فنقول: انه قد تبين من الأقاويل السالفة كلها ان السماء ليست بكائنة ولا فاسدة، ولا يمكن أن تفسد ، كما قال قوم ، لكنها دائمة لا مبدأ لها زمانيا ولا منتهى بل هي علة الزمان والمحيطة به. قال: وقد يشهد لذلك وقد يقنع فيه ما تبين من ابطال آراء المخالفين لنا في ذلك وذلك انه قد تبين، مع بيان انها غير كائنة ولا فاسدة ، ابطال الآراء والحجج التي قيلت في كونها وفسادها ، وذلك مما يزيد القول وضوحا وتماما. قال: وقد يقنع أيضا في ذلك أقاويل الآراء السالفة في الاحقاب الداثرة، أحسب يشير به إلى الكلدانيين وذلك انهم قالوا ان في الوجود شيئا من الأشياء المتحركة فاسد ومنقض وشيئا دائم الوجود غير فاسد ولا منقض. وهذه ليست لحركتها بدء ولا نهاية، بل هي النهاية لكل ماله نهاية، والغاية لكل ما له غاية، والمحيطة بكل محيط ، وهي تامة تحيط بكل [16 ظ : ع] ناقص ليس بتام، وبكل ماله غاية ومبدأ ونهاية وحركة وسكون. فأما هي فلا مبدأ لها ولا غاية لحركتها لكنها دائمة في الزمان غير المتناهي ولا المنقضى وأما سائر الحركات فمنها ما تكون هذه الحركة الدائمة علة في ابتدائها ومنها ما تكون علة في انقضائها. قال: ومما يشهد لهذه أيضا أن جميع الأمم المتقدمة والفرق السالفة جعلوا السماء موضعا لله عز وجل ، وذلك لاعتقادهم دوام وجودها وامتناع الفساد عليها من بين سائر الموجودا .
الفصل الثاني
Page 189