وأقول: انه ان كان شكل الجرم السماوي غير مستدير، فإنه يلزم ضرورة أن يكون خارج العالم أما خلاء واما جسم منفعل. لكن قد تبين أنه ليس خارج العالم لا خلاء ولا جسم ، فواجب أن يكون شكل الجرم السماوي مستديرا. فاما صحة لزوم التالي للمقدم في هذا القياس فإنه يبين بما أقوله: وذلك انه لما كان الجرم السماوي متحركا دورا، فله مركز ضرورة . فإن فرضنا له شكلا غير الشكل المستدير لزم أن تكون الخطوط المستقيمة الخارجة من مركزه إلى محيطه غير متساوية. والخط المستقيم إذا توزهمناه متحركا (دورا) من غير أن يثبت في مكان واحد بمنزلة المغزل، فهو (ضرورة) يملأ موضعا ويفرغ آخر. وإذا كانت الخطوط الخارجة من المركز إلى المحيط يلزم فيها أن تملأ موضعا وتفرغ ثانيا عند حركة الكل، وكانت تتعاقب في المكان الواحد بعينه، فبين أنه إذ لم تكن مستوية ان الأصغر منها لا يملأ موضع الأعظم [ 19 ظ : ع ]، فيلزم عن ذلك ضرورة اما أن يبقى الموضع الذي يفضل به الخط الأعظم على الخط الأصغر خلاء، واما أن يخلفه هنالك خط جسم آخر غير الخط الذي في الجسم السماوي، وكلا الأمرين محال. وهذا اللزوم هو ظاهر في الأشكال الكثيرة الزوايا، وذلك أن هذه الأشكال يعرض فيها أن تتعاقب الخطوط المختلفة الخارجة من مركزها على الموضع الواحد بعينه عند حركتها دورا، ولهذا يلزم ضرورة أن تكون الزوايا الناشزة تملأ موضعا وتفرغه. واما ماعدا الأشكال الكثيرة الزوايا ، مثل الشكل البيضي والعدسي، فليس يعرض في كل أوضاعه عند حركته دورا ان تكون الخطوط المختلفة التي فيه تتعاقب على مواضع باعيانها حتى يلزم عن ذلك ما لزم في الأجسام ذوات الأشكال الكثيرة الزوايا، وذلك أن الشكل البيضي إذا توهمنا أن أطول خط فيه، انه المحور، وتحرك عليه مستديرا لم يلزم عن ذلك أن تتعاقب الخطوط المختلفة التي فيه في مواضع واحدة باعيانها، الا أن يتوهم أن المحور الذي عليه يدور هو خط آخر من الخطوط المارة بمركزه. وكذلك الشكل العدسي يمكن أن يتوهم له وضعان عند حركته مستديرا، أحدهما يلزم فيه أن يفرغ موضعا ويملأه ، والوضع الثاني ليس يلزم فيه ذلك. وإذا كان ذلك كذلك، فكيف أطلق القول أرسطو أنه يلزم متى كان شكل الجرم السماوي الأقصى غير مستدير أن يكون خارج العالم خلاء أو ملاء. أما أنا فإني أقول: إنه قد تبين فيما سلف أن الجسم البسيط الطبيعي صنفان: إما مستقيم الخطوط وإما مستدير ( 19 ظ ) [ 29 ظ ]. فأما الجسم المستقيم الخطوط فإن الواجب ضرورة أن يكون مكانه إما خلاء وإما نهاية جسم محيط به من خارج، واما الجسم الكري فإن مكانه هو محيط الجسم المحدب الذي هو مركزه الذي هو يدور. وإذا كان ذلك كذلك، فإن لم يكن شكل الجرم الأقصى كريا، كان ضرورة مستقيم الخطوط (وكل مستقيم الخطوط) فواجب أن يكون خارجه جسم، أو يكون هنالك خلاء يطيف به.
Page 209