وبين أنه واجب أن يكون في كل قياس منتج مقدمة موجبة " كيف ما" كانت في كميتها ومقدمة كلية كيف ما كانت في كيفيتها. وذلك أنه إذا لم يكن هنالك مقدمة كلية فإما أن لا يكون هنالك قياس، وإما أن يكون على غير المطلوب، وإما تكون المقدمة بنفسها هي المطلوب. مثال ذلك إن كان المطلوب هل اللذة بالموسيقى خير، فإن ما يمكن أن يؤخذ في بيان هذا المطلوب لا يخلو من أن يكون المطلوب نفسه أو غيره. ثم أن كان غيره فإنه لا يخلو من ثلاثة أحوال، إما أن تكون المقدمة المأخوذة في ذلك مهملة- وهي أن اللذة خير- أو تكون جزئية- وهي أن بعض اللذات خير- أو تكون كلية- وهي أن كل لذة خير. فإن أخذت المقدمة مهملة- وهو أن اللذة خير- لم تأمن أن تكون هذه المهملة تصدق من اللذات على غير اللذة الموسيقية، فلا يتضمن المطلوب- وهو أن اللذة الموسيقية خير. وكذلك إن صرحنا أيضا فيها بالسور الجزئي، فقلنا بعض اللذات خير. وذلك إن أنتجت أمثال هذه دائما، فغير المطلوب- مثل أن يكون قولنا بعض اللذات خير صادقا على لذة العلم. وكذلك المهملة تنتج عن ذلك أن لذة العلم خير، إلا أنه ليس هي المطلوب. وأما إن أخذنا المطلوب نفسه فهو بين أنه ليس يكون قياس. فلا بد في القياس النتج أن يكون الطرف الأصغر نطويا تحت الأوسط انطواء الجزءئي في الكلي حتى تكون نسبة إحداهما إلى الأخرى هي نسبة الجزء إلى الكل، وذلك بالفعل في الشكل الأول وبالقوة في الشكل الثاني والثالث. ومن هنا تبين أنه واجب أن تكون المقدمة المنطوية تحت المقدمة الكلية موجبة، لأنها إن كانت سالبة لم تنطو تحتها، ولا وجدت فيها هذه النسبة. ولذلك كان معنى المقول على الكل الذي يتضمن هذه النسبة موجودابالفعل في الشكل الأول وفي الثاني والثالث بالقوة.
فقد تبين من هذا القول أن كل قياس فواجب أن تكون فيه مقدمة كلية موجبة، وأن النتيجة الكلية إنما تبين عن مقدمات كلية، وأن النتيجة الجزئية قد تبين عن مقدمتين إحداهما جزئية- وذلك في الشكل الأول والثاني- وقد تبين عن مقدمتين كليتين- وذلك في الشكل الثالث. وإذا كان ذلك كذلك فالنتيجة الكلية لا تبين ضرورة إلا عن مقدمتين كليتين. وأما النتائج الجزئية فقد تبين عن الصنفين جميعا- أعني عن الكليتين وعن الكلية والجزئية.
وهو بين أيضا أنه واجب أن تكون كلتا المقدمتين أو إحداهما شبيهة في جهتها وكيفيتها بالنتيجة- أعني أنه إن كانت النتيجة ضرورية أو ممكنة أو مطلقة، فإنه إما أن تكون كلتا المقدمتين بتلك الجهة أو إحداهما- وذلك في المقاييس التي تنتج نتيجة واحدة، وهي المنتجة بما يتضمن من معنى المقول على الكل.
وهو بين أيضا مما قيل متى يكون قياس منتج ومتى يكون غير منتج، والمنتج أيضا متى يكون ناقصا ومتى يكون تاما، وأنه متى كان القياس حملي فبالضرورة أن تكون الحدود فيه مرتبه أحد تلك الأنحاح الثلاثة التي وصفنا.
وهو بين أيضا أن كل نتيجة فإنها تكون بثلاثة حدود لا أقل من ذلك ولا أكثر، إن لم تكن النتيجة الواحدة بعينها تبين بمقاييس كثيرة. وذلك يكون على ضربين، أحدهما أن تكون النتيجة الواحدة بعينها تبين بمقاييس كثيرة كل واحد منها كان في إنتاج النتيجة- أعني مفردا وبذاته. ولتعلم أن ذلك ممكن بنحوين، أحدهما مثل أن تبين نتيجة هَ مثلا بمقدمتي اَ بَ على حدة وبمقدمتي جَ دَ على حدة، أو بمقدمتي اَ بَ على حدة وبمقدمتي اَ كَ على حدة أو بَ لَ على حدة. والضرب الثاني أن تكون المقدمتان المنتجتان للنتيجة المفروضة نتائج عن مقدمات أخر إما كلاهما وإما إحداهما. مثال ذلك أن تكون نتيجة هَ منتجة بمقدمتي اَ وبَ ويكون مقدمتي دَ هَ ومقدمة بَ منتجة بمقدمتي وَزَ، أو تكون مقدمة اَ منتجة بمقدمتي دَ هَ وتكون مقدمة بَ مبينة بالاستقراء أو بينة بنفسها من أول الأمر. فعلى الجهة الأولى تكون المقاييسي كثيرة والنتيجة واحدة. وعلى هذه الجهة تكون المقاييس كثيرة والنتائج كثيرة لأنها في هذا المثال ثلاثة، وهي هَ التي هي النتيجة الأخيرة، واَ وبَ اللذان هما مقدمتان نتيجة هَ، ونتيجتا مقدمتي دَ هَ وَزَ وَ. فأما متى لم تكن مقاييس كثيرة لنتيجة واحدة وإنما هو قياس واحد، فإنه لا يمكن أن تكون نتيجة واحدة عن اكثر من حدود ثلاثة، لأنه قد تبين هاهنا أنه لا يكون قياس عن أقل من مقدمتين.
1 / 44