قال: لما كان كل جرم اما ان يكون [6 و] بسيطا واما مركبا، فالجرم غير المتناه ضرورة ان كان موجودا فهو ام ا بسيط واما مركب. لكن لما كان حال المركب في ذلك تابعا لحال البسيط، وذلك انه ان كانت البسائط متناهية في العظم والعدد فواجب أن يكون المركب متناهيا، وان كانت البسائط غير متناهية في أحد هذين أو في كليهما فواجب أن يكون المركب غير متناه، رأى أن الواجب في ذلك أن يجعل ابتداء الفحص عن الأجسام البسائط، وابتدأ منها بالجسم المستدير فبين من أمره أنه متناه، وأتي في ذلك بستة براهين: ا - البرهان الأول: وهذا البرهان مبناه على مقدمات: احدها ان كل جرم مستدير غير متناه يجب ضرورة أن تكون الخطوط الخارجة من مركزه لا نهاية لها. والثانية: انه إذا كانت الخطوط الخارجة نت المركز غير متناهية فانه يلزم ضرورة أن تكون الأبعاد (التي بينها) غير متناهية، لأنه ان كان كلما كانت الخطوط الخارجة من المركز أطول، كان البعد بينهما أعظم، أعني بين أطرافهما. فواجب ان كانت الخطوط غير متناهية أن تكون [3 ظ: ع] الأبعاد بينها غير متناهية، لأنه متي فرضنا أن البعد فما بينها يتزيد بتزيد الخطوط، وكان التزيد فيها غير متناه، فواجب أن تكون الابعاد التي بينها غير متناهية. والمقدمة الثالثة: انه لا يمكن أن يقطع المتحرك مسافة غير متناهية. والمقدمة الرابعة: ان الجسم المستدير إذا أخرج من مركزه أكثر من خط واحد، أمكن أن تتحرك تلك الخطوط حت ي تعود إلى الموضع الذي توهمت متحركة منه، وان توهمنا واحدا منها ساكنا والآخر متحركا أمكن أن يتحرك المتحرك حت ي ينطبق على الساكن. ولما تقررت له هذه المقدمات قال: ان الجرم المستدير ان كان غير متناه لزم الا توجد له حركة مستديرة، وذلك ان المستدير، ان كان غير متناه، لم يمكن فيه أن يعرض ما فرضنا أنه واجب أن يعرض للجسم المستدير، أعني أن تكون الخطوط الخارجة من مركزه تتحرك حت ي تعود إلى الموضع الذي تحرك منه، وان تكون إذا توهم واحد منها ساكنا والآخر متحركا أن يتحرك حت ي ينطبق المتحرك على الساكن. وإذا لم يمكن أن يعرض فيه مثل هذا فليس توجد له حركة مستديرة، (والسماء ظاهر من أمرها أن لها حركة مستديرة). وانما كان الجرم المستدير غير المتناهي لا يمكن أن يعرض فيه ذلك لما وصفنا من أن الابعادالتي بين الخطوط الخارجة من مركزه غير متناهية، وانه ليس يمكن أن يفرغ المتحرك من قطع مسافة غير متناهية. مثال ذلك أنه متى فرضنا مستدير أب غير متناه، ومركزه ح، والخطين [Picture] غير المتناهين الخارجين من مركزه خط ا ح المخرج إلى غير نهاية وخط ح ب المخرج أيضا إلى غير نهاية، وتوهما (خط) ح ب ساكنا، وخط أح متحركا، لم يمكن فيه أن ينطبق على خط ح ب، إذ كان بعد ما بينهما غير متناه، والمسافة غير المتناهية لا يمكن ان يقطعها متجرك أصلا. وإذا كان ذلك كذلك فجرم أب ليس بمتحرك حركة استدارة لانا قد كنا وضعنا ان انطباق خط أح على (خط) ح ب إذا توهمنا أحدهما ساكنا رالآخر متحركا من خواص المستدير. فاذن ما وضع (خطا) مستديرا ليس بمستدير، وكل وضع يعود باطلا فهو محال، فهذا هو البرهان (الأول). ب - البرهان كل متحرك يتحرك في زمان متناه فإنه يتحرك حركة متناهية وفي مسافة متناهية. وذلك شيء قد تبين في السماع الطبيعي. والثانية: ان كل ماهو متناه فلم مبدأ وطرف. والثالثة: انه ان اخد من الزمان المتناهي زمان متناهي فالباقي متناه. والرابعة: ان الجسم المستدير يتم زورته في زمان متناه. والخامسة: ان الجسم المستدير غير المتناه إذا أجرخ من مركزه خط وانفد فيه مر إلى غير نهية، وكذلك إذا أخرج فيه وترمر أيضا إلى غير نهاية من طريفية. ولما تقررت له هذه المقدمات وضع المستدير عليه أح ب ووضع الخط غير المتناهي الخارج من مركزه خط ه ح، والوتر غير المتناه من [6 ظ] طريفة خط أب وقال: لما كان من وضعنا ان الجسم المستدير يتم زورته في زمان متناه، فخط ه ح إذا تحرك بحركة المستدير إلى أن يعود إلى موضعه تكون حركته ضرورة في زمان متناه. وبين ان هذا الزمان ينقسم إلى زمانيين: زمان يكون فيه خط ه ح غير مقاطع لخط ا ب غير المتناه من طرفيه، وزمان يكون فيه مقاطعا لخط أب سواء فرضنا خط أب متحركا إلى ضد الخهة التي تحرك إليها خط ه ح، أو توهمته ساكنا. وإذا نقص من زمان الدورة التامة الزمان الذي كان فيه خط ه ح غير مقاطع لخط ا ب بقي الزمان الذي يقاطعه فيه متناهيا وإذا كان الزمان الذي يقاطعه فيه متناهيا فالحركة متناهية والمسافة متناهية.[4 و: ع] وقد كان غير متناه، هذا [Picture] خلف لا يمكن وأيضا فكل متناه فلم مبدأ. وإذا كان ذلك كذلك فلقطع خط ه ح أب مبدأ، وهي أول نقطة يلتقي عليها الخطال ويتصل احدهما بالآخر. لكن إذا فرضنا الخطين غير متناهيين لم يمكن أن يوجد لهما أول نقطة يتقاطعان عليها، وذلك أن الخطين اللذين يلتقيان بحسب الحركة على هذا الموضع، لما كان ليس يمكن فيهما أن يلتقيا باحدى النقط التي في الوسط، فمن البين انه يجب أن يتصل أحدهما بالآخر بالنقطة التي في طرفه أو كلاهما، والخط غير المتناه ليس له طرف، فليس يتصل به (شيء) ولا يوجد له مبدأ التقاطع، وقد أخذ موجودا له، هذا خلف لا يمكن، لأنه قد تبين من أمر الجرم المستدير الذي بهذه الصفة أنه يوجد فيه مبدأ التقاطع لهذين الخطين، إذ كان يوجد لزمان التقاطع مبدأ. فقد تبين من هذا القول أنه لا يمكن أن يكون الجرم المستدير لمتحرك حول الوسط غير متناه. ج - البرهان الثالث: وهذا البرهان يقدم له مقدمتين: احداهما: انه متى كان جسماان متناهيان احداهما مواز للآخر وموضوع إلى جنبه، وتحرك كل واحد منهما في الجهة المفابلة لحركة صاحبه، أو تحرك أحدهما والآخر ساكن، فان كل واحد منهما يقطع صاحبه في زمان متناه، ويفارقه، ولا فرق بينهما في ذلك، إلا أنه إذا تحرك كل واحد منهما مقابل حركة صاحبه كانت المفارقة أسرع. والمقدمة الثانية: أنه متى كان عظمان على هذه الصفة، أعني أن أحدهما موضوع إلى جنب الآخر ومواز له، وكان أحدهما غير متناه أو كلاهما غير متناه، وتحرك أحدهما وسكن الآخر وتحركا معا على التقابل، فإنه ان سلمنا انه يفارقه ويقطعه، لزم من ذلك أن يكون قطعه له في زمان غير متناه، وذلك انه قد تبين أن المسافة غير المتناهية، ان قطعت، فانها تقطع بحركة غير متناهية