وأنا والله لا أعرف أهؤلاء القوم يجدون أم يسخرون؟ ولكن الذي لا
أجهله أن في بعض الناس أرواحًا وأمزجة انطبعت فيها صور الاجتماع الأوروبي بما يحوي من فضائله ورذائله - لأن هذه نتائج تلك، ما منها لهم بد - فتريد هذه النفوس الرقيقة الجميلة أن تنسخ الرسم الإسلامي الشرقي وتقر كل ذلك الأوروبي في مكأنه، وتلك هي نزعة الجديد.
وأنت فإذا كنت محاميًا أفلا يكون من واجبك أن تلبس اللص إذا دافعت
يومًا عن لص، فتقف الوقفة الشريفة وإن فكرك وذكاءك ومنطقك كل ذلك
يحتال احتيال اللصوص ويتصل بمعانيهم ويستنبط من الوسائل ما لعل اللص
نفسه يعجز عن بعضه.
هذا هو المثل لا غيره، ولأقل لك فى صراحة إن مساجد القاهرة ترى
ألف سائح كل سنة ولا ترى في السنة كلها واحدًا من أهل الجديد، فهذا هو
مَرد تلك النزعة، ثم إن هناك فئة قليلة من الصَّحفيين ترى في كلمة الجديد
معنى بديعًا من معاني "لغة الإعلانات" وهذه اللغة لا تبالي ما ينفع مما يضر.
ولا ما يصدق مما يكذب، ولكن ما يروج وما يكسد، وما يربح وما يخسر.
فالجديد العربي عند هؤلاء إنما هو كذلك في تسميته، أما في معناه فهو جديد
أمريكاني.
إن كان الخلط أيها الناس يسمى جديدًا فقد كان في القوم من يخلط وإن
كانت الركاكة ففي القديم ما شئتم منها حتى ومن أساليب "جراميق الشام
وأمريكا" وإن كان التحامل والطعن والعيب فذلك كله قديم، وإن كانت
الإنسانية فهي قديمة، وإن كان العقل فإن أعظم العقول البشرية من القديم
وحده، فماذا إذًا؟
لعلكم تريدون الذوق، فكيف تصنعون وأنتم ترون لكل امرئ ذوقه
وتبصرون الأحوال تجري في ذلك بأشياء غريبة حتى في أجمل ما في الجمال.
فلقد يكون أثقل ما في الثقل على بعض الطباع كثقل الفصاحة على طباعكم، وثقلكم أنتم على طباعنا فليس لكم في الذوق شيء لا يكون لنا مثله.
أم تريدون من الجديد تصوير الحياة العصرية بمذاهبها في الشعر والنثر؛
1 / 52