وأما المقدمات الممكنة- أعني التي يقال عليها اسم الممكن بالحقيقة، وهي التي يمكن أن توجد وأن لا توجد في الزمان المستقبل- فإن الحال في انعكاس الموجبات منها كالحال في انعكاس الموجبات المطلقة والضرورية- أعني أن الكلية الممكنة والجزئية تنعكسان جزئية. وذلك بين أنه إن كان كل اَ بَ بإمكان أو بعض اَ بَ بإمكان، فأقول إن بعض بَ اَ بإمكان لأنه إن لم يكن بإمكان بل باضطرار فبعض اَ بَ باضطرار على ما تقدم، وقد كان وضع أن كل اَ بَ بإمكان، هذا خلف لا يمكن.
وأما المقدمات السوالب التي في هذه المادة فانعكاسها على ضد الانعكاس في تلك. وذلك أن الكلية السالبة في هذه المادة لا تنعكس كلية والجزئية تنعكس على ما سنبين ذلك عند القول في المقاييس التي تأتلف في المقدمات الممكنة. والسبب في ذلك أن السوالب في هذه المادة ليست سوالب بالحقيقة على ما بين في الكتاب المتقدم، وإنما قوتها قوة الموجبات، وذلك أن الجهة فيها نظير الكلمة الوجودية في القضايا التي ليس فيها جهة. وكما أن القضية التي لا يقرن حرف السلب فيها بالكلمة الوجودية وإنما يقرن بالمحمول هي موجبة- مثل قولنا زيد يوجد لا خيرا، ويوجد لا أبيض- كذلك هذه القضايا لما كان حرف السلب لا يقرن فيها بالجهة وإنما يقرن بالمحمول- مثل قولنا هذا ممكن أن لا يكون في شيء من هذا، وممكن أن لا يكون في بعض هذا. وسنبين هذا فيما بعد بيانا أكثر.
ائتلاف القياس
وإذ قد تبينت هذه الأشياء من أي شيء يأتلف القياس الذي حد قبل وبماذا يأتلف وكيف جهة ائتلافه ومتى يأتلف ائتلافا يلزم عنه شيء آخر غيره بالضرورة. ثم من بعد ذلك ينبغي أن نتكلم في البرهان. لأن الكلام في القياس يجب أن يتقدم على الكلام في البرهان لأن القياس أعم من البرهان إذ كان كل برهان قياسا وليس كل قياسا برهانا، وذلك إذا كان شكله منتجا ولم تكن مقدماته صادقة.
فنقول إن القياس المطلوب في هذا الكتاب إنما هو القياس الذي يؤلف على مطلوب محدد- مثل قولنا هل كل جَ هو اَ أم ليس شيء من جَ اَ. وهو بين أنا إذا أخذنا شيئا منسوبا لجَ واَ الذين هما طرفا المطلوب- وهو مثلا بَ- إنه يأتلف من ذلك مقدمتان من ثلاثة حدود متباينتان بحدين ومشتركتان في حد واحد، وإنه إذا أخذنا شيئا مشتركا لطرفي المطلوب بهذه الصفة إنه يمكن أن يبين به المطلوب- أعني أن جَ هي اَ أو أن جَ ليست هي اَ أو ليس فيها اَ. مثال ذلك أن نقول جَ هي بَ، وبَ هي اَ فيلزم أن تكون اَ في جَ. أو نقول جَ هي بَ، وبَ ليست هي اَ، فيلزم أن لا تكون اَ في جَ. فلنسم موضوع المطلوب في المقدمة الواحدة- الذي هو جَ- الطرف الأصغر ومحمول المطلوب في المقدمة الثانية- الذي هو اَ- الطرف الأكبر والحد المشترك بينهما- الذي هو بَ- الحد الأوسط. وتسمى المقدمة التي فيها الطرف الأصغر الصغرى والتي فيها الطرف الأكبر الكبرى. ولنسم ترتيب الحد الأوسط من الطرفين الشكل.
ولما كان الحد المشترك له من الطرفين أوضاع أربعة أحدها أن يكون موضوعا للطرفين أو محمولا عليهما أو موضوعا للأكبر ومحمولا على الأصغر أو عكس ذلك، فلننظر في أي ترتيب منها يصح أن تكون الأشكال الطبيعية للقوة الفكرية- أعني التي يقع عليها الناس بالطبع لا بقوة صناعية. فإن هذا هو القياس الذي تروم إعطائه هذه الصناعة- أعني الذي تروم حصر أجناسه وتميز الأصناف المنتجة في جنس جنس منها من غير المنتجة. ومن هذا الفحص يبين لك أن الأشكال الحملية ثلاثة وأن الشكل الرابع الذي يضعه جالينوس ليس بشكل طبيعي، وهو أن يكون الحد الأوسط محمولا على الطرف الأعظم موضوعا للأصغر لأنه ليس تعمله فكرة بالطبع- أعني أنه لا يوجد في كلام الناس ولو وجد لكان من جنس الشكل الأول ولم يكن رابعا.
القول في الشكل الأول
فنقول: أما إذا رتب الحد الأوسط من الطرفين بأن يكون محمولا والأكبر محمولا عليه- مثل أن نقول كل جَ هو بَ وكل بَ هو اَ- فهو من البين بنفسه أن هذا الترتيب قياسي وأنه يوجد لنا بالطبع. وأرسطو يسمي هذا الترتيب الشكل الأول.
1 / 5