121

ألا ترى كيف قال الله تعالى : ( لو لا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم ) [القلم : 68 / 49] معناه : لو لا ما عصمناه ورحمناه لأتى ما يذم عليه على أصل الجواز لا على فرع الوقوع.

وهذا من النمط الذي قدمناه في قصة إبراهيم عليه السلام حيث قال : ( واجنبني ) [إبراهيم : 14 / 35] وهي أن يعبد الأصنام وهو قد أمن من ذلك بالخبر.

وقوله تعالى في قصة شعيب عليه السلام ( وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ) [الأعراف : 7 / 89]. وقوله تعالى لنبينا عليه السلام ( ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ) [الإسراء : 17 / 86] وهو تعالى لم يشأ ذلك ، بالخبر.

وأما قوله تعالى لنبينا عليه السلام : ( فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت ) [القلم : 68 / 48] يعني كيونس عليه السلام في فراره حين ضاق صدره كما قدمناه. وقال تعالى : ( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ) [الحجر : 15 / 97] كما ضاق صدر يونس ، فلا تفر كفراره.

ولذا جاء عنه عليه السلام (1): «لا تفضلوني على يونس بن متى» لما قيل له : ( ولا تكن كصاحب الحوت ) فنهاه أن يفعل فعله في قصة مخصوصة خاف على قلوب عوام أمته من اعتقاد هذه القولة على خلاف ما هي به ، فيعتقدون أنها نهي له على العموم ، وحاشى وكلا ، وكيف يصح فيها العموم وقد أمره تعالى أن يتخلق ويقتدي ويهتدي بأخلاقه وأخلاق نظرائه عليهم السلام ، حيث قال له : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) [الأنعام : 6 / 90] فقال ذلك والله أعلم.

Page 131