فنقول: انه انما وجب أن نجعل مبدأ الفحص عن هذا المعنى تقسيم المعاني التي يقال عليها اسم الكائن وغير الكائن والفاسد وغير الفاسد، لأنه إذا كان الاسم الواحد يعينه مقولا على معان كثيرة، ولم يفصل تلك المعاني الفاحص ولا احصاها، وأخذ الاسم على أنه يدل على معنى واحد، كان ذلك سببا لحيرته وغلطه. وإذا كان ذلك كذلك فأقول: إنه يقال غير كائن على ثلاثة معاني: أحدها: على الشيء الذي وجوده وكونه بغير طريق الكون والاستحالة. وهذه هي جميع الأشياء الحادثة في غير زمان، مثل حدوثالحس بالفعل ونهاية الحركات وما أشبه ذلك. والثاني: على الأشياء التي لم تكن بعد الا أنها ممكن أن تكون وكونها، إذا وجدت، بطريق الكون. وهذه هي جميع الأشياء التي هي غير كائنة بالفعل كائنة بالقوة. وأكثر ما يقال عليه من هذه غير كائن ما كان عسيرا كونه، مثل ادارة سور على ألف ميل. والمعنى الثالث: يقال على الأشياء التي هي غير كائنة ولا فيها امكان أن تتكون، مثل قولنا: ان قطر المربع مشارك لضلعة. واما الكائن فإنه يقال على الأشياء التي لم تكن موجودة أولا ثم وجدت بأخرة. سواء كان وجودها بغير استحالة ولا وجود أسباب الكون ، مثل حدوث الحس ونهاية الحركة، أو كان حدوثها على طريق الكوم (وسببه) مثل حدوث البيت والحائط. وقد يقال الكائن على معنى ثان وهي الأشياء السهلة الكون، مثل ادارة سور على مائة غلوة في عشرين يوما. ويقال على معنى ثالث وهي الأمور الواجبة الكون، مثل حدوث الكسوفات وطلوع الشمس. وكل واحد من هذه المعاني الثلاثة مقابل لكل واحد من المعاني الثلاثة التي يقال عليها غير الكائن. واما الفاسد فانه يقال أيضا على ثلاثة معان: أحدها: على الأشياء التي كانت أولا موجودة ثم هي أخرة غير موجودة، سواء كان عدمها بسبب من أسباب الفساد داخل عليها بمنزلة احتراق الخشبة، أو كان ليس بسبب من أسباب الفساد داخل عليها بمنزلة فساد الحس. وقد يقال الفساد على معنى ثان وهي الأشياء التي يمكن فيها ألا توجد، ليس بسبب بطلان وعدم يدخل عليها، (بل بسبب حالة من الأحوال، مثل النهر العظيم فانه قد يمكن أن يقال فيه انه غير موود ليس بسبب فساد وبطلان يدخل عليه)، بل بسبب انتقاله، وذلك ان امكان النتقاله أكثر من امكان بطلانه. وكأن لسم الفاسد على هذا (المعنى) انما يقال باستعارة، ولذلك قيل فيه انه غير مألوف. وقد يقال على معنى [12 و: ع] ثالث وهي الأشياء السهلة الفساد بمنزلة لهيب النار وزهر النبات. واما غير الفاسد فانه يقال على معان: أحدها: الشيء الذي هو حينا موجود وحينا غير موجود، الا ان فساده بغير أسباب الفساد، مثل فساد الحس ونهاية الحركة. والمعنى الثالني: (الشيء) الذي هو موجود بالفعل ويمكن أن يعدم بأخرة وفي المستقبل. وهذا ربما كان عدمه بسبب من أسباب الفساد، وربما لم يكن. والمعنى الثالث: مما يقال عليه غير الفساد بالحقيقة هو الموجود بالفعل الذي ليس فيه قوة على الفساد ولا يمكن أن يعدم في المستقبل. والمعنى الرابع (14ظ) [25 ظ] على العسير الفساد بمنزلة حجر الطران. وينبغي أن تعلم أن هذه الألفاظ الأربعة منها ما يقال بمعنى واحد من هذه المعاني بجهات شت ى، مثل حاسة اللمس، فانه يصدق عليها كائنة وغير كائنة وفاسدة وغير فاسدة. أما كائنة فلوجودها بعد عدم، واما غير كائنة فلكونها موجودة بغير أسباب الكون، وبهاتين الجهتين يصدق عليها فاسدة وغير فاسدة. ومنها ما يقال أيضا على معان متقابلة، مثل ما يقال الفاسد وغير الفاسد على السهل الكون، والعسير الكون. ولهذا غمض هذا اموضع على المفسرين. فهذه (هي) جميع المعاني التي يقال عليها اسم الكائن وغير الكائن والفاسد وغير الفاسد. وسنلخص الحقيقي منها من غير الحقيقي فيما بعد.
Page 154