في زمان غير متناه، على ما تبين في السادسة من السمماع. وإذا تقررت هاتان المقدمتان، وأنزلنا ان الجرم السماوي غير متناه، لزم أن يقطع المسافة المتناهية في زمان غير متناه. (فانا) نحس الفلك يقطع بأسره الغلوة من الأرض في زمان متناه، فان فرضناه غير متناه لزم أن يقطع عظمان أحدهما غير متناه والآخر متناه كل واحد منهما صاحبه في زمان متناه، وذلك خلف لا يمكن. د - البرهان الرابع: وهذا البرهان يقرر له أولا مقدمات ثلاث: احداها: أن كل شكل متناه. والثانية: (انه) ان وجد جرم غير متناه متحرك على استدارة فواجب ان تكون حركته المستديرة غير متنهية. والثالثة انه ان وجدت حركة مستديرة غير متناهية فواجب أن يوجد شكل مستدير غير متناه. فأما المقدمة الأولى فتظهر من رسم الشكل، وذلك انه لما كان الشكل هو الذي يقول المهندسون في رسمه (انه) الذي يحيط به حد (واحد) أو حدود، كان ظاهرا ان الذي يحيط به الحد، من جهة ما يحيط به الحد، متناه. وأنت تتبين ذلك من الخط والسطح، فان الخط انما أمكن فيه تصور عدم التناهي من جهة الطول فقط، لا من جهة فصله الخاص [7 و] الذي هو به ما هو، وهو عدم العرض، إذ كان حده انه طول بلا عرض. وكذلك السطح انما يتخيل فيه عدم التناهي من جهة الطول والعرض، لا من جهة العمق الذي هو فصله الذي به يحد. وبالجملة التناهي انما يوجد للشيء من جهة الصورة، وعدم التناهي من جهة المادة، ولما كان الشكل هو الصورة لم يمكن فيه تخيل مالا نهاية له، ولذلك لا يمكن أن يوجد مثلث لا نهاية له، ولا مربع لا نهاية له، كما (أنه) لا يمكن أن يتخيل شكل في قدم لا نهاية له. وأما المقدمة الثانية وهي ان الجرم المستدير غير المتناه واجب أن تكون حركته المستديرة غير متناهية (فهي ظاهرة مما تبين في السادسة من أن الجسم غير المتناهي واجب أن تكون حركته غير متناهية. واما الثالثة) فبينة مما تقدم. وذلك أنه ان كان قد تبين أنه ان وجدت حركة [4 ظ: ع] مستديرة فواجب ان يوجد جسم نستدير الشكل، فبين انه ان كانت الحركة المستديرة غير متناهية الدورة، أن الشكل المستدير الوجود لها يكون غير متناه. ولما تقررت له هذه المقدمات أخرجها مخرج قياس شرطي مركب فقال: ان كان الجرم السماوي غير متناه لزم أن تكون حركته المستديرة غير متناهية، وان كانت حركته المستديرة غير متناهية لزم أن يكون شكله المستدير غير متناه (ثم) استثني >مقدم< نقيض التالي من القياس الشرطيالثاني، وهي المقدمة الأولى، فأنتج نقيض المقدم من القياس الشرطي الأول، وهو أن الجرم السماوي لا يمكن أن يكون غير متناه. ه - البرهان الخامس: وهذا البرهان يبين فيه أيضا أن المتحرك غير المتناهي العظم لا يمكن فيه أن يتحرك على استدارة على هذه الصفة: فلننزل أن للجسم غير المتناه المستدير مركزا، ولتكن عليه نقطة ح، ونجيز على نقطة ح خطا مستقيما غير متناه من طرفيه وهو خط أب، ولنعلم على أب نقطة على غير المركز وهي نقطة ه، ونخرج منها خطا على زاوية قائمة على خط أب، ونجعل هذا الخط أيضا غير متناه من طرفيه أيضا وهو خط ه ن، ونخرج من نقطة ح خطا غير متناه يقطع خط ه ن وهو خط ح