(فأما) انه لا يمكن أن تلقي فوى على أشياء متقابلة أزمنة غير متناهية ولا محدودة، فهو يبين ذلك ببرهان كلي، بعد أن يقدم لذلك ما يجب تقديمه، فيقول: ان هاهنا أربعة أشياء بالاسم والحد: محال وكذب وصدق وممكن. فأما الممكن، فمثل قولنا: انه يمكن في المثلث أن تكون أضلاعه متساوية. واما المحال: فمثل قولنا: ان القطر مشارك للضلع. وأما الكذب، فمثل قولنا في زيد المشار إليه: انه قائم إذا كان قاعدا (وأما الصدق فيقول على مقابل الكذب والمحال) والفرق بين الكذب والمحال ان الكذب يمكن أن يعود صادقا والمحال ليس يمكن ذلك فيه ولا في وقت من الأوقات. وذلك ان من قال في زيد القائم انه قاعد فهو قال كذبا، (الا انه) لم يقل محالا، إذ كان القعود ممكنا له. واما من قال في قطر المربع انه مشارك للضلع، فقد قال كذبا محالا لا كذبا فقط، فإنه لا يمكن ذلك ولا في وقت من الأوقات. ولذلك كان الصادق، كما قيل في كتاب البرهان، منه ضروري وهو المقابل للكاذب المستحيل، ومنه غير ضروري وهو المقابل للكذب الممكن. فهذا هو أحد الأصول الموضوعة لما يروم بيانه، أعني أن طبيعة الكذب غير طبيعة المستحيل. والأصل الثاني ما تبين في كتاب القياس من أن >كذب< المحال لا يلزم عن الكاذب المستحيل، أعني أنه متى كانت نتيجة القياس مستحيل ففي المقدمات كذب مستحيل ضرورة لا كذب ممكن. وإذا تقرر هذان الأصلان فأقول: إنه ليس يمكن أن يلفي في شيء واحد بعينه قوى متقابلة كل واحدة منها موجودة زمانا غير متناه ولا محدود، حت ى يكون في الشيء الواحد بعينه قوة الوجود غير متناهية وقوة العدم غير متناهية. برهان ذلك أنه ان أمكن لم يخل ذلك من ثلاثة أحوال: اما ألا ننزل فعل واحدة من القوتين موجودا في وقت من الأوات، وذلك مستحيل في المتقابلات التي ليس بينها وسائط، مثل (فعل) قوة الوجود والعدم. واما ان ننزل فعليهما معا في جميع الزمان، وذلك أيضا مستحيل، فان الضدين لا يمكن وجودهما في زمان واحد. واما ان ننزل ان فعل احدى الفوتين هو الموجود دائما وفعل الأخرى معدوم دائما، وهذا القسم هو الذي يظن به أنه ممكن. فلننزل مثلا أن العالم فيه قوة دائما ان يوجد وان يعدم، ولننزل فعل قوة الوجود هي الموجودة دائما، وفعل قوة العدم غير موجودة أصلا ولا خارجة إلى الفعل في وقت من الأوقاتو، كما يعتقد ذلك ناس فيه وفي كثير من الأشياء الأزلية الدائمة الوجود. وإذا كان ذلك كذلك، ففعل القوة المعدومة الفعل دائما لا يخلو وجوده وخروجه إلى الفعل أن يكون ممكنا أو ممتنعا، فان المعدوم بالفعل لا يخلو من هذين المتقابلين في المستقبل. فان أنزلنا حدوث فعل هذه القوة (ممتنعا، لم تكن هذالك قوة أصلا، فان الامتناع نقيض الامكان، ونقيض القوة. وان أنزلنا حدوث فعل هذه القوة)، أعني المعدوم فعلها دائما، ممكنا فبين أنا ان أنزلنا ذلك موجودا [13 و: ع] بالفعل كان كذبا، الا أنه كذب غير مستحيل، لكن متى أنزلنا ذلك موجودا بالفعل، لزم عن ذلك مستحيل، وهو ان يوجد الفعلان المتضادان معا، أعني الدائم الوجود والموجود بالعرض والوضع، والكذب المستحيل لا يلزم عن الكذب الممكن، فما وضع من انه كذب ممكن هو كذب مستحيل. وإذا كان ذلك كذلك، فليس في الدائم الوجود قوة للعدم أصلا، ولا يمكن أن يلفي شيء فيه فعل احدى القوتين المتقابلتين (موجود) دائما رفعل الأخرى معدوم دائما، فان ما فرض من ذلك ممكنا يعود محالا، وإنما كان ذلك كذلك لأنه ليس في هذا الموضع زمان محدود يختص بفعل احدى القوتين المتقابلتين، بل نسبتهما إلى كل نقطة من الزمان (15ظ) [26 ظ] نسبة واحدة. وإذا كان هذا كله واجبا، فبين أنه ليس يمكن أن يلفي في الشيء قوى متقابلة أزمنة غير متناهية، بل زمان القوى المتقابلة متناه ومحدود ضرورة. وذلك ما قصدنا بيانه.
Page 160