أما الرجال الذين كانوا قد دخلوا الحصن فصعدوا إلى أحد الأبراج المشرفة على السوق، وشرعوا يطلقون النار من المصاليت على رجال ابن سعود، فجرحوا أربعة منهم وقتلوا اثنين.
تراجع الهاجمون إلا عبد الله بن جلوي فكان أول من دخلوا الحصن، وراح يعدو وراء عجلان الذي كان قد تفلت من عبد العزيز، فرماه بالرصاص فخر لوجهه قتيلا.
نادى عبد العزيز برجاله واستفزهم فاقتفوا أثر عبد الله. هجموا على الحصن هجمة واحدة، فصاحوا بمن فيه وفتكوا بهم، فقتلوهم إلا عشرين رجلا كانوا قد تحصنوا في جهة منه، ولكن عبد العزيز أمنهم على حياتهم فسلموا.
وبعد سقوط الحصن في الخامس من شوال 1319 /15 يناير سنة 1902، والاستيلاء على الرياض باشر الأمير السعودي الشاب بناء السور الجديد القائم اليوم حول أقسام متهدمة من السور القديم، فتم بناؤه في نحو خمسة أسابيع.
الفصل الثالث
الحرب في الخرج
لم يحدث احتلال الرياض أمرا جديدا في السياسة الدولية؛ أي بين الدولة العلية والحكومة البريطانية. فظلت الأولى مذبذبة مراوغة، واستمرت الثانية مراقبة ومن وراء الستار حاكمة بأمرها.
أما الشيخ مبارك فقد كان احتلال الرياض بردا وسلاما على قلبه ، ولم يكن عكس ذلك ظاهرا في ابن الرشيد. فقد سمع الخبر غير مكترث به وضرب له الأمثال فقال: أرنبة محجرة وأهلها مقيمون؛ أي إنه يستطيع أي يوم شاء أن يخرج ابن سعود من الرياض؛ لذلك لم يتزحزح من الحفر فأقام هناك أربعة أشهر يفاوض الترك في بغداد وهو يعلل النفس باحتلال الكويت.
وكان الترك يرحبون برسله وهداياه، ويعدونه بالمساعدة ويتقاعسون. أنت تذكر أن الحملة التي أرسلوها مرة على الشيخ مبارك ظلت ستة أشهر في الطريق من بغداد إلى الزبير. وقد أشرت إلى السبب بل السببين في ذلك. ناهيك بأنه لم يكن للدولة آنئذ في ابن الرشيد الغرض الذي ولدته الحوادث فيما بعد، بل كانت أميل إلى مبارك وهو على البحر منها إلى أمير في داخل البلاد العربية.
ولكن مباركا والى الإنكليز، ودعاهم إلى بلاده، فاستحق لذلك إهمال الدولة بل نقمتها. وبما أنها كانت عاجزة عن إظهار تلك النقمة في مظهر من القوة يليق بعظمتها، فقد اكتفت بأن تظهر ولاءها لابن الرشيد، وتأذن له بأن يفاوضها في محاربة ابن الصباح. وقيل إن الحكومة البريطانية كانت تضغط عليها لتمنعها من مساعدة ابن الرشيد مساعدة حربية. ولا غرو، فالسبب في ذلك - السبب المعروف - هو أنها بعد أن استقرت في الكويت، وتعاهدت وابن الصباح، أصبحت حامية لبلاده.
Page inconnue