ء، ونتوهم خطي أب ه ن غير المتناهيين ساكنيين، وخط ح ء متحركا بحركة المستدير، فمن البين أن خط ح ء ليس يمكن [Picture] فيه أن يقطع خط ه ن لأنه غير متناه من طرفيه، وإذا لم يمكن فيه أن يقطعه لم يمكن فيه أن يتحرك حت ى يعود في الجهة المقابلة له، وإذا لم يمكن فيه ذلك لم يمكن فيه أن يتحرك على استدارة، لكنه متحرك على استدترة، هذا خلف لا يمكن. و- واما البرهان السادس فيقرر له أن الجسم السماوي المتحرك دورا يظهر من أمره أن النقطة الواحدة منه، أي نقطة فرضت، تعود إلى الموضع الذي كانت فيه في زمان متناه. فان انزلنا أن الجسم السماوي المتحرك دورا غير متناه، ، لزم أن يكون البعد الذي هو فيه غير متناه، وان تكون النقطة الواحدة، إذا عادت إلى الموضع الذي فارقته، قد قطع الجسم غير المتناه مسافة غير متناهية في زمان متناه ودلك خلف لا يمكن على ما تبين في السماع الطبيعي. وقد يمكن أن يؤتي بهذا البرهان على طريق الاستقامة هكذا: الجسم السماوي المستدير يقطع البعد الذي هو فيه في زمان متناه، وما يقطع في زمان متناه فهو متناه، وإذا كان الجسم السماوي في بعد متناه فهو متناه. فقد تبين من هذا القول أن الجسم السماوي متناه، وأنه لا يمكن أن يكون غير متناه. ولما تبين له هذا من أمر الجسم السماوي أخذ بعد ذلك يفحص عن هذا المعنى في سائر الأجسام الأربعة، أعني هل يمكن أن يوجد واحد منها غير متناه أو أكثر من واحد، فبين انها كلها متناهية ببيانين: أحدهما على هذه الصفة: الأجسام الاربعة منها ما يتحرك إلى الفوق باطلاق وهي النار، [7 ظ] ومنها ما يتحرك إلى أسفل باطلاق وهي الأرض، ومنها ما يتحرك إلى فوق باضافة وإلى أسفل باضافة وهو الهواء والماء، فان الماء يتحرك إلى أسفل بالإضافة إلى الهواء وإلى فوق بالإضافة إلى الأرض، وكذلك الهواء يتحرك إلى فوق بالإضافة إلى الماء وإلى أسفل بالاضافة إلى النار. ولما كانت حركتا الجسمين اللذين يتحرك أحدهما إلى فوق باطلاق والآخر إلى أسفل باطلاق متضادتين، وجب أن يكون موضعاهما متضادين باطلاق، وهو الفوق والأسفل باطلاق. فان كان أحد هذين الموضعين محدودا، فواجب أن يكون الموضع الثاني محدودا من حهة ماهو ضد. وذلك انه يلزم أن يكون كل واحد منهما من صاحبه في الغاية من البعد، وأن يكون تباعدهما تباعدا واحدا. [5 و: ع] وإذا كان هذا التلازم بينا من أمر هذين الموضعين، من جهة ماهما أضداد، وكان يظهر من أمر الموضع الأسفل انه محدود. فواجب ضرورة أن يكون الموضع الأعلى محدودا. فاما الموضع الأصفل فبين انه محدود من أن الأشياء الثقيلة تتحرك من جميع نواحي العالم إلى الوسط، ولو كان الوسط غير محدود لما تحركت الأشياء الثقيلة الا من جهة واحدة فقط، وهي الجهة التي هي خارجة عن المكان الذي إليه الحركة. وهذا أمر بين بنفسه. وإذا كان هذان الموضعان محدودين فواجب أن يكون الجسمان اللذين في هذين الموضعين محدودين، والجسمان اللذان في هذين الموضعين هما الأرض والنار، فالأرض والنار محدودان متناهيانضرورة. وإذا تبين أن هذين الطرفين محدودان. أعني العلو والسفل. تبين أيضا أن الوسط بينهما محدود. فإنه