وهذا البرهان هو مبني على شكل الاسطقسات التي في الوسط ، وذلك أنه لما تبين له في الأرض والماء وفي سائر الاسطقسات انها مستديرة ، تبين من ذلك أن سائر الأجسام المحيطة بها مستديرة، وذلك أن بعضها مماس لبعض، وليس هنالك [20 و: ع] خلاء. فإذا كانت الأرض مستديرة كان الماء عليها مستديرا ضرورة، وإذا كان الماء مستديرا كان الهواء أيضا مستديرا، وكذلك النار والاجرام العالية السماوية التي فوق هذه الاجرام يلزم فيها أيضا، إذا كانت الاسطقسات مستديرة، ان تكون هي أيضا مستديرة، وإلا كان هناك خلاء ضرورة. فاما ان الأرض والماء مستديرا الشكل فذلك يبين بمقدمات: إحداها: أن سطح الأرض هو الموضع الطبيعي للماء الذي فيه يسكن، وليس يتحرك منه إلا قسرا، فإنه إن لم يكن هذا الموضع هو الذي يسكن فيه الماء بالطبع لم يكن له موضع يسكن فيه بالطبع ، وذلك مستحيل. والثانية: ان الماء من شأنه أن يتحرك إلى الموضع الأعمق، وهو الأقرب إلى مركز العالم، فإن وقف في الموضع الأعلى فإنما يقف قسرا. والثالثة: ان موضعه الطبيعي هو الموضع الذي لا يوجد له موضع أقرب منه إلى مركز الأرض. وإذا تقرر هذا فليكن مركز الأرض نقطة أو لنخرج من نقطة أخطين متساويين إلى سطح الأرض الطبيعي أحدهما عليه أح والآخر (عليه) أب (ولنصل نقطة ح بنقطة ب بخط ح ب)، فإن كان سطح الأرض غير مستدير، كان خط ح ب مستقيما، وكان هو قاعدة المثلث ح أب. فإذا أخرجنا من نقطة أعمودا إلى خط ح ب، وهو عمود أء، كان هذا العمود هو أقصر من كل واحد من خطي أح وأب، وذلك بين من أن الزاوية العظمى يوترها الضلع الأطول. وإذا كان ذلك كذلك ، كانت نقطة ء من سطح الأرض التي على العمود هي أقرب إلى المركز من نقطتي ح وب، فيلزم عن ذلك إذا كان الماء في احدى نقطتي ح أو ب الا يقف هنالك وقوفا طبيعيا ، (وأن يسيل إلى نقطة يكون بعدها من أبعدا مساويا لبعد ء من أ) . [Picture] مركز الأرض وإذا كان ذلك كذلك ، وكان الموضع الطبيعي لوقوف الماء هو سطح الأرض ، فواجب أن يكون هذا السطح مستديرا، وأن تكون الخطوط التي (تخرج) من المركز إليه متساوية، وكذلك يجب في شكل الماء أن يكون مستديرا، (20 و) [30 و] وكذلك يلزم أن تكون سطوح سائر الأجسام الحاوية بعضها لبعض مستديرة هكذا إلى الجرم الأقصى، فإن المقعر إذا كان طبيعيا لجسم ما، وكان مستديرا، كان المحدب له طبيعيا ضرورة، وكان مستديرا. فقد تبين من هذه الأقاويل أن العالم كله كري الشكل مستدير، وأن استدارة الجرم السماوي وكريته، كما يقول أرسطو، فقد اتقنت اتقانا لا يستطيع الصانعون أن يبلغوا كنه ذلك ولا أن يقاربوه، فضلا عن أن يبلغوه في الأمور الصناعية، وكذلك لا يمكن أيضا أن يوجد في الأشياء الطبيعية التي هاهنا، مثل الاسطقسات وغيرها من الأشياء المركبة منها، شيء يكون في أحكام الاستدارة والاستواء على شبهه ولامثاله. ولذلك ينبغي أن يعتقد أن سمكه لا يشبه في الملوسة والاستواء وصحة الاستدارة (سمك شيء من سائر الأجسام)، وأنه كل ما كان من الأجسام البسيطة أقرب منه كان أصح استدارة، وكل ما كان أبعد كان أقل استدارة، ولذلك ما نرى أن الأرض أقلها استدارة.
المطلب الرابع:
Page 214