وكانوا يستعملون الموازين في أسواقهم والمكاييل ، ويعرفون من مفردات أثقالها أنواعا كثيرة كانوا يتعاملون بها ، وليس أدل على هذا من خطاب القرآن لهم ( ويل للمطففين* الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون* وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ) ويسرد بعض المؤرخين بعض الحوادث الفردية التي يحسبون أنها تحدد معارف القرشيين في علم المال أو تبين مدى حيازتهم له فيذكرون في رواية الصحابي الذي اشترت منه احدى السبايا نفسها بألف دزهم أن رفاقه عندما لاموه على رخص الثمن قال لهم والله ما أعرف فوق الألف شيئا ، ويريدون أن يستدلوا من هذا على تحديد معارف القرشيين في الأموال والأرقام ولعلهم نسوا أن القرآن كان يخاطبهم بأرقى من هذا المستوى وهو يستعرض هول يوم القيامة «في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة» أو يسرد لهم قصة يونس ( وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ) وليس من شك أن قوما أحصوا بعشرات الألوف ومئاتها كانوا على شيء كبير من الغنى ، وكان يصحبه ما يتبع الثراء من الحضارة وما في الحضارة من ترف.
كانت بيوت أموية وأخرى مخزومية يضرب المثل بها في الغنى وكان ابن جدعان يتجر في الرقيق وقد أثرى منه ثراء فاحشا حتى شبهوه بقيصرة
بو م ابن جدعان بجنب الحزوره
كأنه قيصر أو ذو الدسكرة (1)
وما ظننا بقوم كان القرآن يعرض أمامهم في صدد التشريع أدق من هذا فيشير الى النصف والثلث والربع والخمس والثمن والعشر في أوامره بتوزيع التركات ، لا ريب أنهم كانوا في بيئة تجيد هذه الكسور ومضاعفاتها.
Page 53