من الأمور المعروفة بنفسها أن الأطراف إذا كانت محدودة ان الأوساط محدودة، ولو كانت الاوساط غير محدودةوالأطراف محدودة، لكانت حركات الأجسام التي تتحرك من الأطراف وإلى االأطراف غير متناهية، وما هو غير متناه فلا يمكن أن يقطع، فكان يجب ألا تصل هذه الأجسام في وقت من الأوقات إلى مواضعنا الطبيعية، أعني المتحركة من طرف إلى طرف. وبالجملة فقد تبين في السماع الطبيعي انه لا يمكن أن توجد نقلة مستقيمة لا نهاية لها. وإذا كانت المواضع التي في الوسط محدودة فالأجسام التي فيها محدودة، والجسام التي في فيها هي الماء والهواء، فالماء والهواء محدودان متناهيان ضرورة. فهذا هو أحد البيانين الذي يبين به ان الاسطقسات الأربعة متناهية البيان الثاني: وهذا البرهان مخرجه هكذا: لما كان كل واحد من (هذه) الأجسام الأربعة، اما ثقيلا واما خفيفا، فأقول: انه ان كان واحد منها غير متناه، فواجب ضرورة أن يوجد ثقل غير متناه أو خفة غير متناهية، لكن ليس يمكن أن يوجد ثقل ولا خفة غير متناهيين، فواجب الا يوجد واحد منهما غير متناه. .أما صحة اللزوم المأخوذ هاهنا بين المقدم والتالي، أعني أنه ان وجد واحد من الاسطقسات الأربعة غير متناه فإنه يلزم أن يوجد ثقل غير متناه أو خفة غير متناهية، فإنه يبرهن على هذه الجهة: ان لم يكن ثقل الجسم غير المتناهي غير متناه، فليكن متناهيا، وليكن هذا الجسم غير المتناهي عليه خط ا ب، وثقله المتناهي عليه حرف ح، ونفصل من الجسم غير المتناهي المرسوم عليه أب جزءا متناهيا وليكن ب ء، ولنفرض ثقل هذا الجزء عليه حرف ه [ولنفرض ثقلا آخر أعظم منه عليه حرف ح]. [Picture] فمن البين ان ثقل ه أقل من ثقل ح، وإلا كان ثقل الكل والجزء واحدا. ولنضعف ثقل ه الأضغر بتضعيف جسمه الذي هو ب ء إلى أن يكون مساويا لثقل ح الأعظم، وليكن العظم الذي له هذا الثقل المساوي لثقل ج عظم ح ز، فتكون نسبة ثقل ه الأصغر الى ثقل ج الأكبر، هي نسبة عظم ب ء الأصغر، إلى عظم ب ز الأكبر. وإذا بدلنا تانسبة، على ما تبين في الخامسة من أوقليدس، كانت نسبة ثقل ه الأصغر إلى عظم ب ء الأصغر، هي نسبة (ثقل) ح الأكبر إلى عظم ب ز الأكبر، ولبكن ثقل ح [8 و] (قد) كنا وضعناه لجسم ب ا غير المتناه، فيكون ثقل واحد موجودا لجسم متناه وغير متناه معا. هذا خلف لا يمكن، فان ثقل الجسم الأعظم أعظم ضرورة. وأشنع من هذا أنه يلزم (من) هذا الوضع أن يكون ثقل عظم متناه أعظم من ثقل جسم غير متناه. وذلك بأن نفرض عظما أعظم من ب ز وهو مثلا عظم ب ح. وإذ قد تقررت صحة الاتصال في هذا القياس الشرطي، فالذي بقي تصحيح المستثنى الذي هو مقابل التالي، وهو أنه لا يوجد ثقل غبر متناه ولا خفة غير متناهية، وذلك يبين بان نقدم له ثلاث مقدمات: احداها: انه متى كان ثقل ما يتحرك مسافة (ما) في زمان ما، فان (ما) كان أكثر ثقلا منه فانه يتحرك تلك المسافة في زمان أقل وذلك دائما. والمقدمة الثانية: ان نسبة الزمانين أحدهما إلى الآخر هي نسبة الثقل إلى الثقل. (والمقدمة) الثالثة [5 ظ: ع] ان كل عظم متناه فهو يتحرك المسافة المتناهية في زمان متناه على ما تبين في