ولما تبين له أن الأزلي لا يمكن أن يكون فاسدا ولا كائنا، أخذ يبين لأي أصناف الموجودات يوجد الكون والفساد، فان ذلك من تتميم القول في ذلك ليظهر أن هاتين الطبيعتين متضادتان، فنقول: ان قولنا في الشيء يمكن أن يوجد دائما >و<يضاده فولنا يمكن فيه ألا يوجد دائما، ويناقض قولنا يمكن فيه الا يوجد دائما، قولنا ليس يمكن لا يوجد دائما. والمتضادات ليس تقتسم الصدق والكذب في جميع الوجودات، بل ان كان بينهما وسط، صدق سلب الطرفين عن ذلك الوسط، وان لم يمكن بينهما وسط، أمكن أن يصدق سلب الطرفين عن طبيعة أخرى خارجة عن الجنس الذي (لا) يوجد فيه التضاد. مثال ذلك في المتضادات التي بينها متوسط: الأبيض والأسود اللذون بينهما سائر الألوان، مثل الأدكن وغيره، فانه يصدق عليه انه لا أبيض ولا أسود. ومثال ذلك فيما ليس بينهما متوسط: الزوج والفرض، فإنه يصدق سلبهما عن اللون الذي هو خارج عن [13 ظ: ع] جنسهما، وذلك أن قولنا اللون ليس بزوج ولا فرد صادق. إذا كان ذلك كذلك، وكان الموجود دائما يضاده المعدوم دائما، فواجب أن يكون الوسط الذي بينهما وهو الموجود في وقت المعدوم في وقت، يصدق عليه سلب الطرفين حت ى تكون فيه قوة الوجود والعدم في زمانين مختلفين. فلنبين بقول كلي أن الوسط بين كل متضادين يصدق عليه سلب الطرفين بأن نضح الآن حرف أوحرف ب ضدين لا يقعان على شيء واحد معا، وليكن سالبة حرف أحرف ح، وسالبة خرف ب حرف ء، وليكن الوسط بين حرف أوحرف ب حرف ه. ولما كان حرف أوح يقتسمان الصدق والكذب على جميع الموجودات لأنهما متناقضان، وكان حرف أليس يصدق على حرف ه الذي هو وسط، فباضظرار أن يصدق عليه حرف ح الذي هو سلب حرف أ. (16و) [27 و] وكذلك يتبين أيضا أنه يصدق على ه سلب حرف ب الذي هو حرف ء فإذا كان أموجودا دائما وب معدوما دائما وجب ضرورة أن يكون ه لا [Picture] موجودا دائما ولا معدوما دائما، وذلك بأن يوجد تارة ويعدم تارة وما هو بهذه الصفة فواجب ن يكون كائنا فاسدا، إذ ليس يصدق عليه أنه ليس بكائن ولا فاسد. فقد تبين من هذا القول أن الوسط بين الموجود دائما والمعدوم دائما كائن فاسد، وان طبيعة هذا الوسط مباينة لطبيعتي الطرفين جميعا. وكذلك يظهر يضا هاهنا أن الكائن والفاسد غير الدائم الوجود، كما ظهر قبل (أن) الدائم الوجود غير كائن ولا فاسد بذلك البيان بعينه، وذلك أنه ان أنزلنا الكائن والفاسد دائم الوجود، لزم أن يكون شيء له قوة الوجود دائما والعدم دائما، وذلك مستحيل على ما تبين قبل.
القسم السادس:
Page 164