وإذ قد تبين على كم وجه تقال هذه الأساء، فلنفحص أولا عن معنى قولنا إن في الشيء قوة على أن يفعل أو لا يفعل، فان المعنى الحقيقي من غير الكائن وغير الفاسد هو الشيء الذي ليس فيه قوة على الكون رلا على الفساد، فنقول: إنه من الظاهر أن القوى انما تحد من نهاية فعلها، وذلك أن الذي يقوى على أن يحمل أربعة قناطير فقط يقوى على أن يحمل ما دون ذلك، فلذلك إذا كانت نهاية مل يحمل أربعة قناطير، قلنا ان له قوة (على أن) يحمل بها أربعة قناطير، فحددنا قوته من أقصى فعلها، لا بما دون الأربعة قناطير. وبهذا نحد قوة موجود موجود، حت ى نقول مثلا ان لزيد قوة أن يحمل أربعة قناطير، ولعمرو ثلاثة قناطير. وإذا كان ذلك كذلك، فهو بين ان القوى انما تحد بنهاية أفعالها لا بما دون النهاية. وأما ضعفها وعدمها فيحد بأقل ما تعجز عنه، لا بأكثر (من) ذلك، حت ى نقول في زيد أنه ليس يقدر أن يحمل أربعة قناطير، وفي عمرو أنه ليس يقدر أن يحمل ثلاثة قناطير. وقد يلحق في هذا سك ما، وذلك انه لقائل ان يقول: ان كان الأمر على هذا، وجب أن يكون من أبصر عظما ما على غلوة، أن يبصر أصغر منه على تلك الغلوة (بعينها)، لانا قد قلنا ان القوة الواحدة بعينها إذا قويت على الأعظم الذي به تحد فهي أقوى على الأصغر. وهذا الشك ينحل بأن يعلم أن الأمر في القوة الباصرة بالعكس، أعني أن القوة فعلها انما هو بادراك العظم الأصغر من المسافة الواحدة بعينها. مثال ذلك أن من أبصر شبح طائر على ثلاثة قراسخ أحد بصرا ممن يبصر شبخ انسان على هذه المسافة، ولذلك نقول ان من ادرك عظما على مسافة ما فهو يدرك عظما أعظم منه ضرورة (على تلك المسافة بعينها، كما أن من حمل ثقلا ما فهو يحمل أقل منه ضرورة). فهذا هو الشيء الذي به نحد القوى وعدمها.
>القسم الثالث<
Page 156