(٢٣٩ بَ) وقد يمكن أن يغلط في هذا الترتيب حتى نظن أن اَ متى كانت موجودة- أعني الموجبة البسيطة- أن السالبة المعدولة موجودة وأنه متى كانت السالبة المعدولة موجودة أن الموجبة البسيطة موجودة. وكذلك الأمر في السالبة البسيطة مع المعدولة. وذلك إنما يعرض متى غلطنا فظننا أن المعدولة سالبة- مثل أن يظن فيما هو خير أنه مقابل ما هو لا خير على جهة الإيجاب والسلب لا على جهة العدل- وذلك أنه متى أخذنا اَ وبَ موجبة وسالبة وأخذنا أيضا اَ ودَ المعدولة موجبة وسالبة عرض ضرورة أن يكون متى وجدت اَ وجدت جَ ومتى وجدت جَ وجدت اَ وكذلك متى وجدت بَ وجدت دَ ومتى وجدت دَ وجدت بَ، وذلك خلاف الترتيب الذي تبين. فأما كيف يعرض ذلك فلانه إذا وضعنا أن اَ وبَ يقتسمان الصدق والكذب على جميع الموجودات ووضعنا أن اَ ودَ- وهي المعدولة- هي بهذه الصفة لزم ضرورة متى وجدنا بَ أن توجد دَ ومتى وجدنا دَ أن توجد بَ، لأن اَ وبَ واَ ودَ لما كانا يقتسمان الصدق والكذب على جميع الموجودات لزم متى كذبت اَ أن تصدق بَ ودَ لأن اَ وبَ متقابلان على جهة الإيجاب والسلب وكذلك اَ ودَ. فإذن متى وجدت بَ وجدت دَ ومتى وجدت دَ وجدت بَ، وكذلك يلزم في اَ مع جَ. وهذا اللزوم المظنون من هذه الأربعة حدود- التي هي اَ وجَ وبَ ودَ- ليس هو في الوجود فقط بل في الوجود والارتفاع- أعني أنهما متلازمان في الوجود والارتفاع- وذلك خلاف ما تبين. والسبب في هذا الغلط أن ظن بالمعدولة أنها سالبة تقتسم الصدق والكذب. وإذن تقرر أن الموجبة البسيطة ليست كالموجبة المعدولة.
مثال ذلك أنه ليس سلب قولنا كل إنسان أبيض قولنا كل إنسان لا أبيض، بل قولنا ليس كل إنسان أبيض. والعلة في ذلك هي العلة التي ذكرنا، وذلك أن قولنا كل إنسان أبيض وكل إنسان لا أبيض يكذبان معا وليس يوجد أحدهما بالضرورة في أي شيء كان من الأشياء كالحال في قولنا كل إنسان أبيض، ليس كل إنسان بأبيض. فإذن القياس الذي ينتج به قولنا كل إنسان لا أبيض هو غير القياس الذي ينتج به أنه ولا إنسان واحد أبيض، وذلك أن قولنا كل إنسان لا أبيض هي كلية موجبة وقد تبين أنها لا تنتج إلا في الشكل الأول. وقولنا ولا إنسان واحد أبيض هي سالبة كلية وهي تنتج في الأول والثاني، وذلك في صنف واحد من الأول وفي صنفين من الثاني، فهي تنتج في ثلاثة أصناف من المقاييس. وكذلك متى كانت المقدمة الصغرى في الشكل الأول معدولة، فليس ينبغي أن يظن به أنه غير منتج كحالها إذا كانت سالبة ولا متى كانت المقدمتان معدولتين كحالها إذا كانتا سالبتين. والمقدمة المعدولة تميز من السالبة بأن حرف العدل هو جزء من المقدمة، ولذلك يدخل أيضا عليه حرف السلب. وليس حرف السلب جزءا من المقدمة، ولذلك محمول الموجبة وموضوعها هو بعينه محمول السالبة وموضوعها.
وهنا انقضت المعاني التي تضمنتها هذه المقالة.
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وآله
المقالة الثانية
الفصل الأول
المقاييس التي تنتج نتائج كلية
1 / 61