ولما فرغ من هذا أخذ يفحص أولا هاهنا عن العالم هل هو متناه أم غير متناه. وإن كان متناهيا فهل هو واحد أم كثير. وجعل مبدأ الفحص عن ذلك بأن نظرهل يمكن أن يوجد جسم غير متناه باطلاق، أم ليس يمكن وجوده. وهو يعرف أولا مقدار الوقوف على الحق والاصابة في هذه المطالب التي تتنزل منزلة المبادئ لأشياء كثيرة، ويقول: ان الوقوف على الحق فيها هو السبب في الوقوف على الحق في أشياء كثيرة، كما أن الخطأ الواقع فيها هو السبب للخطأ الواقع في أشياء كثيرة، مثل: الخطأ الواقع في القول بالجزء الذي لا يتجزأ، فإنه يفضي بصاحبه إلى أن يجحد كثيرا من علوم التعليم، وكثيرا من الأمور المحسوسة. ولذلك من آثر الفحص عن هذا المطلب فقد آثر الفحص عن أمر ليس ⎤بيسير⎡، ولذلك لا تزال المناظرة في هذا المطلب بين الناس فيما سلف وفيما يأتي إلى غابر الدهر. وإنما كان ذلك لأن المبادىء هي بالقوة جميع الأشياء التي هي مبادىء لها، وأرسطو يشبه الخطا الواقع في هذه الأشياء بالخطأ الذي يقع في أول الطريق، فكما أن الخطأ الواقع في أول الطريقيفضي بالانسان الى خطأ كبير لأنه كلما بعد عن مبدإ الطريق ازداد خطأ، حت ى انه يصير متوجها إلى ضد الجهة التي قصد السلوك إليها، كذلك الأمر في الخطأ الواقع في الأشياء التي هي مبادئ لأشياء كثيرة. وكلما كان المبدأ أعظم قوة، كان الخطأ الواقع فيه تؤول إلى خطأ أكثر وأعظم. وهكذا الأمر في هذين المطلبين من أمر العالم، أعني أنه متناه أو غير متناه، وان كان متناهيا فهل هو واحد أو كثير. فإن سبب اختلاف الناس فيما مضي وفيما يستقيل في كثير من أمر الموجودات ليس شيئا أكثر من اختلافهم في هذين المطلبين من أمر العالم. قال: ولذلك يحق علينا أن نفحص أولا هل يمكن أن يكون جسم غير متناه أو لا يمكن، ثم نفحص بعد ذلك عن هذا المعنى في العالم. وهو يبين هاهنا انه ليس يمكن أن يوجد جسم غير متناه بالفعل، ويستعمل في بيان ذلك بالجملة ثلاثة براهيم اثنان منها مناسبان والثالث منطقي عام.
1 - البرهان الاول
Page 96