رأينا فيما تقدم كيف نشأت نظرية «التطور»، ذاكرين في بداية عرضها أنه قد يكون انتقال الأشياء وتغييرها إلى النقصان والضمور أو الزوال، فيسمى هذا الانتقال «تقهقرا» أو «تدهورا»، عوضا من أن يكون إلى الزيادة والنمو والارتقاء، وإلى الأحسن كما هو المشاهد في «التطور» الاصطلاحي الفني.
وقد أشار الفيلسوف اليوناني القديم المعروف «أفلاطون » إلى شيء من هذا التدهور كما سيجيء بعد. (2-1) فلسفة أفلاطون
ولد أفلاطون في سنة 427ق.م في جزيرة أچيفا وتوفي في سنة 347ق.م، كان التلميذ الأول لسقراط وعنه أخذ الفلسفة، وقد زار أفلاطون إيطاليا ومصر وصقلية وأقام في أثينا.
وعنده أن الفلسفة معرفة العموميات والإلمام بالضروريات، وأنها منقسمة أقساما: (1) جدلية، و(2) طبيعية، و(3) أخلاقية. وأن للعقل ثلاث خصائص: الإحساس، والإدراك، والفكر. وأن الناس ثلاثة أقسام: المشرعون أو الفلاسفة الذين خلقوا للسيادة، والمحاربون للحراسة، والصناع للطاعة، أما العبيد فماشية الدولة. وأن الأفكار هي أصول الأشياء وهي عالم مستقل متصل بنا من الله مباشرة، وهي قوالب الأشياء أو نماذجها، والرجل الفاضل هو الذي يعرف هذه القوالب وروح الإنسان خالدة ومتجددة الميلاد، وهي كامنة في الجسم الذي هو بمثابة سجن لها، ويحاول أفلاطون في «جمهوريته» أن يصف كيف يتعلم الحكام في الدولة المثالية التي ينادي بها ويبين أن الفلاسفة هم الذين ينبغي أن يكونوا ملوكها.
وعند أفلاطون أن الله بعد أن خلق الدنيا سيرها مقدرا لها الفناء بعد أن تعمر 72 ألف سنة، ومن ثم لازمت جرثومة الفساد الإنسان عند نشوئه، هذا وتنعم الدنيا في النصف الأول من عمرها بالمستوى العظيم. أما في النصف الثاني فتهبط إلى هوة الفساد؛ لأن الله يتخلى عن رعاية الدنيا. ثم إنه بعدئذ يعيد إليها الحياة جديدة ويذهب «أفلاطون» إلى أن العصر الحاضر هو عصر التدهور، وأن العصر الذهبي الذي كان متسما بالبساطة قد مضى، خاصة بعد أن فقدت أثينا حريتها.
وعند الرواقيين والأبيقوريين في اليونان أن هذا العصر يبعث على التطير، وعند الرومان أن التاريخ يتداوله الصعود والهبوط مئات المرات.
وعند «باتيسون» أنه لئن صح أن هناك أصلا للأنواع وانتخابا طبيعيا بينها، فإن كثيرا من الفروض والنظريات التي يقوم عليها المذهب الدارويني واهي القاعدة.
وذهب «مندل» القس النمسوي المعاصر لداروين - بعد تجاربه في حديقة الدير بين سنتي 1856 و1872 - إلى أنه إذا وجدت الصفتان المختلفتان في النباتين المتزاوجين، فإن الصفة السائدة هي التي تسيطر على نبات الجيل الأول ولا يستطاع التفريق بين وحداتها التي سيكون إنتاجها صريحا وبين التي ستعيد ظهور الصفتين في إنتاجها.
وعند «سانت أوغسطين» في العصور الوسطى أن العالم قد أشرف على النهاية، وأن التقدم الإنساني مستحيل منذ عصى آدم ربه مورثا دم سلالته الإثم والخطيئة.
وعند «بيكون» أن الجماعة البشرية قد شاخت ومن ثم فهي ستهبط إلى أن تفنى.
Page inconnue