السادسة. وإذا تقررت هذه المقدمات فأقول: انه إن وجد ثقل لا نهاية له، لزم ضرورة أحد أمرين: أما ان يتحرك في الآن، واما ان يتحرك في زمان واحد بعينه مسافة واحدة بعينها ثقل متناه وغير متناه، وكلا الأمرين ممتنع. وذلك انه لما كان ماهو أكثر ثقلا فهو يقطع المسافة بعينها في زمان أقل، وكانت نسبة الزمان الى الزمان هي نسبة الثقل الى الثقل، أعني الأصغر إلى الأعظم، فإذا أنزلنا ثقلا لا نهاية له وثقلا له نهاية قد نحركا معا مسافة واحدة بعينها، لزم ضرورة أن تكرن نسبة الزمان إلى الزمان، (هي) نسبة الثقل إلى الثقل، وليس بين ما يتناهى وبين مالا يتناهى نسبة الا نسبة النقطة إلى الخط والآن إلى الزمان. وإذا كان ذلك كذلك، فواجب أن يتحرك الثقل غير المتناهي تلك المسافة في الآن، وذلك غير ممكن، على ما تبين في السماع الطبيعي. فإن انزلنا أنه يتحرك في جزء من الزمان هو في نهاية القلة، أمكن أن نجد ثقلا متناهيا آخر تكون نسبة إلى الثقل الأصغر نسبة الزمان إلى الزمان، فيكون في زمان واحد بعينه يتحرك مسافة واحدة بعينها ثقل متناه وغير متناه. وأشنع من ذلك أنه قد يمكننا أن نأخذ (زمانا) أصغر من ذلك الزمان الذي تحرك فيه غير المتناه، ونأخذ قفلا تكون نسبة إلى الثقل الأصغر نسبة الزمان إلى الزمان، فيكون هذا الثقل الأعظم المتناهي المأخوذ يتحرك تلك المسافة في زمان أصغر من الزمان الذي يتحركها فيه غير المتناه، وذلك ممتنع مستحيل. وبالجملة متى فرضنا ثقلا غير متناه متحركا لزم ألا يتحرك، وذلك نقيض ما وضع. فقد استبان من هذا القول أنه لا يمكن أن يكون ثقل لا نهاية له ولا خفة لا نهاية لها. وإذا كان ذلك كذلك، فقد تبين ما قصدنا انتاجه وهو أنه لا يوجد جرم بسيط من الاجرام الأربعة غير متناه. وإذا تقرر انه لا يوجد جسم بسيط لا نهاية له لا يتحرك حركة استقامة ولا يتحرك دورا، وكانت الأجسام البسائط منحصرة في هذه القسمة، فأقول: انه لا يوجد جسم مركب لا نهاية له، برهان ذلك: انه ان كان غير متناه، فاما أن يكون مركبا من أشياء غير متناهية في الصورة أو في العظم أو في العدد. ومحال أن تكون هاهنا أجسام بسيط غير متناهية في الصورة، لأنه قد تبين أن صور البسائط ناتلهية، لأن الحركات البسائط متناهية، ولكل جرم بسيط حركة بسيط. وأيضا لو كانت الأجسام البسائط بلا نهاية في الصورة لكانت المواضع لا نهاية لها. وبالجملة فقد تبين من القول المتقدم ان الأجسام البسائط خمسة. وأقول أيضا: (أنه) ان كانت غير متناهية بالعدد، لزم أن يوجد منها جسم واحد غير متناه بالعظم، مثل أن تكون أجزاء موجودة للنار لا نهاية لها، وكل واحد منها متناه، فإنه يلزم أن توجد نار لا نهاية لها بالعقل، إذا تماست تلك الأجزاء وانضم بعضها إلى بعض. وقد نبين استحالة وجود واحد [8 ظ] من الأجسام البسيطة غير متناه في العظم. وإذا تبين أنه لا يمكن أن يكون مركبا من أشياء غير متناهية في العظم ولا في الصورة ولا في العدد، فليس يمكن أن يوجد جسم بالفعل لا نهاية له. فهذا هو البيان الأول في أنه لا يوجد جسم غير متناه بالفعل لا مركب ولا بسيط.
2 - البيان الثاني:
Page 110