمات، اجتهد في قمع غضبه عله يتوصل بالمداهنات والوعود إلى اكتساب تداخل رجل ذي ذكاء وشجاعة قد يستطيع أن يحبط مؤامراته.
بينما كان كل ذلك يجري في بيت صغير في شارع النصر، حيث يسكن قاهر أركول والأهرام، كان مجلس القدماء مرسلا مع ساع هذا الأمر الآتي: (1)
Page inconnue