كل أولئك عجب، وإن عند شكسبير لأعجب: هذا شيلوك اليهودي المطماع، المرابي، الحريص إلى التقتير، الذي لا تسخو نفسه «بالدوقي» ينفقة في اقتناء الدواء إذا مرض وأوشكت العلة أن تقضي عليه، قد تأصل بغض النصرانية من نفسه حتى إنك لتراه على النقيضين في آن: يثور به الحرص فيبكي، وأي بكاء، على أعلاق سرقتها ابنته وفرت بها مع شاب مسيحي، ثم يشب به عامل الحقد الديني فيتغلب فيه على ذاك العامل ويحركه إلى التخلي عن ثلاثة آلاف دوقي ذهبا، بل عن ستة آلاف، بل عن اثني عشر ألفا تعرض عليه فداء، فيأباها كأنها أقل من درهم لينتقم من أنطونيو النصراني.
وهل في إظهار التنازع بين الإحساسين المتضادين في النفس الواحدة أبلغ من هذه العبرة التي جاء بها شكسبير بين الجد والهزل؟ طالعوا في دقائق معدودة هذا الحوار بين شيلوك وبين صديقه وأخيه في الدين طوبال الذي ناط به شيلوك البحث عن ابنته الفارة:
شيلوك :
ما وراءك يا طوبال؟ أوجدت ابنتي في جنوا؟
طوبال :
خوطبت عنها في أماكن جمة، ولكنني لم أتوصل إلى عرفان موضوعها.
شيلوك :
يا للخسران! اختلست مني ألماسة بيعت علي في فرنكفورت بألفي دوقي. والآن قد طفقت اللعنة تحل على أمتنا حلولا لم أشعر به من قبل. ألفي دوقي فقدتها عدا مصوغات أخر غالية وأي غلاء. من لي بابنتي ميتة عند قدمي والألماستان في أذنيها؟ من لي بها ممدودة هنا أمامي على وشك أن تحمل في نعش وتحمل معها الدوقيات، عجبا! أما من نبأ عنها، هكذا؟ ويعلم الله كل ما سأنفقه حتى أجد تلك الضالة، خسارة فوق خسارة ...
طوبال :
لست فذا في تعرضك للنوائب. إن أنطونيو قد فقد إحدى سفائنه.
Page inconnue