وإذ قد تقرر هذا فأقول: انه لا يمكن أن يوجد شيء ذائم الوجود في الماضي وغير مكون أصلا، فاسدا في المستقبل. ولا يمكن أيضا في شيء كائن أن يبقى دائم الوجود المستقبل غير فاسد فيه، وهو الذي قصدنا بيانه أولا برهان ذلك أن الفاسد هو الذي عدم بعد الوجود، والمكون هو الذي يوجد بعد العدم، فان كان شيء أزلي يفسد في المستقبل، فقد وجدت له قوة العدم زمانا لا نهاية له، وذلك مستحيل، على ما تبين قبل. و(هذا) الشيء الدائم الوجود ليس مستحيلا لن توجد (فيه) قوة العدم زمانا غير متناه فقط،، بل وزمان متناه (أيضا)، فان المحال اللازم عن ذلك واحد، أعني أن الممكن المفروض من ذلك يعود مستحيلا بأن يلزم عنه مستحيل. وكذلك متى فرضنا مكونا يبقى أزليا، كانت فيه قوة العدم زمانا لا نهاية له، فإن المكون هو الذي وجد بعد العدم، فهاهنا كما يقول أرسطو حدان، أحدهما: متقدم بالطبع على الآخر، وهو القابل للعدم الكائن والفساد، فان القابل للعدم متقدم بالطبع على الكائن والفاسد تقدم الحيوان على الانسان وسائر الأنواع الداخلة تحته. وإذا ارتفع المتقدم بالطبع ارتفع المتأخر، فانه إذا ارتفع الحيوان ارتفع الانسان. وكذلك الحال في القابل للعدم مع الكائن والفاسد فنرجع ونعمل قياسا، فنقول: ان كان الشيء الأزلي غير قابل للعدم، فهو غير مكون ولا فاسد، لكنه غير قابل (للعدم)، على ما تبرهن هاهنا، فهو غير كائن ولا فاسد ضرورة. فقد تبين من هذا القول انه ليس يمكن أن يكون (شيء) أزلي يفسد بأخرة، ولا شيء مكون يبقى أزليا.
القسم الخامس:
Page 162