ولما كانت الحياة تشتعب هذه الأنواع الثلاثة، كان في الإنسان، وهو كائن حي، هذه الطبائع الثلاث: الخمود، والغريزة، والعقل. وكانت الحياة ترمي - وهي تسير متخطية المادة والعوائق - إلى تحقيق غاية معينة.
وعند «ماكوستون» أستاذ البيولوچيا في الجامعة الأمريكية بالقاهرة أنه لما بدأ الناس يظنون، على أثر دراستهم للآثار المتحجرة، أن في نشوء أنواع النبات فعلا تطوريا وتدريجيا؛ قالوا: إنها نشأت بفعل التطور من أحياء بسيطة ذات خلية واحدة. وهذا ما يعرف عند طائفة كبيرة من الناس «بنظرية التطور» الآن. ولكنه في عرف السواد من علماء الأحياء «حقيقة التطور»، وهم لا يحسبونها «نظرية» فقط؛ لأن الأدلة التي تؤيدها كثيرة مستمدة من الچيولوچيا «علم طبقات الأرض» والمورفولوچيا «علم شكل الأحياء»، وعلم تفرق النبات والحيوان وعلم الأجنة، ومن التجارب العلمية في استحداث أصناف جديدة من أنواع النبات والحيوان الداجن.
نمو الجنين يؤيد النظرية الداروينية
ومما اتخذ دليلا على مذهب التطور أنه حين تستقر الخلية المذكرة اللاقحة في الرحم، تنقسم نصفين، وكل منهما نصفين، وهلم جرا، إلى أن تتألف مجموعة من الخلايا تتخصص في الجنين إلى خلايا الدم وألياف العضل ونسيج العظام، وفي أثناء الانقسام والتخصص تتخلف خلايا صغيرة تحتفظ بمهمة التناسل، وإبقاء مادة الوراثة أو النواة الجرثومية في شكل خيوط يبلغ عددها في النواة الجرثومية للإنسان 48، ينتقل نصفها من الوالدين إلى المولود، وهذا النصف قد يكون هو الذي ينتقل في حمل آخر أو يكون نصفا آخر، وقد يكون حاملا لأكثر الصفات العقلية والشكلية والبدنية لأحد الوالدين أو كليهما أو لأقلهما. ومن هنا يكون التفاوت بين المولود وبين والديه وبين إخوته كبيرا أو صغيرا والمشابهة بينه وبينهم كثيرة أو قليلة، وهذا خليق بأن يفسر لنا انتقال المواهب والنقائص والأمراض لا بين الوالدين وولدهم وحسب، بل بين الأجداد والأحفاد، وتوارث أسباب طول العمر أو قصره أو اعتداله في الأسر، ووجود المماثلة التامة بين توءمين من جنس واحد كذكرين أو أنثيين متى كانا ناشئين عن انتصاف خلية واحدة.
هذا وليس في وسع العلم إلى الآن أن يتحكم في تغليب الصفات الممتازة على غيرها في المادة الجرثومية عند تخلقها، مع أن التهجين قد نجح في الحيوان والنبات.
على أن النواة الجرثومية قد يطرأ عليها تحول مفاجئ ويجعلها تنقل إلى الجنين صفات أخرى غير صفات والديه أو بعضها. هذا ويقال إن مشابهة الولد لأبيه ترجع إلى أن الأم أقوى من الأب. أما مشابهته لأمه فترجع إلى نقيض هذا أي إلى أن الأب أقوى من الأم. والقوة هنا إما أن تكون بدنية أو عقلية أو هما معا.
وتقول «مارجريت شباجلبرت» في كتابها «قصة جنين»: «إن حياة الإنسان تبدأ من «نطفة مذكرة دقيقة - تبلغ من التناهي في الصغر أن لو جمعت كل النطاف اللازمة لإنتاج الجيل المقبل بأمريكا الشمالية لوسعها رأس دبوس - هذه النطفة تصطدم في رحم المرأة ببويضة كاملة النمو، فينشأ من الإخصاب - أي امتزاج النطفة بالبويضة - شخص جديد. وفي الشهر الأول من حمل الجنين، عوضا من أن تنشئ المضغة، العضو على الطراز الذي يستعمله الرجل دفعة واحدة. تنشئه على النمط الذي يوجد في حيوان أدنى كثيرا من الإنسان كالسمك مثلا، ثم تهمل هذا العضو وتنشئ عضوا آخر كالذي يستعمله حيوان أرقى كالضفدع ثم تعود فتهمله، ومن ثم فلعلها تنشئ عضوها البشري من أطلال هذه الأعضاء السابقة جميعا. ويعلل العلماء هذا التطور العجيب الشائع في نماء كل مراتب الحيوان العليا بأنه تكرار سريع لتاريخ التطور العضوي الطويل. وفي الشهر الثاني تخضع الجوارح لسلسلة مماثلة من التطورات؛ إذ تستطيل براعمها ويتفلطح الطرف المطلق لكل منها، حتى يصبح في مثل صفحة المجداف، ومن هذه الصفحات تتكون راحات الأيدي وأمشاط الأقدام.» •••
ومن آيات التطور أن جواد اليوم ذا الحافر الواحد يرجع أصله إلى جواد ذي أصابع خمس.
التطور والشئون الاجتماعية
عند بعض المشتغلين بالشئون الاجتماعية أن نظرية التطور تصلح علاجا لبعض أمراض المجتمع وعيوب التكوين الإنساني. ذلك بأن تعمد الحكومات والجماعات الإصلاحية إلى منع الذين أصيبوا، عن طريق الوراثة بالأمراض والإجرام، عن التناسل، وذلك بحقنهم بمواد خاصة ثم إلى إيجاد طراز الإنسان الممتاز بدنا وعقلا «السوبرمان»، وإلى التقريب بين الطبقات. (2) التدهور
Page inconnue